رانيا الصرايرة
عمان- طالبت منظمات مجتمع مدني مهتمة بمحاربة عمالة الأطفال بوضع استراتيجية وطنية جديدة للحد من عمل الأطفال، وتفعيل دور اللجنة الوطنية لعمل الأطفال، ووضع نظام خاص لعملها وآلية اجتماعاتها، ومراجعة الإطار الوطني ومعالجة أسباب تعثر تطبيقه.
وأكدت هذه المنظمات في أوراق موقف لها أمس بمناسبة اليوم العالمي لعمل الأطفال الذي صادف أمس، بـ”إنشاء قاعدة بيانات وطنية خاصة بعمل الأطفال، تشمل البيانات المتعلقة بالأطفال العاملين وكذلك المنقطعين والمتسربين من المدارس، وحالات التسول، والباعة المتجولين، والباحثين بالنفايات بحيث تكون هذه المعلومات متاحة لجميع الجهات المعنية بقضايا عمل الأطفال”.
وأكد مركز بيت العمال للدراسات والأبحاث أن أعداد الأطفال العاملين في المملكة في تزايد، حيث “ارتفع عدد الأطفال العاملين بعمر 5-17 سنة من 33190 عام 2007، إلى 75982 عام 2016 وفق المسح الذي أجرته الحكومة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، 69661 منهم تنطبق عليهم صفة عمل الأطفال المحظور قانوناً، و 44917 يعملون في أعمال خطرة”.
واعتبر المركز أن للظروف المعيشية الصعبة التي تواجه المجتمع الأردني بسبب الزيادة السكانية، والتفاوت في المستويات الاقتصادية، “انعكاسا على الخدمات التي يتم تقديمها للأفراد خاصة في مجالي الصحة والتعليم، إضافة إلى انخفاض الدخل الفردي، الأمر الذي أدى إلى توسع نطاق المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، ومن بينها عمالة الأطفال على حساب التعليم الأساسي وغياب التدريب الملائم لقدراتهم، فضلا عن حرمانهم من ممارسة حياتهم في ظروف طبيعية تتلاءم مع أعمارهم”.
وأشار بهذا الخصوص الى أن “الفقر وارتفاع معدلات البطالة وتدني مستوى المعيشة تشكل عوامل رئيسية في تسرب الأطفال إلى سوق العمل، ولاحظ أن معظم أسر الأطفال العاملين تعاني من تعطل رب الأسرة عن العمل، أو من عدم كفاية الدخل لتغطية احتياجاتها، حيث يساهم عمل الطفل في تغطية بعض الالتزامات”.
وفي مجال سياسات الحد من عمل الأطفال، أشار مركز بيت العمال إلى أن قضية عمل الأطفال “لم تحظ بالدراسات الكافية المبنية على مؤشرات مفصلة ومحدثة تشمل أسبابها وآثارها، واقتصرت في الغالب على جوانب ومؤشرات محدودة، كما لم تخرج بتصور شامل لحل المشكلة أو حتى التقليل من حجمها أو من آثارها الضارة”.
وأوضح أن الاستراتيجية الوطنية لعمل الأطفال 2006 والإطار الوطني لعمل الأطفال لم يتم مراجعتهما أو تحديثهما منذ عام 2011، “رغم تفاقم المشكلة وتضاعف أعداد الأطفال العاملين منذ ذلك الوقت، كما أن هناك قصورا واضحا في الإجراءات التي تتعلق بالوقاية من هذه الظاهرة، واقتصر دور الجهات الحكومية المعنية على مراجعة التقارير ومقارنتها مع الحالات التي يتم اكتشافها من خلال الزيارات الميدانية، وإدخال البيانات على قاعدة البيانات وحصر أعداد الطلبة المتسربين من المدارس وإصدار التقارير حول ذلك”.
بدوره أوصى المرصد العمالي التابع لمركز الفينيق للدراسات في ورقته بضرورة إعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي تم تطبيقها في الأردن خلال العقود الماضية وما زالت تطبق، والتي “أدت الى زيادة معدلات الفقر”، مؤكدا أن أغلبية الأطفال العاملين ينتمون الى أسر فقيرة، تدفعهم حاجتهم لإخراج أطفالهم من مقاعد الدراسة، أو التساهل في تسربهم من المدارس بهدف المساهمة في توفير مداخيل اضافية تساعد هذ الأسر على تلبية حاجاتها الأساسية.
ودعا “الفينيق” الى تشديد الرقابة من قبل المؤسسات الرسمية على الأماكن التي تتركز فيها عمالة الأطفال، وتطبيق القوانين التي تحظر عملهم، ووضع عقوبات رادعة بحق المخالفين وعدم الاكتفاء بدفع غرامات بسيطة، إلى جانب تفعيل الحملات التوعوية حول الآثار السلبية الناتجة عن عمل الأطفال في المدارس والأسر.
الا أنه أكد أن التشريعات الأردنية تتواءم في مجال عمل الأطفال بشكل كبير مع المعايير الواردة في الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة خاصة اتفاقية حقوق الطفل، اذ يحظر قانون العمل وتعديلاته تشغيل الأطفال الذين لم يكملوا السادسة عشرة من عمرهم بأي صورة من الصور، حظرت المادة 74 منه تشغيل الأحداث الذين لم يكملوا الثامنة عشرة في الأعمال الخطرة أو المضرة بالصحة.
ورأى أن ارتفاع معدلات عمالة الأطفال في الأردن يعود إلى عدة أسباب وعوامل؛ داخلية مرتبطة ببنية وطبيعة الواقع الاجتماعي والاقتصادي في الأردن، وخارجية مرتبطة بوجود مئات آلاف اللاجئين السوريين خلال السنوات القليلة الماضية وتفاقم التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة، إضافة الى تراجع مؤشرات العدالة الاجتماعية، والتي نجمت بشكل أساسي عن تنفيذ سياسات اقتصادية لم تأخذ بعين الاعتبار النتائج والآثار الاجتماعية لهذه السياسات، والتي تركزت خلال العقود الماضية على تحرير الاقتصاد الوطني، والإمعان بتنفيذ سياسات مالية تقشفية متنوعة.
وحذر من أن الأطفال العاملين يتعرضون للعديد من المخاطر أثناء عملهم أبرزها الضرر من الآلات الثقيلة والأصوات العالية والإضاءة الضعيفة والتعرض للمواد الكيميائية، والإصابة أثناء العمل وعدم مواءمة قدراتهم الجسمانية لطبيعة الأعمال التي يقومون بها، وكذلك عدم مواءمة ساعات العمل الأسبوعي لأعمارهم، مشيرا الى أن ثلث الأطفال العاملين يعملون أكثر من 48 ساعة أسبوعيا، و 55 % يعملون أقل من 36 ساعة أسبوعيا.
كما حذر من أن “الأطفال في سوق العمل يتعرضون لسوء المعاملة والإهانات النفسية والجسدية أثناء عملهم، وفي العديد من الحالات لاعتداءات جنسية، وهم لذلك يعانون من مشكلات واضطرابات نفسية واجتماعية وجسمية، وغالبا ما تترك الأعمال التي يمارسونها سلوكيات استغلالية نفسية وجسدية وتزرع فيهم الإحساس بالدونية والظلم، وتكون سببا بدفع العديد منهم إلى الانحراف والتمرد على معايير وقيم المجتمع”.
وقال مركز تمكين للدعم والمساندة إنه تبين من خلال تنفيذه 44 جلسة رفع وعي حول عمل الأطفال خلال الفترة الواقعة بين أيار (مايو) وكانون الأول (ديسمبر) 2018 في بعض من محافظات الشمال والوسط أن “الأطفال من الجنسيتين السورية والأردنية في مناطق عمان الشرقية والرمثا وبعض مناطق الزرقاء وجرش ومخيم البقعة تحديدا هم الأكثر اقبالا على العمل من المناطق الأخرى”، كما تبيّن أن عمل الأطفال يتخذ أشكالًا متعددة، ومنهم من يعمل فقط في العطلة الصيفية، ومنهم من يعمل أثناء الدراسة ومنهم من هو منقطع عن الدراسة تمامًا.
وأكد ان الفقر أهم العوامل التي تؤدي إلى انتشار عمالة الأطفال؛ معتبرا أن الفقر يفرخ بلا علم ولا تستطيع النهوض بأمتها ولا المساهمة في تطورها لا في ميدان الاقتصاد ولا في غيره من الميادين ويوقع المجتمع بأسره بين فكي الفقر والجهل.
وأوصى المركز الحكومة بتطوير شبكة حماية اجتماعية عادلة توفر الحياة الكريمة للفقراء، وإعادة النظر بسياسات الأجور باتجاه زيادتها بما يتواءم مع مستويات الأسعار، وأن “تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين، للحؤول دون اضطرارهم لدفع أطفالهم الى سوق العمل لمساعدة أسرهم في تغطية نفقاتهم الأساسية”، كما أوصى بزيادة الغرامات المفروضة على أصحاب العمل الذين يوظفون أطفالا. (الغد)
اقرأ أيضاً:
خبراء يطالبون بوضع خطة طوارئ لمعالجة تفاقم البطالة
معنيون بقانون العمل بتفاجؤون بوأده بعد أسبوعين على ولادته .. رانيا الصرايرة
إرسال تعليق