لاشك أن المتابع للشأن العمالي والنقابي ليصاب بالصدمة من هول ما يرى من تناقضات وانتكاسات متتالية وقد يتسرب اليأس للعديد من النشطاء في هذا المجال على اعتبار أن جميع التحركات والاعتراضات والبيانات وأوراق الموقف والعواصف الالكترونية تذهب ادراج الرياح واحدة تلو الأخرى، وما الخطابات الاعلامية والتصريحات الحكومية والجلسات الحوارية الا عناصر تجميلية لا يكتمل المشهد الا بها و الخطورة في كل ما يجري هو أن المواطن يفقد ثقته بمجلس النواب والاعيان والحكومة وتصريحاتها ومشاريعها ومؤسساتها شيئاً فشيئاً.
قبل أشهر خاض النشطاء النقابيون معركة اعلامية ونقابية للحيلولة دون اقرار قانون العمل الذي تم فيه القفز عن كثير من المواد التي هي بحاجة الى تعديل لانصاف العمال واقحام مواد زادت من سطوة صاحب العمل بل وكبلت النقابات العمالية وتغولت على الحريات النقابية ومكنت وزير العمل من الاطباق على عنق النقابات ان شاء افلتها وان شاء اطبقها وحكم عليها بالموت من خلال قراره الفردي بحل هيئاتها الادارية!! ، وبالرغم من العشرات من البيانات وأوراق الموقف التي اصدرتها النقابات وبالرغم من تدخل مؤسسات عمالية دولية للحيلولة دون السقوط في وحل التعدي على الحريات النقابية والانتقاص من الحقوق العمالية والردة عن الاتفاقيات الدولية الا ان القانون مر بأريحية وبأجواء هادئة ورومانسية.
أطلت الحكومة بعد ذلك وبأجواء كرنفالية على العمال لتطلق ما يسمى بالاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، فسال لعاب العمال والنقابيين وهم يقرؤون هذا العنوان الأنيق والفخم متأملين أن يتحقيق العمل اللائق والقضاء على الفقر والفقر المدقع كأحد أهداف التنمية المستدامة، لاحظ أن جميع المصطلحات المستخدمة هي مصطلحات ذات رونق وجاذبية خاصة حتى أنك تشعر بالارتياح عند نطقها، ثم تسربت الأخبار أن تعديلات وشيكة على قانون الضمان الاجتماعي ستطرحها الحكومة وبطريقة بديهية ربط الجميع بين استراتيجية الحماية الاجتماعية وهذه التعديلات كون الضمان الاجتماعي هو بيت الحمايات الاجتماعية للعمال وبالتأكيد أن الحكومة كانت جادة في هذه الاستراتيجية وهاهي مخرجات احتفالات اطلاق الاستراتيجية شارفت على أن تكون واقعاً ملموساً.
ولكن سرعان ما أصيب العمال والنشطاء النقابيون بانعقاد لسان مؤقت وحالة من الذهول وعدم التركيز مع ارتفاع حرارة صاحبها الشعور بالغثيان!!! ، فكيف لحكومة تطلق استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية ثم تقترح تعديلات لا تمنح المواطنين مزيداً من هذه الحمايات لا بل انها لم تحافظ على الحمايات الاجتماعية الموجودة بل تعدت عليها وانتقصت منها!! وكيف لمؤسسة الحمايات الاجتماعية "الضمان الاجتماعي" أن تكون آخر من يعلم بتفاصيل مشروع القانون المعدل لقانون الضمان الاجتماعي المقترح للتصويت في مجلس النواب!! .
على مدار أسابيع طويلة وبعد عقد آلاف اللقاءات الحوارية لمؤسسة الضمان الاجتماعي -على ذمة الصبيحي- لاقناع الناس أن الغاء التقاعد المبكرجاء بسبب أن فاتورة التقاعد أصبحت ترهق المؤسسة ولا بد من ايجاد حلول تضمن فيها أن تكون الواردات أكثر من المصروفات للحيلولة دون الوصول لنقطة التعادل حسب الدراسات الاكتوارية، ثم وفي هذه الأثناء تكلف الحكومة وزير العمل بدراسة امكانية احالة من اكمل 25 سنة اشتراك في الضمان الاجتماعي الى التقاعد المبكر!! بل انه تم "دحش" تعديلاً يمنح النواب حق الاشتراك بالضمان الاجتماعي عن فترة خدمتهم المؤقتة وبالتالي تحميل الضمان أثقالاً جديدة وثقيلة ، طيب شو بالنسبة لفاتورة الضمان الكبيرة وشو بالنسبة للدراسات الاكتوارية اللي التعن ابو فاطسها بهيك قرارات!!
وهنا وباختصار ومن غير لف ودروان يكون السؤال القوي : متى سنتحرر من قيود الدولة العميقة و"نقلع" نحو دولة المؤسسات!!!
اقرأ أيضاً:
إرسال تعليق