الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
اغلاق الباب أمام انهاء خدمات العمال ، تعزيز الحماية الاجتماعية، تقليل نسبة نمو المتقاعدين على حساب نسبة نمو المشتركين، عدم الوصول الى نقطة التعادل الواردة في الدراسات الاكتوارية .. هذه المبررات وغيرها الكثير التي تكررها مؤسسة الضمان الاجتماعي في حملتها الدعائية والترويجية لمشروع القانون المعدل لقانون الضمان الاجتماعي، وبالرغم من أن هذا المشروع يحتوي على كثير من الملاحظات والانتكاسات في تحقيق الحماية الاجتماعية للعمال، الا اني في هذا المقال سأتحدث عن تعديل واحد فقط وهو التعديل الخاص بالغاء التقاعد المبكر للمشتركين الجدد في الضمان الاجتماعي نظراً لأهميته الكبيرة ولعلي أتحدث عن باقي التعديلات في مقالات لاحقة .
سأسوق في هذا المقال عشرة تساؤلات أعتقد أنها مشروعة توقفت أنا عندها ولا أجد لها أجوبة مقنعة وهي باختصار:
أولاً: حسب الدراسة الاكتوارية التي اجرتها مؤسسة الضمان الاجتماعي فإن نقطة التعادل الأولى والتي تتساوى فيها الاشتراكات مع المصروفات ستأتي حوالي سنة 2032 أي بعد ما يقارب 13 عاماً ، واذا ما تم الغاء التقاعد المبكر للمشتركين الجدد بعد نفاذ القانون الجديد سيكون أثر هذا القانون بعد 25 عاماً، فكيف سيسهم الغاء التقاعد المبكر بتفادي نقطة التعادل!!!
ثانياً: تدعي مؤسسة الضمان الاجتماعي أن الغاء التقاعد المبكر يأتي من أجل زيادة الاشتراكات التأمينية وتقليل فاتورة الرواتب التقاعدية ، وبنفس الوقت نجد أن من ضمن التعديلات المقترحة على قانون الضمان منح الصلاحية لمؤسسة الضمان الاجتماعي من استثناء المؤسسات الريادية والناشئة لأول خمس سنوات من كلف التأمينات الاجتماعية ، فكيف نوافق بين رغبة مؤسسة الضمان بزيادة الاشتراكات وهي تقوم باعفاء المؤسسات الريادية من تأمين عمالها لمدة خمس سنوات كاملة!!! وكيف تدعي مؤسسة الضمان ان الغاء التقاعد المبكر يأتي للحفاظ على الحماية الاجتماعية للعمال في الوقت الذي تخول نفسها باعفاء المؤسسات الريادية من تأمين عمالها وحرمانهم من الحماية الاجتماعية!!!.
ثم هب ان عاملاً عمل في احد المؤسسات التي صنفتها مؤسسة الضمان على أنها ريادية وبالتالي تم حرمانه من الاشتراك في الضمان الاجتماعي لمدة خمس سنوات ثم بعد هذه الخمس سنوات تم الاستغناء عن خدماته واضطر الى العمل في مؤسسة ريادية أخرى فهل سيتم حرمانه من الحماية الاجتماعية لمدة خمس سنوات أخرى في سبيل دعم هذه المؤسسات الريادية بأموال هذا العامل ؟؟!!
ثالثاً: جاء اقتراح الغاء التقاعد المبكر للمشتركين الجدد لاغلاق الباب أمام انهاء خدمات العمال وللحفاظ على الحماية الاجتماعية لهم، ولكن السؤال هل الغاء التقاعد المبكر وحده سيغلق باب انهاء خدمات العمال بالفعل أم أن هذا الباب يحتاج الى تعديل قانون العمل أيضاً لكبح جماح هذا المؤسسات من تغولها على قوت العمال ووظائفهم؟ بحيث يتم تصعيب اجراءات وشروط الفصل التعسفي للعمال ، ثم أوليس من الأولى بمؤسسة الضمان معالجة السبب الحقيقي الذي يدفع العمال الى اللجوء للتقاعد المبكر وهو تدني الأجور حيث أن 25% من مشتركي الضمان يتقاضون رواتب أقل من معدل الفقر للأسرة وبالتالي يجدون في التقاعد المبكر وسيلة لزيادة الدخل، أوليس الأولى رفع الحد الأدنى للأجور!!
رابعاً: لم تتطرق هذه التعديلات الى ذكر المهن الخطرة التي يمنحهم قانون الضمان بسبب طبيعة أعمالهم الخطرة امكانية التقاعد المبكر ، فهل بالغاء مصطلح التقاعد المبكر من قاموس الضمان الاجتماعي سيكون هؤلاء العمال ككبش فداء لهذه التعديلات؟؟!!
خامساً: يأتي الغاء التقاعد المبكر ضمن التعديلات المقترحة -التي صنعتها الحكومة- لتقليل نسبة نمو المتقاعدين على حساب نمو المشتركين وبالتالي تقليل فاتورة التقاعد المبكر والتي تشكل ما يقارب 60% من الفاتورة الشهرية لمؤسسة الضمان، ولكن وبنفس الوقت توعز الحكومة لوزير العمل الى اجراء دراسة تمكن الحكومة من احالة من أتم خدمة 25 عاماً في الضمان الاجتماعي الى التقاعد المبكر!!! ، أوليس من شأن هذا الاجراء أن يؤدي الى نسف جميع المبررات والحجج التي ساقتها الحكومة للترويج لالغاء التقاعد المبكر؟؟!! ، ثم أليس من شأن هذا الاجراء أيضاً أن يؤدي الى نسف كافة الدراسات الاكتوارية التي قامت بها مؤسسة الضمان الاجتماعي؟؟!!
سادساً: أليس من المفترض أن تأتي أية تعديلات على أي قانون في الأردن بما يتوافق مع المعايير الدولية التي تلتزم بها الدولة، بل يجب أن تأتي في اطار التحسين على هذه التشريعات وليس الانكفاء والتقهقر الى الخلف والردة عن هذه الالتزامات ، فكيف لنا الغاء التقاعد المبكر للعمال والذي يأتي ضمن الحماية الاجتماعية لهم ولا يتم اتخاذ اجراءات أخرى تعزز هذه الحماية بما يتوافق مع الاتفاقية الدولية رقم 102 والتي تحمل اسم المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي وتتحدث عن تسعة تأمينات أساسية يجب أن يتمتع بها العامل كحد أدنى، نحن في الأردن لم نحقق سوى خمس من هذه التسعة تأمينات.
سابعاً: في حال الغاء التقاعد المبكر وعدم تعديل قانون العمل لتصعيب الفصل التعسفي وعدم تطبيق الاتفاقية الدولية رقم 102 من خلال تحسين تأمين التعطل ليصبح تأمين ضد البطالة، ألا يعتبر هذا الأمر بمثابة كشف ظهر للعمال من خلال السماح للشركات بفصلهم تعسفياً ثم منعهم من التقاعد المبكر وعدم تأمينهم ضد البطالة وبالتالي اضطرارهم الى اللجوء الى استحقاق تعويض الدفعة الواحدة ، الامر الذي يحرم هؤلاء العمال من الحماية الاجتماعية وزيادة معدلات الفقر والبطالة؟؟!! والتأثير على أموال الصندوق من جهة أخرى!!
ثامناً: اذا كانت مؤسسة الضمان جادة في طرحها المتمثل بالغاء التقاعد المبكر لزيادة نمو نسبة المشتركين وتقليل نمو نسبة المتقاعدين، أليس من الأولى بمؤسسة الضمان البحث عن آليات وسبل لتوسعة مظلة المشتركين في الضمان خاصة من العاملين في العمل غير المنظم والذي تقدر نسبتهم الى 45% من العاملين في سوق العمل وشمول قطاعات جديدة تحت مظلة الضمان كالعاملين في الزراعة!! ، أليست هذه الاجراءات تعتبر ايجابية وتدعم الحماية الاجتماعية وتتوافق مع المعايير الدولية والأهم من ذلك كله سيكون أثرها سريعاً ومباشراً على ايرادات الصندوق ولن نكون مضطرين الى الانتظار 25 عاماً لنرى أثر الغاء التقاعد المبكر على ايرادات ومصروفات الضمان؟؟!!
تاسعاً: الغاء التقاعد المبكر للمشتركين الجدد في الضمان هو أمر يأخذ طابعاً شعبياً ويمس كافة بيوت الأردنيين ويثير حفيظة كافة المهتمين في الشؤون العمالية والعدالة الاجتماعية ، فكيف لهذا الاقتراح الكبير والمهم أن يبقى في أضيق دوائر الحوار والغرف المغلقة في الحكومة وعدم اطلاق حوار وطني حقيقي يساهم فيه كافة النخب وأصحاب الخبرات والتجارب في الضمان الاجتماعي وسماع رأي العمال أنفسهم في أمر مصيري كهذا؟؟!!
عاشراً: يجب أن يمر هذا التعديل وكافة التعديلات المقترحة ضمن الاطر القانونية، فكيف لنا أن نقبل أن تعديلاً جوهرياً كهذا التعديل يأتي مخالفاً للأطر القانونية منذ اللحظة الأولى اذا ما علمنا أن هذا التعديل بل كافة التعديلات على مشروع القانون المعدل باستثناء الفصل الخاص بالعسكريين لم تعرض أصلاً على مجلس ادارة الضمان الاجتماعي بل هو اجتهاد حكومي بحت وانحسر دور مؤسسة الضمان الاجتماعي الى الدفاع عن هذه التعديلات التي لم تشارك بوضعها منذ البداية؟؟!! فهل دور مؤسسة الضمان الاجتماعي هو دور اعلامي ترويجي لسياسات وقرارات واقتراحات الحكومة؟؟، ثم لماذا الاصرار على الاستعجال بارسال مشروع القانون المعدل الى مجلس النواب في دورة مؤقتة محدودة المدة ، ألا يدفعنا هذا الأمر الى الخوف من "سلق" هذه التعديلات وأن لا تحظى بالوقت الكافي لاجراء المناقشات والحوارات بشأنها؟؟!!
اقرأ أيضاً:
إرسال تعليق