العمالة الفقيرة ، سبل المواجهة ... بقلم أحمد عوض


أحمد عوض

في خضم تراجع الأوضاع الاقتصادیة والاجتماعیة خلال السنوات الماضیة، برزت الى السطح ظاھرة العمالة الفقیرة في الأردن، وھم فئة جدیدة من الفقراء غیر القادرین على تلبیة متطلبات حاجاتھم وحاجات أسرھم الأساسیة، بالرغم من أنھم منخرطون في سوق العمل ویعملون في الاقتصاد المنظم أو غیر المنظم.
وھي ظاھرة جدیدة، باعتبار أن الفقراء الذین كانت وما زالت تتعامل معھم شبكات الحمایة الاجتماعیة في الأردن، ھم المواطنون غیر القادرین على العمل، ولا یوجد لدیھم أي مصدر للدخل مثل كبار السن والمرضى والأشخاص من ذوي الإعاقة وأسر السجناء وغیرھم من الفئات الاجتماعیة غیر القادرة على العمل لأي سبب كان.
والعمالة الفقیرة تعد تحدیاً إضافیاً إلى جانب التحدیات الاجتماعیة الأخرى التي نعیشھا یومیاً، ویتطلب مواجھتھا تطویر و/أو تعدیل سیاسات اجتماعیة واقتصادیة قادرة على تمكین ھذه الفئات الاجتماعیة المتنامیة من الخروج من دائرة الفقر، وتمكینھا من مواجھة متطلبات الحیاة وتغطیة النفقات الأساسیة اللازمة لتمكینھم من الحیاة الكریمة.
تنامت ھذه الظاھرة بشكل ملفت، بعد مضي الحكومات المتعاقبة وغالبیة القطاع الخاص قدما في عدم رفع أجور العاملین بما یتناسب مع ارتفاع تكالیف المعیشة المعبر عنھا بمؤشري أسعار المستھلك والتضخم. الى جانب إصرار الحكومات المتعاقبة بما فیھا الحكومة الحالیة على عدم رفع الحد الأدنى للأجور.
وبالرغم من انخفاض الحد الأدنى للأجور بشكل فاضح (220) دینارا شھریا، فإن الحكومة ممثلة بوزارة العمل غیر قادرة على تطبیقه، إذ ھنالك عشرات آلاف العاملین والعاملات في الاقتصادین المنظم وغیر المنظم لا تصل رواتبھم إلى الحد الأدنى للأجور، وھم یتركزون في قطاعات اقتصادیة ومھن معروفة، مثل الزراعة وصالونات التجمیل والعاملات بمھن السكرتاریة في مكاتب المھنیین من أطباء ومحامین ومھندسین ومعلمات المدارس الخاصة، إلى جانب العدید من المھن الأخرى.
وإضافة إلى انخفاض الحد الأدنى للأجور، وعدم ربطه بمستویات المعیشة وخط الفقر المطلق، وعجز الحكومة عن تطبیقه، فإن مستویات الأجور بشكل عام في الأردن منخفضة، إذ تشیر أرقام المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لعام 2017 إلى أن ما نسبته 31.5% من العاملین المسجلین فیھا (عمالة منظمة) رواتبھم الشھریة 300 دینار فما دون (مع العلم أن خط الفقر المطلق للأسرة المعیاریة في الأردن یقارب 400 دینار شھریا).
ودلالة ھذا المؤشر تتفاقم إذا ما أخذنا بعین الاعتبار أن مستویات أجور العاملین في الاقتصاد غیر المنظم – غیر المسجلین في الضمان الاجتماعي- أقل منھا في الاقتصاد المنظم، وھم یشكلون ما یقارب 50 بالمائة من القوى العاملة في الأردن.
ھذا التحدي الجدید في طریقه إلى التفاقم في ظل إصرار الحكومة على عدم مراجعة سیاسات الأجور والحد الأدنى لھا، الأمر الذي سیؤدي بالضرورة الى اتساع مساحة الفقراء في الأردن أكثر فأكثر، وبالتالي مزید من الضغوط على مخصصات شبكات الحمایة الاجتماعیة.
یبدو أن التوجه العام لدى الحكومة یذھب باتجاه تقدیم مساعدات نقدیة إلى الأسر التي تحصل على دخول لا تكفي لتغطیة نفقاتھا الأساسیة، الى جانب دعم الأجور، والذي نرى أنه مدخل غیر فعال وغیر مستدام لمواجھة ھذه المشكلة، حیث یبقي على جذر المشكلة المتمثلة في انخفاض الدخول مقابل ارتفاع تكالیف المعیشة.
السیاسة الأكثر فاعلیة واستدامة لمواجھة تحدي العمالة الفقیرة والحد من الفقر بشكل عام، یتطلب إجراء مراجعات جریئة لسیاسات الأجور باتجاه زیادتھا، وتفعیل أسالیب الرقابة والتفتیش لوزارة العمل والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، لضمان احترام معاییر العمل وعلى رأسھا الأجور، والحد من كافة أشكال التھرب التأمیني الذي تمارسه آلاف المؤسسات بعدم تسجیل العاملین لدیھا في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020