ما ان أعلنت الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، حتى واجهت انتقادات عديدة أطلقها المختصون والخبراء بهذا المجال بمن فيهم أعضاء في اللجنة التوجيهية التي شكلت عند إعداد هذه الخطة.
الخطة أنيقة بشكلها الخارجي وما استخدم فيها من تقنيات ورسومات وبيانات، لكنها بالبعد العملي والتنفيذي خلت من أي تفاصيل تعطي مؤشرا على تنفيذها على أرض الواقع، فضلًا عن أن محتواها يواجه إشكاليات حقيقية في التطبيق.
الغاية من إطلاق الخطة الوطنية للحماية الاجتماعية كما أعلنتها الحكومة، هي الوصول الى منظومة حماية اجتماعية شاملة وشفافة قابلة للقياس للمساءلة والمحاسبة وتعزيز الانتاجية والاعتماد على الذات من خلال توفير بيئة عمل لائقة، وفرص عمل متكافئة، وقطاعات إنتاجية ذات قيمة مضافة، والوصول إلى سوق عمل منظم ومنصف بين مختلف القطاعات إلى جانب تقديم الخدمة التعليمية الشاملة والممكنة والرعاية الصحية السليمة والمنصفة للمواطنين الأردنيين بكرامة.
وتتضمن الاستراتيجية التي رعى رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز اطلاقها نهاية شهر أيار الماضي، أربعة محاور أساسية هي: سياسات سوق العمل، والتأمينات الاجتماعية، والخدمات الاجتماعية، والمساعدات الاجتماعية.
الأهداف آنفة الذكر، لم ير مدير مركز الفينيق لدراسات والمعلومات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض، وجودا لها بين ثنايا أوراقها، رغم أنه عضو اللجنة التوجيهية التي أشرفت على إعداد الخطة من بداية مراحلها.
ويعلل عوض ذلك بقوله إنه لم يتم الاستماع للأراء كما يجب، ولم نطلع على الاستراتيجية إلا قبيل إطلاقها بأيام، أي أننا لم نواكب إعدادها.
وهذا الأمر ينطبق على الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس، وهي عضو في اللجنة التوجيهية، إذ قالت إنهم «لم يقابلوا، ولم يتحدثوا معي»، مضيفة إنها لم تر أي مسودة للخطة لغاية الأسبوع الأول من أيار.
وتابعت إنه «لم يتم مقابلة أي خبير من لجنة المرأة خلال فترة إعداد الاستراتيجية ولم تكن جزءًا من الفريق الفني».
وقالت «قدموا لنا عرضا حول محتويات الخطة، وفي العاشر من أيار وصلني ملخص عن الخطة التي لا تحتوي على إطار عمل منطقي أو مؤشرات قابلة للقياس».
وأكدت أن الاستراتيجية بشكلها الحالي، ستبقى «حبرا على ورق» وستوضع على رف كباقي الاستراتيجيات التي سبقتها.
وانتقدت النمس مؤشر الفقر الموجود بالخطة، إذ تقول أن الخطة اعتبرت أن 240 دينارا خط الفقر المدقع، لكن لم تأخذ بالحسبان العائلة التي دخلها لا يكفي تدريس أولادها حتى لو كان 700 دينار، حيث يقسم ما بين المواصلات وبدل حضانة للأطفال ومستلزمات الحياة، لافتة إلى انهم يلجأون إلى القروض والسلف حتى لا يصبحوا من شريحة الفقر المدقع.
وبينت النمس أن الخطة تخلو من محور النوع الاجتماعي فلم تأخذ بالاعتبار الأسرة الفقيرة التي ترأسها إمرأة، وتبعات ذلك على صحتها حيث تضطر أن تحرم نفسها من التغذية المناسبة لتأمين المأكل لأولادها ما يسبب لها أمراضا مثل فقر الدم.
وأضافت أن الاستراتيجية لم تعالج موضوع القروض الصغيرة وكيفية تطويرها ودراستها، بحيث تحقق الغرض من وجودها، بدل أن تحول النساء إلى غارمات، فقد خلت من أي منظور حقوقي إنساني.
وهو ما انطلق من عوض الذي قال إن استراتيجية الحماية لم تستند على حقوق الإنسان بمنظور شمولي، فالأصل من الخطة ليس بناء شبكات لدعم الفقراء لتعزيز قدرتهم على الحياة، وإنما منع وقوع الناس في الفقر.
وبين أن منع الناس من الفقر يتم عبر سياسات إقتصادية تشمل السياسات الضريبية، العمل، الأجور، سياسات السوق..الخ.
ولفت عوض إلى أنه بكل الاستراتيجية لا يوجد ما يشجع على تقليل العمل غير المنظم، أو آليات لمواجهة إشكاليات العمل غر المنظم، مثل الضمان الاجتماعي، ساعات العمل، إجازات، لم تركز على آليات إنفاذ قانون العمل، وآليات إنفاذ الضمان الاجتماعي على سوق العمل غير المنظم.
وأضاف لم يتم ذكر مراجعة سياسات الأجور، رفع الحد الأدنى للأجور، توفير الحماية للفقراء.
ووفق دراسة أعدها المجلس الاقتصادي الاجتماعي عام 2010 تمثل العمالة غير الرسمية 44٪ من إجمالي العمالة في الأردن، أن القطاع غير الرسمي يشكل 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وشدد عوض على ضرورة أن تتضمن الاستراتيجية إعادة النظر بما يسمى «الانضمام الاختياري» للضمان الاجتماعي، للأشخاص الذين يعملون في أعمال كسائقي التكسي أو أعمال السوق غير المنظم، بحيث تتحمل جزءا من إشتراك الضمان، كما تعمل مع أصحاب الأعمال في المصانع والشركات الصغرى، حيث تتحمل اشتراكات العمال لتشجيعهم على تشغيل العمالة الأردنية من خلال حملات التشغيل.
وبين عوض أن أعداد هؤلاء يقدر بالآلاف، لافتًا إلى أن تحمل الدولة مسؤولية تسجيلهم بالضمان الاجتماعي له ميزات منها توسيع قاعدة المشتركين في الضمان، وبالتالي إيرادات إضافية له، وهذا يوفر على الحكومة النفقات المخصصة لصندوق المعونة وشبكات الفقر، وذلك أن من يتعرض لحادث أو ظرف يوقفه عن العمل، يتكفل الضمان بدفع الراتب التقاعدي أو بدل العجز، فتتحقق له حياة كريمة، دون الحاجة إلى اللجوء لصناديق الفقر.
إلى ذلك، رفعت اللجنة الوطنية كتابا رسميا إلى الحكومة وضعت فيه ملاحظاتها حول الخطة، حيث أكدت اللجنة بملاحظاتها أنه يغيب منظور النوع الاجتماعي تمامًا عن هذه الوثيقة، فمعظم الأرقام غير مصنفة حسب الجنس ولا تبحث في التحديات التي تواجهها النساء والفتيات بشكل خاص في هذا المجال سواء كربات أسر أو كمعرضات للفقر ومتأثرات به بشكل خاص.
وأشارت اللجنة إلى انه لم تأخذ الاستراتيجية بالاعتبار الالتزامات الأساسية التي أخذتها الحكومة حول المرأة، آخرها خطة المشرق للتمكين الاقتصادي للمرأة.
ولفتت اللجنة إلى أنها لم تقدم ملاحظات تفصيلية على وثيقة خطة العمل التنفيذية فهي ليست خطة عمل تنفيذية فالاستراتيجية بحاجة أولًا لوجود ما يسمى إطار العمل المنطقي Logical framework يقدم مؤشرات أساسية ومستهدفة وقيما أساسية يمكن من خلالها تقييم التقدم المحرز نحو تنفيذ الاستراتيجية.
وتساءلت اللجنة فيما إذا كان هناك وثيقة أخرى لم يتم مشاركتها معهم توضح تعريفات الفقر المختلفة، والفئات المستهدفة ضمن هذه الاستراتيجية، غير معيار الدخل؛ فهذا المعيار وفق اللجنة، ضيق بدون تحديد الحاجات الاساسية التي يمكن أن يغطيها هذا الدخل لتحقيق العيش الكريم لجميع الأردنيين والأردنيات.
وشددت على أنه إن كانت الاستراتيجية فعلًا تستهدف الأسر ذات الدخل الذي يقل عن 250 دينارا شهريًا فتعتبر أستراتيجية ضيقة جدًا ولن تؤدي إلى نقلة نوعية لجميع الأردنيين والأردنيات لعيش حياة كريمة.
وقالت اللجنة إنه لم يتم الإشارة في الاستراتيجية إلى أجندة وأهداف #التنمية_المستدامة 2030 التي التزم بها #الأردن، ويعمل على مواءمة خططه التنفيذية معها، وربط مؤشرات التنمية بغاياتها خاصة المرتبطة بالفقر وانهاء اللامساوة.
وأكدت أنه ينبغي إفراد قسم كامل لآليات ضمان التنفيذ وإطار المتابعة والتقييم والجهات المسؤولة عن ذلك، وإلا ستبقى هذه الاستراتيجية في الأدراج.
إرسال تعليق