جواد جلال عباسي
بعد أقل من خمس سنوات على آخر تغيير لقانون الضمان الاجتماعي تقدمت الحكومة بمقترحات جديدة لتعديل جديد على القانون. قبل أن نتحدث في المقترحات الجديدة لربما من الأجدى توضيح بعض الأمور الحالية في القانون الحالي وتطبيقه. كذلك بات لزاما على الحكومة التي تريد تغيير قانون الضمان أربع مرات خلال عشر سنوات عرض أحدث دراسة اكتوارية بكامل تفاصيلها وفرضياتها وبيان وما طرأ من تغييرات تستدعي استحداث أي تعديلات.
تشكو إدارة الضمان الاجتماعي دوريا من زخم الاقبال على التقاعد المبكر من قبل المشتركين. وهذا أمر صحيح. لتفسيره يجب الانتباه إلى أن الضرائب المختلفة تساهم في تشكيل قرارات الأفراد الاقتصادية. وعليه فان الكثيرين ممن تجاوزت اشتراكاتهم الوظيفية في الضمان 25 عاما -مثلا- يدرسون وضعهم بتأن ويتقاعدون مبكرا. لان راتبهم الحالي بعد اقتطاع ضريبة الدخل واقتطاع الضمان الاجتماعي وكلفة المواصلات اليومية إلى العمل يكون قريبا جدا من راتب التقاعد المبكر الذي استحقوه بحسب القانون. وبالتالي هم يشتغلون بدون مقابل عال. أضف إلى ذلك أن تباطؤ النمو الاقتصادي منذ ثماني سنوات يساهم في رغبة الكثير من الشركات في تخفيف كلفها فيشجعون الأفراد ذوي الرواتب العالية على التقاعد المبكر متى ما استحقوه والذي يكون أيضا قرارا منطقيا لطرفي المعادلة. ناهيك عن أن الكثيرين ممن يختارون التقاعد المبكر قد ينصرفون إلى العمل غير الرسمي أو يبحثون عن عمل جديد خارج الأردن.
هي اذن عاصفة مثالية: اقتطاعات ضريبة وضمان عالية وضرائب عالية على المحروقات ترفع كلفة المواصلات وتسحب السيولة من السوق وتقلل من القدرة الاستهلاكية والاستثمارية للشركات والافراد معا وتساهم في دفع الكثيرين إلى القرار المنطقي في التقاعد المبكر.
ماذا عن عبء الضمان الاجتماعي على الاقتصاد الأردني؟ بسبب القانون الأخير الذي رفع نسب الاقتطاعات سنويا فقد وصل مجموع اقتطاعات الضمان الاجتماعي في 2018 إلى 1743 مليون دينار مشكلا 5.8 % من حجم الاقتصاد مقابل نسبة 4.7 % من حجم الاقتصاد في 2015 عندما بلغت الاقتطاعات 1254 مليونا. أي أن عبء اقتطاعات الضمان الاجتماعي قد زاد بحوالي الربع كنسبة من الاقتصاد خلال ثلاث سنوات فقط. وهذا حتما يثبط النمو الاقتصادي ويبطء من خلق فرص العمل في الأردن. بالأرقام المطلقة فان تعديلات قانون الضمان العام 2014 سحبت سيولة إضافية من جيوب الشركات والأفراد بما يقارب بليون دينار بين 2015 ومنتصف 2019 وحتما ساهمت في تثبيط النمو الاقتصادي.
وقد بينت دراسة منشورة على صفحة البنك المركزي الأوروبي وشملت 26 دولة صناعية من 1965 إلى 2007 ان زيادة العبء الضريبي (أو عبء التأمينات الاجتماعية كالضمان) بنسبة 1 % من الاقتصاد تخفض – على المستوى البعيد – النمو الاقتصادي بنسبة نصف إلى واحد بالمائة.
للتذكير هذا الأمر التفت اليه صندوق النقد الدولي في ورقة بحثية صدرت عنه في تموز 2017 والتي تستنج انه – واستنادا الى تجارب دول كثيرة في العالم – فان تخفيض نسب اقتطاع الضمان الاجتماعي يساهم في تحفيز التوظيف في الاقتصاد الرسمي وزيادة انتاج فرص العمل في الاقتصاد ويساهم أيضا في زيادة ملموسة على دخل الموظفين والعمال مع تأثيرات إيجابية ملموسة في جانب الطلب والنمو الاقتصادي.
قبل عام ونيف اقترحت حلا يقلل من عبء الضمان ويزيد من ديمومة صندوقه في ذات الوقت. وذلك بان يعطى كل مشترك حالي في الضمان الاجتماعي الخيار (بدون أي اكراه) باسترداد ما يقتطع من الموظف للضمان مقابل تأجيل حقه بالتقاعد المبكر؟ سنة بسنة. أي يكون الخيار لأي مشترك بالضمان بتوقيع اتفاقية ملزمة مدتها سنة قابلة للتجديد برضى الطرفين يلتزم فيها الضمان الاجتماعي بإعادة الـ 7.5 % المقتطعة شهريا من راتب المشترك له طوال السنة مقابل ان يستغني الموظف عن حقه بالتقاعد المبكر لمدة سنة. فيحصل الموظف فعليا على 7.5 % من راتبه زيادة على راتبه بعد الاقتطاع (الزيادة المحسوسة الفعلية تكون بنسبة 8.1 % على الأقل) مقابل ان يؤجل حقه بالضمان المبكر لسنة. فاذا كان يستحق التقاعد المبكر على سن الخمسين يؤجل هذا الحق إلى سن الواحد والخمسين. بهذا المقترح يعالج الضمان مشكلة مؤرقة له بتأخير التقاعد المبكر اختياريا لمن يرغب وبهذا يحسن فرص ديمومة صندوق الضمان للأجيال القادمة. وبذات الوقت يحصل من يرغب بتأجيل حقه في التقاعد المبكر على زيادة جيدة على راتبه الفعلي بنسبة تتجاوز 8 % تصرف في الاقتصاد كاستهلاك أو استثمارات صغيرة جديدة.
التقط المجلس الاقتصادي والاجتماعي مشكورا هذا المقترح في آذار 2018 وطلب ردا من الضمان الاجتماعي الذي أجاب ” انه من الناحية المالية البحتة، فان الأثر المالي للألية المقترحة سيكون تأثيرها إيجابيا على الوضع المالي للمؤسسة ” ضمن فرضية ان الأغلبية تلجأ للتقاعد المبكر واضيف هنا أن الجميع سيتفق على الفائدة الإيجابية للعمال والموظفين والاقتصاد ككل. لكن لم يحصل شيء في هذا المضمار وعدنا إلى نهج زيادة الاقتطاعات وتخفيض المنافع المقترح في مشروع تعديل القانون.
هناك مشكلة أخرى في وضع الضمان الحالي تقلل كثيرا من مرونة سوق العمل. فتقاعد الموظف في القطاع الخاص يعتمد أساسا على راتب آخر خمس سنوات. وكأن القانون يفترض ان رواتب كل الموظفين تكون دوما في اتجاه تصاعدي وارتفاع مستدام! مع ان واقع الحال ان الكثيرين ممن كانت رواتبهم عالية في فترة النمو الاقتصادي القوي خسروا وظائفهم ولا يستطيعون العودة إلى سوق العمل الحالي بنفس الرواتب العالية السابقة. فيضطرون حاليا إلى عدم قبول الوظائف حاليا – ذات الرواتب الأقل – كي لا يؤثروا سلبا على حسبة راتبهم التقاعدي عندما يستحقونه. وهذه تحتاج إلى نظرة جديدة تأخذ بعين الاعتبار تقلبات الاقتصاد بين طفرة وانكماش وتقلبات سوق العمل بين سوق قوي وسوق ضعيف.
إرسال تعليق