يمكن تفهم القرارات الحكومية الأخيرة بإحالة كل من أمضى ثلاثين عاماً تحت مظلة التقاعد المدني -بالرغم من أن الأصل وحسب كل قوانين التقاعد في العالم هو بلوغ الموظف عمر 60 عاماً؛ بهدف إيجاد مظلة واحدة للتقاعد تتمثل في مؤسسة الضمان الاجتماعي باعتبار أن التوجه بدأ منذ العام 1995 بتحويل كل الموظفين المدنيين للضمان الاجتماعي ولاحقاً العام 2003 العسكريين.
يندرج هذا ضمن سياسة ترشيق الجهاز الحكومي التي تتبناها الحكومة وهي متطلب للمؤسسات الدولية، وأيضاً إيجاد فرص عمل تخفف من البطالة التي تؤرق الحكومة بالإضافة لتخفيض فاتورة رواتب الموظفين الحكوميين في الوزارات والدوائر الحكومية والتي رصد لها في الموازنة العامة للعام 2019 مبلغ أربعة مليارات وتسعة وأربعين مليون دينار في زيادة واضحة عن كلفة الرواتب في العام 2018 إذ بلغت ثلاثة مليارات وتسعمائة وثمانية عشر مليون دينار.
الحكومة تتوقع أن يشمل هذا القرار الذي يتضمن حوافز تشجيعية ليس فقط لمن أمضى ثلاثين عاماً بل يمتد ليشمل من مضى على خدمته خمسة وعشرون عاماً وهي تتوقع أن يدخل ضمن هذا الوصف ما يقارب أحد عشر الف موظف يتقاضون ما يقارب مائة وثمانية ملايين دينار في حين أن كلفة التقاعد ستبلغ حوالي خمسة وسبعين مليون دينار أي أن هناك وفرا يصل لمبلغ اثنين وثلاثين مليون دينار، بالرغم من أن الحكومة تعلم أن هذا ينعكس سلباً على فاتورة التقاعد في الموازنة العامة والمؤشرات الرقمية تقول إن هذه الفاتورة في تزايد مستمر إذ بلغت حتى أواخر شهر أيار 2019 خمسمائة وواحد وسبعين مليون دينار مقابل خمسمائة وسبعة وأربعين مليون دينار لنفس الفترة من العام الماضي بالإضافة أن الحكومة ملزمة بالوفاء بتعهداتها بتعبئة الشواغر التي حدثت بفعل هذه الموجة الكبيرة من الإحالات على التقاعد وهذا يعني عمليا ارتفاع فاتورة الرواتب بفعل التعيينات الجديدة التي لا تستطيع الحكومة القفز عليها خاصة في قطاعات حكومية حيوية مثل وزارة التربية والتعليم والصحة والاوقاف والزراعة.
من الواضح أن مبررات القرار الحكومي هي غير تلك المعلنة ولو أرادت أن تقنع الناس أنها تسعى للترشيق وتوفير فرص عمل جديدة كان عليها أن تبدأ بموظفي الفئات العليا الذين تجاوز بعضهم الثلاثين عاماً وتجاوز عمر بعضهم الستين عاماً وترك الاستثناءات فقط لوزارة الصحة التي تستدعي الحاجة فيها لبقاء الأطباء الاستشاريين والاختصاصيين وبعض الوظائف المهمة.
إذا كان هناك بعض الإيجابيات لهذا القرار وأهمها توفير فرص عمل جديدة وهو أمر غير مؤكد على ما نسمع من تصريحات إلا أن التداعيات السلبية لهذا القرار الحكومي كثيرة وأهمها خسارة كفاءات إدارية مؤهلة ما تزال قادرة على العطاء، التميز، والاستثناءات التي أعطت لكل وزير أن يستثني من يريد وخاصة الأمناء العامين وموظفي الفئة العليا، لكن الخطورة تكمن فيما إذا استمر المشروع الحكومي ليشمل الموظفين الحكوميين ممن أمضى عشرين إلى خمسة وعشرين عاماً تحت مظلة الضمان الاجتماعي لأن هذا يعني عملياً كارثة على مؤسسة الضمان الاجتماعي أولاً من ناحية ارتفاع فاتورة التقاعد ونسف كل الحسبة الاكتوارية التي بنيت على أساسها معادلة التقاعد، وكارثة على المتقاعدين نتيجة الفروق الكبيرة بين الراتب الفعلي وراتب التقاعد المتحصل وبالتالي تداعيات اقتصادية واجتماعية ستطال آلاف الموظفين.
هذه القرارات يجب ألا تكون متسرعة لأنها ستصطدم بالتطبيق الفعلي ويجب ألا يغامر بمستقبل موظفي الإدارة العامة الأردنية المشهود لهم بالتميز، فالتريث وقراءة الارتدادات الاقتصادية والاجتماعية في غاية الأهمية.(الغد)
إرسال تعليق