التضامن النقابي في الأردن .. واقع وأمنيات



الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" 
حاتم قطيش

قبل الحديث عن التضامن النقابي أو التضامن العمالي كما يحب أن يسمه البعض ، لعله من المناسب القاء نظرة سريعة على مصطلح النقابات والنقابات العمالية على وجه الخصوص ، كما أنه من المفيد التعريج على المفهوم العام للتضامن وربطه بالعمل النقابي للتوصل على مصطلح التضامن النقابي.

 النقابات العمالية


هي منظمات العمال الجماهيرية الطبقية ، تجمع العمال باختلاف انتماءاتهم وأجناسهم وعقائدهم ومهنهم دون تمييز، وهدفها الدفاع عن مصالح العمال وتحقيق مطالبهم وحماية مكتسباتهم والتعبير عن إرادتهم ومواقفهم وتحسين شروط وظروف العمل .
وللنقابة بجانب دورها في الدفاع عن المصالح الاقتصادية للعمال، دوراً هاماً في تعليم العمال أهمية الكفاح المشترك والتضامن الطبقي وممارسة الديمقراطية من خلال الحوار والتفاعل والالتزام بقرارات الأغلبية، كما أن للنقابة دورها في تعظيم شعور العمال بقوتهم وقدرتهم على فرض إرادتهم وتحقيق مصالحهم من خلال التنظيم والتوحد.

ما هو التضامن


يُعرّف التضامن لغة بأنه التزام الفرد بأداء مهمة عن الآخر عندما يكون الشخص الآخر غير قادر على أداء هذه المهمة، ويشمُل العديد من الجوانب في الحياة، وهو" سلوك إنساني يهدف إلى تخفيف معاناة الناس وآلامهم"، ويُقصد به الاتحاد أو الالتزام، بحيث يُعين الغني الفقير، والقوي يُعين الضعيف، ومن خلاله يُساعد الأشخاص بعضهم بعضاً.


غياب التضامن يعني تغول أصحاب العمل على العمال:


لا يكاد يمضي أسبوعاً والا ونسمع عن حالات متكررة من التسريحات الجماعية للعمال أو حرمان العمال من الحماية الاجتماعية وغياب الأمان الوظيفي ، بل وتعدى الأمر ذلك الى التقهقر والتراجع في التشريعات التي تتعلق بالعمال كقانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي ، ناهيك عن تدني الحد الأدنى للأجور دون توفر نية حقيقية واجراءات فعلية لدى الحكومة لرفعه نظراً لغياب الضغط العمالي اوالنقابي الذي يدفع بهذا الاتجاه، بالاضافة الى غياب الاستراتيجيات الوطنية الحقيقية لمعالجة البطالة وغياب رؤية النقابات العمالية ودورها الأساسي في هذا المجال.
المعادلة سهلة وواضحة : كلما تفكك التضامن العمالي والنقابي كلما انعزلت النقابات عن بعضها البعض وكلما فقد العمال قوتهم الحقيقية  والتي تتمثل بثلاثة ركائز أساسية وهي الحريات النقابية والاضراب والتضامن النقابي الامر الذي ينعكس على أداء هذه النقابات ومدى قناعة العمال بجدواها، مما يؤثر مستقبلاً على شرعية هذه النقابات ومدى تمثيلها الحقيقي للعمال.
ان مصطلح التضامن النقابي سلك طريقه الى الاندثار والانقراض حينما اخذ شكلاً منمقاً ونخبوياً ، فانحصر التضامن النقابي ببيان مقتضب بكلمات باردة ميتة ليس فيها روح نضالية أو كفاحية أو تدوينة محدودة الحروف أو فيسبوكية تتسول اللايكات والكومنتات، وهذا في حقيقته بعيد عن المعنى الحقيقي للتضامن النقابي.

إن حدوث صراع ونزاع داخل النقابة الواحدة يعد مؤشراٌ على تصدع في التضامن النقابي الذي تقوم عليه النقابة الواحدة، وكذلك بين النقابات عموما. فالصراع قد يعبر عن حالة احتقان وطريق مسدودة يصل إليها أطراف الصراع داخل التنظيم النقابي الواحد أو في النقابات ككل. 
يعكس حدوث صراع جدي داخل التنظيم ارتجاجًا في التماسك الداخلي، من شأنه أن يرهن الفعل النقابي الجماعي. وبطبيعة الحال، سيؤثر ذلك سلبًا على انخراط النقابيين وسيؤدي إلى عزوف العمال عن العمل النقابي،  وعليه فأهم تحد ٍ تواجهه الحركة النقابية هو تحد داخلي، وهو ناتج عن ضعف التنظيم والتكوين النقابي.

التضامن النقابي وقوة العمال


انطلاقاً من الهدف الأساسي للنقابات وهو الدفاع عن حقوق العمال باختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم ، والتضامن الذي يهدف الى تخفيف معاناة الناس وآلامهم جاء مصطلح "التضامن النقابي"؛ فإن التضامن بشكل عام والتضامن النقابي بشكل خاص ليعبر عن ما يسمى (قوة العمال) والتي هي أحد أشكال قوة المجتمع، لذلك يتوجب على  العمال والنقابيين استثمار القوة التي يملكونها في تضامنهم واتحادهم لحماية مكتسباتهم ، ولعل أجمل تعبير عن التضامن النقابي هو الحديث النبوي الشريف (انما يأكل الذئب من الغنم القاصية) ، فكلما اعتدّت النقابة بقوتها الخاصة وانجازاتها السابقة فقط وشعورها باستغنائها عن الآخر؛ كلما اتجهت نحو الضعف والانعزال والانكفاء على الذات والتخلي عن قوتها الحقيقية، وكلما تجرد عمالها من قوتهم الحقيقية التي يملكونها.

ان المتابع للنقابات العمالية على وجه الخصوص والنقابات بشكل عام ليلاحظ حالة التفكك والانعزال التي تعيشها كل نقابة حتى تلك النقابات التي تنتمي لاتحاد واحد، الامر الذي عمق ومأسس حالة الانقسام والانفصال والانعزال.

التضامن النقابي الذي نحتاجه في الأردن 


- تضامن النقابيين داخل النقابة الواحدة:

وهو التضامن النقابي داخل النقابة العمالية الواحدة، بحيث يؤازر النقابيون الزملاء جهود بعضهم البعض ويدعمونها ولا يعطلونها لمجرد أنهم ينتمون على مدرسة فكرية متصارعة أو جاؤوا للنقابة من تكتلات نقابية مختلفة ، حتى النقابات التي تتشكل من عدة لجان نقابية يجب أن يجمع هذه اللجان عقد اجتماعي متين يمكنها من ممارسة عملها النقابي المتخصص من خلال اللجان النقابية وتأدية دورها النقابي السامي من خلال تضامنها ووحدتها داخل النقابة الواحدة.

- تضامن النقابات داخل الاتحاد الواحد :

الواقع الحالي أن النقابات العمالية على سبيل المثال تعيش حالة من الانعزال والتقوقع على الذات وكأنها جزيرة معزولة في محيط كبير، فترى النقابيين في النقابات المختلفة لا يعرفون بعضهم البعض ولا يتعرفون على تجارب بعضهم البعض ولا يؤازرون بعضهم البعض، بل ان معظمهم يعيش حالة من الغياب -او التغييب- عما يجري داخل الاتحاد الذي ينتمي اليه، ولا يعلمون أصلاً بنشاطات بعضهم أو اضراب عمالهم الا بعد نشر هذه النشاطات عبر وسائل الاعلام والمواقع الاخبارية!!

- تضامن نقابي بين الاتحاد النقابية المختلفة:

المتابع للشأن النقابي العمالي في الأردن يعلم أننا في الأردن لدينا اتحادين للنقابات العمالية؛ الاتحاد العام للنقابات العمالية في الأردن واتحاد النقابات العمالية المستقلة ، واذا ما رجعنا الى بداية هذا التقرير الذي يتحدث عن الأهداف السامية لانشاء النقابات بشكل عام والنقابات العمالية بشكل خاص ليفترض أن هذه الأهداف يجب أن لا تؤطر من خلال الانتماء الحزبي أو العرقي أو الديني أو الفكري أو الجهوي بل على العكس فإن نشوء النقابات العمالية من الأساس جاء ليحارب هذه التصنيفات ويفكك هذه القيود التي تكبل أيدي العمال والنقابيين وتحرمهم من اطلاق ايديهم واستثمار قوتهم.
من المعلوم أن الخلاف والنزاع بين هذين الاتحادين في أصله هو خلاف ونزاع على شرعية الوجود أساساً وادعاء كل اتحاد انه الممثل الحقيقي للعمال ومهما كانت الاجتهادات والأدلة من كلا الجانبين واقعية في هذا الجانب الا أنها لا تغير الواقع الذي يقول أن لدينا على أرض الواقع اتحادين للعمال وان المصلحة العمالية والنقابية والوطنية تقتضي أن يتعاون النقابيون في هذين الاتحادين من خلال التضامن النقابي والمؤازرة في الحراكات النقابية التي تعود بالنفع على العمال أولاً وآخراً.

- تضامن نقابي بين النقابات العمالية والمهنية:

 ان حالة الحرد القائمة بين النقابات العمالية والمهنية تتنافى مع أساسيات العمل النقابي والتضامن النقابي، ولعل غياب الوعي النقابي ليغذي هذه القطيعة ويساعد على سواد أجواء التهميش والتشكيك للآخر في الوقت الذي كان يمكن أن تشكل هذه النقابات والاتحادات جبهة نقابية وطنية تقف في وجه العديد من التغولات على التشريعات التي تؤثر على الحقوق العمالية والحماية الاجتماعية، بل ان حالة التشرذم والتمزق تطورت ليس فقط الى غياب التضامن النقابي بل الى اعلان بعض النقابات عن نشاطات نقابية او اضرابات من شأنها اضعاف موقف زملاؤهم النقابيين الذي يشتبكون مع صاحب القرار ويحتاجون منهم موقفاً تضامنياً يعزز قوتهم ويقوي موقفهم.

اقرأ أيضاً:





إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020