الاستبعاد الاجتماعي يؤسس للحرمان والتطرف .. ابراهيم غرايبة


تقوم الحياة المعاصرة على التطبيق العملي والواضح للعدل كمؤشر صادق للمساواة والاندماج الاجتماعي والاقتصادي لجميع المواطنين والمقيمين؛ على مستوى الإنتاج والاستهلاك والعمل والتفاعل الاجتماعي، وبطبيعة الحال فإن الظلم هو الاستبعاد والحرمان من المشاركة. وبدأ الاهتمام مؤخرا بالاستبعاد الاجتماعي بملاحظة آثار البطالة والحرمان من الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، ثم اعتبرته الأمم المتحدة بأنه الحرمان من الحقوق الاجتماعية والمدنية، كالتعليم والصحة والعمل، وتؤكد الأمم المتحدة في مواثيقها وتقاريرها على خطورة التمييز على التنمية والسلم الاجتماعي، ومنها على سبيل المثال الفروق بين الذكور والإناث أو بين الفئات الاجتماعية في الفرص والمعاملة والميراث والتعليم والصحة، فاللامساواة لست خطأ فقط، لكنها كما يؤكد تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية (2018) مصدر خطر، يكن أن يغذي الكراهية والتطرف، ويقوض أسس التنمية الشاملة والمستدامة للجميع، وتلحق ضررا بالغا بالتماسك الاجتماعي، وبدأت الأمم المتحدة منذ العام 2010 تصدر في تقريرها السنوي مؤشرات رقمية حول اللامساواة في العالم معتبرة إياه مؤشرا على التنمية والتقدم.
والحال أن فكرة الاستبعاد الاجتماعي هي إعادة تسمية للفقر، إذ لم يعد يعرف بنقص المال، لكن بنقص القدرة أو كما يقول إمارتيا سن “فقر القدرة” فمن الواضح اليوم أن ثمة علاقة بين التهميش وبين الأعمال والموارد التي يحوزها الإنسان، أو كما يقول البنك الدولي العجز عن إسماع الصوت والتأثير في السياسات والإنفاق العام.
لكن هل يمكن النظر إلى فرد معتزل وهو في الوقت نفسه يتمتع بمستوى صحي ومالي وعقلي جيد بأنه مستبعد اجتماعيا؟ بمعنى هل يعتبر الانسحاب الإرادي تهميشا؟ وفي المقابل أيضا ألا يعتبر أمرا جيدا ذلك الانكفاء لفئات اجتماعية و/ أو اقتصادية لتحمي نفسها وتتضامن في تأمين احتياجاتها؟ إن كثيرا من الفقراء والفئات الاجتماعية يفضلون العزلة أو أن يقتصر الاندماج على فئتهم وذلك لأجل الحفاظ على كرامتهم وحماية أنفسهم من الاساءة، كما أنهم بذلك يحافظون على خصوصيتهم وهوياتهم الثقافية، فهل هو أمر جيد أن تفقد فئات وطبقات اجتماعية خصائصها وهوياتها في حال اندمجت بالمجتمع المحيط؟
قد لا يعتبر أن يقتصر اندماج الأفراد على بيئتهم الخاصة تهميشا وحرمانا، حتى لو كانت هذه المجتمعات في مجملها فقيرة ومهمشة بالنسبة للمجتمع الكبير، ولكن التهميش يتحول هنا إلى اجتماعي أو فئوي، وقد يكون أبلغ في الإساءة والحرمان، ويحكم على أجيال متتابعة بالبقاء في دائرة الفقر والتهميش، حتى لو كانت هذه الفئات تفضل التهميش على الاندماج، أو كانت راضية بأسلوب حياتها.
وهناك نوع آخر من العزلة الاجتماعية، يمارسها الأغنياء، وهو سلوك وإن كان ترفعا فإنه في المحصلة يؤدي إلى عزلة فئة من المجتمعات وتغييبها، وقد تتعرض مع الزمن إلى الاستبعاد أو تستهدف بالعنف والنبذ الاجتماعي والسياسي وخاصة في الانتخابات العامة، كما ينشئ صراعا اجتماعيا عنيفا، وتنشئ هذه الطبقات أيضا في عزلتها الأنيقة ثقافة وأنماطا من السلوك وأساليب الحياة المختلفة والمتخلفة أيضا.
فالمجتمعات تطور ثقافات وأساليب حياة مستمدة من التفاعل مع العالم تكون على قدر من التكيف والاستجابة للسياق العالمي في حين تظل متخلفة في المجتمعات المنغلقة حتى لو كانت غنية محافظة ومتعصبة، وعلى سبيل المثال فقد تخلت شريحة واسعة من المجتمعات عن الزواج المبكر، لكن جيوبه ما تزال راسخة في الطبقات الغنية، كما تتجه الاجيال الجديدة إلى التكافؤ والمساواة بين الزوجين في التعليم والعمل وإدارة البيت والأسرة، لكنها ما تزال لدى فئات غنية تنتمي إلى مرحلة قروسطية.
(الغد)

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020