تتسم الثورة الصناعية الرابعة بقوة وتسارع تأثيراتها على حياة الإنسان المعاصر، وبشكل من شأنه أن يوجد قيماً جديدة في العمل والتفكير لحياة المستقبل، وبسرعة زمنية تفوق ما تركته الثورات الثلاث السابقة من تأثيرات منذ اختراع الآلة البخارية في أواخر القرن الثامن عشر، مروراً باستخدام الكهرباء في بدايات القرن العشرين، ثم تطور تكنولوجيا المعلومات من خلال الكمبيوتر والإنترنت بعد ذلك بحوالي 70 عاماً. والآن وبعد 50 عاماً على انطلاق تلك الثورة الصناعية الثالثة، تأتي هذه الثورة الرابعة لتحقق الترابط بين الإنتاج المادي والافتراضي في ما يسمى «ثورة العمليات الرقمية» القائمة على الترابط التفاعلي بين تكنولوجيا المعلومات والآلات والإنسان، وبهدف إيجاد كفاءة عالية في استخدام الموارد للتصنيع الذكي.
إن أكثر الأسئلة المطروحة في هذا الصدد يدور حول اتجاهات التعليم المستقبلية لتحقيق #التنمية_المستدامة، في ضوء الاحتياجات التي يفرضها التحول إلى الإلكترونيات الرقمية وإنترنت الأشياء، مما يعني حدوث تغييرات جذرية في أكثر من ثلث المهارات المهمة الموجودة لدى القوى العاملة اليوم بحلول العام 2020. فقد أصبحت الصناعة الجديدة تتطلب تطوير مناهج متعددة الاختصاصات، وتعزيز التفكير النقدي لدى الطلاب، ووجود بيئة تعلّم تشاركية وتفاعلية، وفق منهجية «علّمني كيف أتعلم»، والجمع بين مفهوم المعلم الافتراضي، ومفهوم المعلم الموجِّه من حيث اكتشاف القدرات المتميزة عند الطلبة، وتوجيههم في كيفية التعلّم بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتؤكد دراسة لمنظمة العمل الدولية في هذا الصدد أن انتشار التكنولوجيا سيؤدي إلى إيجاد وظائف جديدة تصل نسبتها إلى حوالي 50% من الوظائف الموجودة اليوم، كما سيؤدي ذلك إلى ابتكارات أخرى وتطوير منتجات جديدة، وارتفاع الرواتب والدخل والقدرة الشرائية، وانخفاض الأسعار نتيجة نمو الإنتاجية المعززة تكنولوجياً.
وعلى المستوى العربي نجد اليوم أن عدة تصنيفات عالمية تؤشر على أن دول الخليج تظهر تفوقاً في جودة التعليم، فيما تغيب دول مثل سورية والعراق عن مثل هذه التصنيفات التي تربط بين كفاءة تطوير التعليم واحتياجات سوق العمل. غير أن تقرير دافوس يوضح أن 13,4 مليون طفل في الدول العربية حرموا من تلقي التعليم في المدارس بسبب النزاعات المسلحة، مما يدعوني إلى اقتراح صيغة مؤسسية عربية تشارك فيها قطاعات التعليم والبحث العلمي والقطاعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية والشركات التكنولوجية، تكون مهامها الدفع باتجاه عمل عربي مشترك في حقل التنمية الاقتصادية الرقمية، وإيجاد الخطط الملائمة لتكوين نواة اقتصادية عربية متكاملة لتوزيع الطاقات والقدرات البشرية والمادية واستثمارها بالصورة الأفضل. (الرأي)
الدكتور محمد أبوحمور
وزير مالية سابق والأمين العام لمنتدى الفكر العربي
إرسال تعليق