الموت حباً في العمل .. رمزي الغزوي



بعيداً عن حقيقة أن نمواً اقتصادياً لا يقل عن 5 ٪ سيكون وحده قادراً على رتق ميزانيتنا وسد عجزها وشطب ديونها. وأن لا وصول إلى نمو اقتصادي بهذه النسبة الكبيرة إلا بطريقة (الكاروشي)؛ فما من داع أن نختلف على عطلة عيد تطول أن تقصر ما دمنا ندرك أن العبرة في حب العمل وكيفيته، لا في عدد ساعاته.

كوريا الجنوبية التي تعيش انتعاشا اقتصاديا شامخاً، مرر برلمانها قبل عام قانوناً يقضي بتخفيض ساعات العمل من 68 ساعة أسبوعياً (وهي أطول ساعات عمل في دولة متقدمة، وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) إلى 52 ساعة في الأسبوع؛ في محاولة لتعزيز الإنتاجية؛ وزيادة عدد المواليد.

ربما لن أكون مقنعاً؛ إن حاولت تفسير غرض الأصدقاء (الكوارنة) بتعزيز إنتاجينهم عند تقليل ساعات عملهم، ولكننا نعرف تماماً، كيف يمكن لشعب أن يزيد عدد مواليده إن خفف قليل من نشاطه، في مصنعه ومعمله ودائرته، وإلتفت إلى ربة بيته قليلا، أو سمع منا نصيحة عابرة للكسل: (العمر بخلص والشغل ما بخلص).

في اليابان يكاد يكون الأمر مشابهاً لما في كوريا الجنوبية. فهم يمتلكون اقتصاداً قويا صاعدا، ورغم هذا ما زالوا يعملون بمعدل 2000 ساعة لكل عامل في السنة. ولا يفكرون بتقليله. ولو أنهما، أي اليابان وكوريا الجنوبية، من البلدان الممحوقة الفقيرة (الهبيانة العايفة الدخن)؛ لقلنا أن لديهم كل الحق بالعمل كل هذه الساعات الطوال. لكننا لو أرجعنا البصر كرتين فقط؛ لتبين لنا أن بحبوحتهم الاقتصادية، لم تجئ إلا بسبب تفانيهم وعشقهم للعمل، وتقديسه وجعله أولوية أولى.

البلدان يشهدان حالات موت عديدة بسبب الإفراط في العمل، الأمر الذي جعل اليابانيون يشتقون مصطلحاً لغويا يدلل على هذه الحالة العجيبة، وهو (كاروشي)، أي الموت بسبب ضغوطات العمل، والإفراط فيه.

لا أريد أن أدخل في متاهة ومهزلة حساب عدد الساعات الفعلية المنتجة، التي يعمل بها عاملنا أو موظفنا أو مزارعنا أو معلمنا. ولكننا نعرف أن تلك دول كانت معدمة (ماكلة روح الخل)، ولم ينشلها من مستنقع فقرها وعوزها إلا العمل وحبه. حتى وصلوا إلى الكاروشي.

إذا كان اليابانيون أو غيرهم من البلدان المتقدمة الغنية يموتون بسبب الإفراط بالعمل وضغوطاته؛ فلربما يقول قائل إنه يستوجب علينا أن نتداعى قائلين: نحن أولى بهذه الفلسفة. صحيح أننا لا نريد حالات من الكاروشي. بل نريد كاروشي من نوع معاكس تماما، يجعلنا نحب عملنا و(نموت فيه) عشقاً، وتفانيا وإخلاصاً؛ لأنه القادر على سحبنا من هذا الوحل البليغ. (خبرني)

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020