الراصد النقابي لعمال الأردن - ناديا الشياب
رواتب متواضعة لا تكاد تكفي تكاليف المعيشة، وظروف عمل صعبة، هكذا يصف يوسف أوضاع عمله، وهو شاب يعمل في أحد المطاعم الكبرى بالعاصمة عمان، إلى جانب 30 عاملا يعملون بذات المطعم، الذي فضّل عدم ذكر اسمه.
يتمتع يوسف بثقافة عمالية ونقابية، وعلى درجة من الوعي بالحقوق العمّالية التي يكفلها القانون، مكّنه ذلك ليكون متحدثا باسم زملائه، للمطالبة بزيادة على الرواتب، ودفع مستحقات بدل العمل الإضافي عند التأخير بعد ساعات العمل الرسمي، إلى جانب قضايا أخرى تتعلق بظروف العمل.
يقول يوسف، "كان ذلك بداية هذا العام ، وانا أعلم أن القانون يكفل للعمال حق التفاوض مع صاحب العمل حول شروط العمل وأية مطالب أخرى، بدلا من اللجوء إلى الإضراب أو الإعتصام". يؤكد يوسف أن صاحب المطعم ظلّ "يماطل" ويقدم الوعود، ولم يتحقق شيء من المطالب على أرض الواقع إلى الآن.
عمّال بلا تنظيم نقابي: لا "تفاوض جماعي" بعد الآن
يوسف وزملائه ليسوا منتسبين للنقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة، وهي النقابة التي يتبع لها قطاع المطاعم، إلى جانب الغالبية العظمى من العاملين في ذات القطاع خارج التنظيم النقابي، إذ يبلغ عدد المنتسبين للنقابة وفق إحصائياتٍ حصلنا عليها من الاتحاد العام لنقابات عمالِ الأردن 4431)) ، في حين يبلغ إجمالي العاملين في قطاع المطاعم لوحده 120 ألفَ عاملٍ ، بحسب المؤسسة العامة للضمان الإجتماعي.
عدم انتساب يوسف وزملائه لنقابة عمالية، لم يكن عائقا أمام ممارسة حقهم بـ "التفاوض الجماعي" مع صاحب المطعم حول مطالب تتعلق بظروف العمل وحقوقٍ عمالية أخرى، وفقا لقانون العمل رقم (8) لسنة 1996 قبل صدورالتعديلات الجديدة له، والتي شطبت عبارة " يجوز إجراء تفاوض جماعي بين أصحاب العمل والعمال ونقابة أي منهما "، من بداية نص المادة (44) كما كانت في النص القديم، ما يعني أن العمال غير المنتسبين لنقابةٍ، لا يمكنهم التفاوض مع صاحب العمل.
لقد أصبح نصُ المادة وفق التعديلات الجديدة للقانون على النحو التالي، " يجوز إجراء تفاوض جماعي بين أصحاب العمل والنقابة بشأن أي أمور متعلقة بتحسين شروط وظروف العمل وإنتاجية العمال، وعلى أن يتم هذا التفاوض بناء على طلب صاحب العمل أوالنقابة خلال مدة لا تزيد على (21) يوماً من تاريخ تبلغ الإشعار الخطي الذي يوجهه الطرف الذي يرغب في إجراء التفاوض إلى الطرف الآخر، على أن يتضمن الإشعار موضوع التفاوض وأسبابه، وعلى أن يتم إرسال نسخة منه إلى الوزير خلال مدة لا تزيد على (48) ساعة من تاريخ صدوره ".
توقيع "عقد العمل الجماعي" أصبح بيد النقابة فقط
يُعدّ "التفاوض الجماعي" بين العمال وأصحاب العمل آلية يمكن من خلالها الوصول إلى تفاهمات بين الطرفين تفضي لتوقيع " عقد العمل الجماعي "، الذي يُعرّفُ وفقا للمادة 2 من قانون العمل بأنه " اتفاق خطي تنظم بمقتضاه شروط العمل بين صاحب العمل أو نقابة أصحاب العمل من جهة ومجموعة عمال أو النقابة من جهة أخرى"، بموجب النص القديم للمادة، ولكن النص الجديد حذف عبارة "مجموعة عمال" وأعطى الصلاحية بإبرام العقود الجماعية للنقابة فقط .
بعد هذه التعديلات التي تمت الموافقةُ عليها ونشرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 16/5/2019 ، يكون يوسف وزملائه قد حرموا من حق "التفاوض الجماعي" مع صاحب المطعم ، ولا يملكون الصلاحية بإبرام "عقد عمل جماعي" يحفظ حقوقهم ويضمن عدم المساس بها، وينظم العلاقة بين الطرفين.
ناشر موقع الراصد النقابي لعمال الأردن حاتم قطيش
الناشط النقابي وناشر موقع "الراصد النقابي لعمال الأردن" حاتم قطيش، يصف عقد العمل الجماعي بأنه قانون إضافي يُلزم صاحب العمل بتحسين ظروف العمال والوفاء بوعوده لهم، بحيث لا يستطيع التنصل منها، ولا يمكنه أيضاً سلب العمال امتيازاً كان قد منحهم إياه تحت أي ذريعة، موكداً أنه وثيقة قانونية تحفظ حقوق العمال وتحميها من التعدّي عليها.
انفوجرافيك يوضح المواد التي تم تعديلها في قانون العمل
صلاحياتٌ أوسع لوزير العمل
إلى جانب المادة (2) المتعلقة بتعريف النزاع العمالي والمادة (44) المتعلقة بالمفاوضة الجماعية من قانون العمل طالت التعديلات أيضا، بحسب قطيش، كلاً من المواد (98) المتعلقة بتشكيل النقابات العمالية،حيث اعتبرت أن تأسيس النقابة العمالية يكون في صناعة أو نشاط إقتصادي وليس في مهنة كما كان قبل التعديل. كما أعطت التعديلات وزير العمل صلاحية تصنيف الصناعات والأنشطة لغايات تأسيس النقابات العمالية بدلاً من اللجنة الثلاثية لشؤون العمل، التي كانت صاحبة الصلاحية في ذلك، على أن يُراعِي التصنيفات العربية والدولية .
يضيف قطيش إن التعديلات أيضا شملت المادة (40) ، إذ تم رفع الحد الأعلى لمدة عقد العمل الجماعي إلى 3 سنوات بدلا من سنتين، والمواد (103) و (110) بأن أصبحت تشترط مصادقة "مسجل النقابات" في وزارة العمل على الأنظمة الداخلية الخاصة بالنقابات العمالية، وأية تعديلات تطرأ عليها، بدلاً من الإكتفاء بإيداعها لدى الوزارة.
المادة (116) كان لها نصيبٌ من التعديلات بحسب قطيش، إذ أعطت صلاحية حلِّ الهيئات الإدارية للنقابات العمالية في حال مخالفتها للقانون بعد 30 يوما من إنذارها، لوزير العمل بدلاً من القضاء، وله أن يُعيّن هيئة إدارية مؤقتة للنقابة العمالية بالتشاور مع الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، لتسييرأعمالها وإجراء انتخابات خلال 6 أشهر .
إحباطٌ للعمّال وحرمانٌ من الوصول إلى الحقوق
رئيس مركز "بيت العمال للدراسات والأبحاث" حماده أبو نجمة يشير إلى أن التعديلات الأخيرة على قانون العمل تضمنت العديد من الأحكام الإيجابية التي تنسجم مع المعاييرالدولية الخاصة بالعمل، إلاّ أنّ ما يتعلق منها بعمل النقابات العمالية لم يكن كذلك.
مدير بيت العمال حمادة أبو نجمة
يوضّح أبو نجمة أن منحَ وزير العمل صلاحية حل الهيئة الإدارية للنقابة، وتعيينَ هيئةٍ إداريةٍ مؤقتةٍ لتسيير أعمالها بدلاً من القضاء، ومنحهَ منفرداً صلاحيةَ تصنيفِ المهن لغايات تأسيس النقابات بدلاً من اللجنة الثلاثية لشؤون العمل ، إلى جانب إلزام النقابات بتصّديقَ أنظمتها الداخلية من وزارة العمل، هي تعديلات تُمثل تراجعاً يخالف المعايير الدولية ومبادئ الحرية النقابية وحق التنظيم النقابي.
يضيف أبو نجمة إن استقرار علاقات العمل لا يمكن أن يتحققَ دون حركة نقابية تتمتع بمرونة كافية لإدارة شؤونها وممارسة نشاطاتها، وإقناع قواعدها بقدرتها على تمثيلهم وحماية حقوقهم والدفاع عنها، مشيراً إلى أنّ ذلك سينعكسُ سلباً على صورة الأردن في مجال حقوق الإنسان والحقوق الأساسية للعمل.
وبخصوص آثار تعديلات القانون وتداعياتها على استقرار علاقات العمل والعملية الإنتاجية، يقول أبو نجمة إنها تؤثر على آليات التفاوض المتوازن مع أصحاب العمل ومنظماتهم، وتزيد في إحباط العاملين وتمنعُهم من الوصولِ إلى حقوقهم .
رئيس المرصد العمالي الاردني أحمد عوض يتحدث بامتعاض شديد إزاء تعديلات القانون
انتهاكاتٌ صارخة لحرية التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية
رئيس المرصد العمالي الاردني أحمد عوض ينتقدُ بشدة تعديلات قانون العمل المتعلقة بالعمل النقابي، مؤكداً أنها وضعت مزيداً من القيودِ، وأنها تخالفُ بالمطلق فكره التنظيم النقابي، واصفاً إياها بـ "غير الدستورية وغير العادلة"، وانتهاكات صارخة لحرية التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية.
يعتبرُعوض أنّ الحقّ في تشكيل النقابات والتفاوض الجماعي، مصانٌ لجميع العاملين وليس فقط للنقابات العمالية، خاصة وأن الغالبيةَ العظمى من العمّال في الأردن لا يتمتعون بالحق في التمثيل النقابي، ما يحرمهم من التفاوض مع أصحاب العمل، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة أعداد الإحتجاجات العمالية والإضرار بالاستقرار الإجتماعي.
مخالفة للدستور والمواثيق الدولية
يقول عوض إنّ التعديلات تخالف نصوص الدستور الأردني ، إذ نص صراحة على الحقِ في تكوين النقابات والجمعيات، والحقِ في التنظيم النقابي الحر للعمال، وكذلك تخالف المادة (128) منه، والتي تنص على أنه لا يجوز أن تكون التشريعات المتعلقة بالحقوق والحريات الصادرة بموجب الدستور تخالفُ جوهر الحقوق والحريات.
وبخصوص مدى انسجام التعديلات مع المواثيق والتشريعات الدولية، يوضّح عوض أنها تخالف "العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية"، الذي صادق عليه الأردن ونشره في الجريدة الرسمية في عام 2006 ، وتخالف أيضا التزام الأردن بما جاء به "برنامج العمل اللائق" الذي وقعته الحكومة قبل أسابيع مع منظمة العمل الدولية، إلى جانب مخالفته اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (98) المتعلقة بالمفاوضة الجماعية والحقِ في التنظيم النقابي، والتي صادق الأردن عليها منذ أكثر من خمسين عاما.
مدير علاقات العمل في وزارة العمل عدنان الدهامشة
وزارة العمل تدافع عن التعديلات
تدافع وزارة العمل عن التعديلات وتراها إيجابية، يقول مدير علاقات العمل في الوزارة عدنان الدهامشة، إن جعل صلاحية "تصنيف المهن والصناعات التي يجوز ترخيص نقابات جديدة فيها" بيد وزير العمل، يعطي مرونةً أكبر لتوسيع عمل النقابات، وتأسيس نقابات جديدة في قطاعات لم يكن لها تمثيل نقابي سابقاً، مؤكداً أن هذه التعديلات لم تحدَّ من الحريات النقابية بل ستعطي زخماً أكبر في المهن والصناعات التي لا يوجد بها نقابات.
يُرجع الدهامشه سبب عدمِ ترخيص نقابات عمالية جديدة إلى "اللجنة الثلاثية لشؤون العمل"، وآلية إتخاذ القرار فيها، وهي صاحبة الشأن بترخيص نقابات جديده وفق القانون السابق، قائلاً "إنها تضم اتحاد العمال وممثلين عن أصحاب العمل ( غرف التجارة والصناعة) إلى جانب الوزارة التي تمثل الطرف الحكومي، والقرار فيها يجب أن يكون بالإجماع، الأمر الذي لم يحصل في تاريخ عمل اللجنة منذ أن تأسست ، حيث كان أصحاب العمل يرفضون تأسيس نقابات جديدة" .
يضيف الدهامشه إنّ التعديلات تضمنت العديد من النقاط الإيجابية، فقد تناولت الأنظمة الداخلية للنقابات وما يشوبها من مغالطات، قد تؤدي في بعض الأحيان إلى نزاعات بين الهيئات العامة والهيئة الإدارية للنقابات، وتمكث في القضاء سنوات، ما يُعيق العمل النقابي ويؤدي إلى توقف عمل النقابات وعدم ممارسة دورها بالدفاع عن حقوق العمال وتحقيق مطالبهم .
يقول الدهامشة إن إعطاء وزيرالعمل صلاحية المصادقة على الأنظمه الداخلية للنقابات، من شأنه ان يَحدّ من المشكلات التي كانت تواجه النقابات سابقا، ويُمكّن الوزارة من مراقبة أعمالها ومعالجة الأخطاء التي قد تحصل ، مشيراً إلى أن الوزارة ستقوم بإعاده النظر في كثير من الأنظمة الداخلية للنقابات القائمة، والنقابات التي سوف يتم تأسيسها من جديد.
اقرأ أيضاً:
إرسال تعليق