الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
يمكن تعريف القوة الفيزيائية للأجسام بأنها كل مؤثر خارجي أو فعل يغير في شكل الأجسام أو اتجاهها أو حركتها أو سرعتها.
وانطلاقاً من كون الانسان بطبيعته اما يكون مؤثراً بمن حوله أو متأثراً بهم فإنه يمكن تعريف القوة من الناحية الاصطلاحية بأنها القدرة على جعل الآخرين يفعلون ما تود منهم فعله، بمعنى أنه يمكن لأي انسان أو منظمة أو نقابة أو حزب أو حتى دولة قياس قوتها بمقدار قدرتها على التأثير في سلوك الآخرين واندفاعاتهم وتوجهاتهم لتحقيق الأهداف الموضوعة مسبقاً.
ماهي مصادر القوة ؟
وبما أننا نتحدث عن القدرة على التأثير في الآخرين فإنه يلزم التطرق الى أنواع هذه القدرة التي تمكن الشخص أو المنظمة أو النقابة من التأثير في سلوك الآخرين وأفعالهم سواء بالإكراه أو الإقناع، ويمكن اختصار أنواع القوة الى :
1- القوة الجسدية أو الفيزيائية :
وهي أحد مظاهر العبودية التي تجبر العمال على ممارسة أعمال معينة ضمن ظروف غير لائقة بفعل الاكراه الجسدي او التعنيف، وقد يصل الأمر الى التعذيب ويتطور الى الاتجار بالبشر.
صحيح أن العبودية بشكلها التقليدي الذي نعرفه تكاد تكون اختفت ، ولكنه موجودة بشكل أكثر قسوة ولكن تم الباسها ثوب لتبدو أكثر أناقة وتقبلاً في المجتمع، ولعل الفئة الأكثر التي يمكن أن تعاني من هذا النوع من سلطة القوة الجسدية هم العاملات في المنازل الذي يعانون في كثير من الأحيان لأبشع أنواع العبودية.
2- المال:
يمكن للمال أن يشتري النتائج ويجبر الناس على تنفيذ أمور ليسوا مقتنعين بها لمجرد الحصول على المال أو مخافة خسارة هذا المال، وعادة من يجيد استخدام هذا النوع من القوة هم أصحاب العمل الذين يملكون المال وبالتالي يملكون قرار العديد من العمال اما عن طريقهم بكسب المزيد من هذا المال أو تهديدهم من امكانية خسارة الأموال التي يتقاضونها من العمل لمجرد أنهم يطالبون بحقوقهم على سبيل المثال فيضطر العامل الى السكوت والقبول ببيئة عمل غير آمنة أو العمل ضمن ظروف لا تحقق العمل اللائق أو بأجور متدنية أحياناً مخافة خسارة العمل الذي يؤمن له المال الذي يقتات منه، لذلك تم تصنيف العمل مقابل سداد دين مثلاً على أنه أحد أصناف العمل الجبري المخالف للقانون والاتفاقيات الدولية.
3- قوة الدولة:
وهذا النوع من القوة عادة ما يكون بيد الدول من خلال الجيوش أو الأجهزة الأمنية وبالتالي قد تكون أحد وسائل تطبيق القانون وفرضه هو القوة الجسدية مما يؤثر على سلوك الناس واجبارهم على فعل ما تود منهم الدولة فعله بغض النظر عن قناعة هؤلاء الأشخاص ، ويمكن النظر الى هذا النوع من القوة بأنه قوة آنية ومؤقتة بحيث أنه اذا زالت القوة أو قل تأثيرها تعود الجماهير الى سلوكها الرئيسي.
4- العادات الاجتماعية:
وهي أحد أنواع القوى التي لا يستهان بها من خلال أنها تجبر الناس أو العمال على ممارسة أعمال معينة أو الامتناع عن ممارسة أعمال معينة بفعل قوة خفية تفرضها المجتمعات على هؤلاء العمال فترى في بعض المجتمعات ما يسمى مثلاً بثقافة العيب التي قد تمنع العمال عن ممارسة بعض الأعمال فقط خوفاً من قوة العادات الاجتماعية للمجتمع التي يعيشون فيه، وأحياناً حصر بعض المهن على نوع اجتماعي معين فقط بفعل العادات والتقاليد.
5- الخطط والأفكار:
وبهذا النوع من القوى يتميز الشخص أو المؤسسة أو النقابة، فالنقابي الذي يتملك أفكاراً خلاقة ابداعية متجددة مقبولة للعمال يمتلك قوة خفية تجعل العمال يقتنعون بخطابه وينفذون ما يخططه لهم عن طيب خاطر واقتناع والعامل الذي يعرف حقوقه وواجباته يمكنه المطالبة بها واختيار التكوين النقابي الذي يقنعه بخططه وأفكاره، لذلك نجد النقابات التي تمتلك خططاً استراتيجية تسعى لتنفيذها وتضع لها الأهداف والوسائل تجدها نقابات قوية مؤثرة يمكنها استقطاب العمال اليها بسهولة واستثمار هؤلاء العمال لاحقاً لتحقيق هذه الأهداف السامية، مما يجعل الحديث عن حرية التنظيم النقابي والتعدد النقابي يتيح بيئة أكثر عدالة في خيارات الانتساب للنقابات المبنية على مدى امتلاك هذه النقابات لخطط واقعية وطموحة وخطاب نقابي مقنع وقيادات نقابية ذات فكر مستنير وكاريزما نقابية جاذبة.
6- العدد
ولعل هذا النوع من القوى هو الدافع الأساسي لوجود النقابات بشكل مباشر، فالظلم قد يقع على مجموعة كبيرة من العمال وقد يخشى العامل من مواجهة أصحاب العمل الذي يمتلكون أحد أو العديد من أنواع القوى التي تم التطرق اليها، أما حينما يشكل هؤلاء العمال كتلة عددية كبيرة منظمة من خلال النقابات يمكنها توجيهها نحو تحقيق الأهداف العمالية أو رفع الظلم عن أحد أو مجموعة من العمال، لذلك نجد التنافس بين النقابات العمالية على سبيل المثال يكون على أساس التكتل العددي للعمال المنضوين تحتها كون الانتساب للنقابات العمالية هو انتساب اختيارياً وليس اجبارياً كما هو الحال في النقابات المهنية على سبيل المثال.
قواعد القوة :
ولا بد للنقابيين والنقابات وحتى أصحاب العمل عند استخدامهم للقوة التي يملكونها من معرفة أن هذه القوى بمختلف أنواعها تخضع لقوانين قد تؤثر على مدى الاستفادة منها بل وتوقيت الاستفادة منها :
1- القوة ليست ثابتة :
لا بد أن يرسخ في أذهان الجميع أن القوة التي تمتلكها اليوم قد تكون بيدك بشكل مؤقت لذلك يجب عليك اجادة استخدامها في اطارها الصحيح وضمن التوقيت المثالي، أيضاً النقابات التي لا تمتلك قوى معينة أو تجد أنها ضعيفة في أحد أوجه القوى يجب عليها السعي لامتلاك هذا النوع من القوة مما يعني أن خططها يجب أن تركز على هذا الأمر؛ فعلى سبيل المثال قد تجد بعض النقابات ضعفاً في الانتساب النقابي للعمال وبالتالي فهي بذلك تفقد أحد أهم أنواع القوى النقابية، وفي هذه الحالة يجب عليها وضع خطة نقابية تتضمن أهدافاً ووسائل وأساليب عملية تمكنها من زيادة الانتساب النقابي للعمال في صفوفها وبالتالي تضمن زيادة رصيدها من هذا النوع من القوة.
2- القوة يمكن توجيهها :
قد تتساوى بعض النقابات مثلاً في قوة الانتساب النقابي للعمال ولكنك تجد أن أحد هذه النقابات تعتبر قوية في الميدان وينعكس الانتساب الكبير للعمال في صفوفها على أدائها واحترام الآخرين لقوتها؛ بينما النقابة الأخرى وبالرغم من امتلاكها لعدد منتسبين كبير من العمال الا انها تعتبر نقابات ضعيفة أو كما يحب أن يسميها البعض بأنها نقابات كرتونية وذلك ناتج عن ضعف قيادة هذه النقابات من استثمار القوة العددية التي تنضوي تحت مظلتها، بالقوة هي بمثابة نهر جاري جارف وقيادة النقابة هي التي تتحكم في مجرى هذا النهر وتوجهه نحو تحقيق أهدافها السامية، اما اذا تركت هذه الكتلة العددية هائمة بدون تثقيف عمالي أو أهداف يسعون لتحقيقها من خلال نقابتهم فإنه سيأتي اليوم الذي تتسرب هذه القوة عن مجرى النهر وتجد لها قنوات أخرى تجيد استثمارها.
3- القوة قابلة للتجميع
القيادات النقابية الحقيقية هي التي تستثمر القوى الكامنة في العمال وتوجهها نحو تحقيق أهدافها النقابية، وذلك يكمن في اشراك هؤلاء العمال وعدم تهميشهم وبالتالي تضمن هذه النقابات من تجميع مختلف القوى المؤثرة الكامنة في العمال والاستفادة منها للوصول لعمل نقابي محترف وقوي ومتنوع الخبرات.
ما هو المطلوب من النقابات العمالية لبناء قوة العمال:
لضمان نجاح نقابات العمال من بناء قوة العمال التي ترتكز عليها أعمال هذه النقابات لا بد من تطبيق مبدأ ( ٌRead and Write ) وهو باختصار يكمن في اجادة هذه النقابات من قراءة هذه القوة أو القوى بدقة ثم استثمار هذه القوى بالشكل الأمثل.
أولاً: قراءة القوة بدقة: ( Read )
1- المعرفة الجيدة بالتشريعات العمالية:
لقراءة القوى الكامنة لدى العمال يجب أن يرتكز هذا الأمر على المعرفة، سواء من طرف العمال أو من طرف النقابة؛ بمعنى أن أولى الخطوات الرئيسية التي يجب أن تبذلها النقابات تجاه العمال هو تثقيفهم وزيادة المعرفة لديهم من خلال زيادة الوعي بالتشريعات الناظمة للعمل النقابي سواء الدولي منها أو الوطني وبالتالي تترسخ لدى العامل المعرفة الجيدة بواجباته فلا يقصر فيها وحقوقه فلا يتنازل عنها .
أما فيما يخص جانب النقابة من قراءة القوة بدقة فيكمن في معرفة نقاط القوة التي تمتلكها النقابة فتركز عليها وتنميها وتحافظ عليها ومعرفة نقاط الضعف أو القوى التي لا تمتلكها هذه النقابات فتضع لذلك الخطط والبرامج لامتلاك هذه القوى أو تعزيزها.
2- تكوين نقابي متين:
ويتوجب على النقابات القراءة الدقيقة لمتانة الجسم النقابي لديها ومعرفة أسباب إحجام العمال من الانتساب لها كنقابات وهل هناك تضامن بين العمال في الجسم النقابي الواحد وهل يمكن أن يطلق على هذا الجسم المتمثل بالنقابة أنه جسم متين منيع أم أنه جسم هش كرتوني ضعيف.
3- القمع الحكومي وتأثير أصحاب العمل
وهذا الجانب من الأهمية بمكان قبل الشروع بأي خطوة نقابية أو الدعوة لفعالية نقابية من معرفة مدى امكانية أن تمارس الدولة على سبيل المثال قوتها الجسدية أو الفيزيائية من خلال قمع العمال أو منعهم بالقوة من ممارسة نشاطهم النقابي وهذا بالضرورة يعتمد على مدى قدرة قراءة النقابات للمشهد الوطني ومدى خصوبة الجو العام للمارسة بعض النشاطات النقابية مما يمكنها من عمل خطط بديلة دائمة لنشاطاتها أو تعبئة العمال وضمان جاهزيتهم لممارسة نضالهم النقابي للدفاع عن حقوقهم.
كما يتوجب على النقابات العمالية المعرفة التامة بأصحاب العمل ومدى تأثيرهم على العمال وبالتالي قوتهم في إفشال الحراك النقابي داخل المنشآت أو التأثير على تفاعل العمال مع الدعوات النقابية النضالية.
ثانياً: استثمار القوة : (Write)
اذا ما أجادت النقابات قراءة المشهد بوضوح وكفاءة واقتدار سيسهل عليها حينها استثمار القوى الكامنة لدى العمال وتجميعها وتوجيهها لتحقيق الأهداف النقابية السامية للعمال والدفاع عن حقوقهم وبناء قوة عمالية منيعة تستند الى تكوين نقابي متين.
اقرأ أيضاً:
إرسال تعليق