في الوقت الذي نبحث فيه بشكل حثيث عن السياسات والأدوات التي يمكن أن تساهم في الخروج من حالة التباطؤ الاقتصادي واتساع رقعة الفقر وتفاقم مؤشرات البطالة، تظهر فكرة تعزيز دور الجمعيات التعاونية التي تراجع دورها بشكل ملموس خلال العقود الماضية.
لعبت الجمعيات التعاونية “التعاونيات” وعلى مدار عقود مضت أدوارا اقتصادية واجتماعية ملموسة في الأردن، وخاصة في مجال التشغيل الكثيف والحد من الفقر وتشغيل النساء، إلا أن هذا الدور تراجع بشكل واضح خلال العقود الماضية لعدة أسباب.
فمن جانب تراجع دعم الحكومة لهذا القطاع في إطار تشجيع الاستثمار للقطاع الخاص، إضافة إلى تغيير رؤية العمل التعاوني لدى القائمين على ملف الجمعيات التعاونية ومؤسسي هذه الجمعيات واداراتها، وأصبح يقترب أكثر نحو الحصول على منح-اشبه بعمل الجمعيات العادية والخيرية-، بدل أن تكون هذه التعاونيات مؤسسات اقتصادية تقوم على مساهمات الأفراد فيها.
وللأسف شجعت الحكومة وما زالت هذا التوجه، حيث قدمت عبر بعض وزاراتها ومؤسساتها منحا للتعاونيات، ما دفع الأخير للعمل من أجل الحصول على المزيد، وابتعدت شيئا فشيئا عن مفهومها الأساسي. وكان الأجدر بالحكومة أن تقدم تسهيلات ضريبية ودعما فنيا لإدارات هذه الجمعيات التعاونية لتحسين أدائها وفعاليتها.
كذلك، ساهم ابتعاد عمليات تأسيس وعمل الجمعيات التعاونية عن مبادئ التعاون المتعارف عليها دوليا وعلى رأسها استقلالها كمنشآت اقتصادية ذاتية الإدارة في اضعاف دورها، إذ أدى نظام الجمعيات التعاونية المعمول به إلى تعزيز تبعيتها للمؤسسة التعاونية الأردنية، ما أفقدها استقلاليتها.
تعزيز دور التعاونيات يشكل فرصة حقيقية لمواجهة العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي نواجهها في الأردن، وخاصة الفقر والبطالة، فالعديد من دول العالم المتقدمة تعتمد اقتصاداتها على التعاونيات، ولا تقتصر أعمال التعاونيات على الأعمال الحرفية والزراعية واليدوية، لا بل امتدت لتعمل في مجالات التكنولوجيات المختلفة والطيران وغيرها من القطاعات الاقتصادية.
هنالك أولوية لإعادة النظر في السياسات الناظمة لعمل القطاع التعاوني الأردني وواقعه، وتشجيع المواطنين للانخراط به من خلال منحه مزيدا من التحفيز، وتشجيعه على التوسع، من خلال تقديم تسهيلات ضريبية، سواء على مستوى ضريبة الدخل أو الضريبة العامة على المبيعات لمنتجاتها، وتخفيض الرسوم الجمركية على مدخلات انتاجها.
ولتشجيع القطاع التعاوني مطلوب كذلك من الحكومة ومجلسي النواب والأعيان المبادرة لإجراء تعديلات على التشريعات والأنظمة المتعلقة بهذا القطاع، آخذين بعين الاعتبار معايير التعاون الدولي والممارسات الفضلى ذات العلاقة والخروج من الرؤية الضيقة التي أضعف دور التعاونيات في الأردن.
تراجع مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن، تدفعنا للإسراع في التفكير في كافة الفرص الكامنة في الدولة والمجتمع، والقطاع التعاوني يتضمن العديد من الفرص الاقتصادية التي من شأنها توليد فرص عمل جديدة ومحاربة الفقر والتخفيف من التفاوت الاجتماعي. (الغد)
إرسال تعليق