الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" .. حاتم قطيش
لعل القارئ يستغرب العنوان الذي جاء به المقال ومن ربط "العمل اللائق" الذي هو مصطلح جديد وبين آيات القرآن الكريم الذي نزل قبل أكثر من 1401 عام، ايماني الراسخ أن القرآن الكريم ليس فقط جاء صالحاً لكل زمان ومكان بل وانه يخاطب كل أهل زمان بخطابات لم يكن يعيها أو يمكن أن يعيها أهل الزمان الذي قبلهم ومن يغوص في أعماق الآيات الكريمة ليظفر بكنوز وافرة في كل مرة يبحث فيها ويتفكر في آيات القرآن الكريم.
الواقع المؤلم أننا نأتي بالعلوم والمعارف الجديدة التي ابتكرها غيرنا ثم نبحث في آيات القرآن الكريم لنجد أن القرآن كان قد تحدث عنها وأشار اليها ولكن أحداً لم يلتقط هذه الاشارات ولم يبني عليها علوماً ينتفع منها العالم، فاعتقادي أن الأصل أن يجتهد كل أهل علم من العلوم ويعكفوا على دراسة آيات القرآن بدقة وروية وتفكر ليستخلصوا منها علوماً ومعارف جديدة تضيف للعلوم القائمة وتفتح أبواباً ومجالات جديدة نحو الابداع والتطور؛ الا أننا حتى هذه اللحظة لا زلنا نتفاجأ كلما ورد الينا علم من العلوم أن القرآن كان قد أشار اليه ولمح له بل وفصل في بعض المواطن، وأنا هنا لا أدعي أن جميع العلوم يجب أن تكون مذكورة في القرآن الكريم بمسمياتها بل أنني أود أن أشير أننا مقصرون في التفكر في آيات القرآن وجعله نقطة الانطلاق للبحث والتفكر.
في هذا المقال المبسط سأحاول الاشارة السريعة -غير المتخصصة- الى بعض آيات القرآن التي أعتقد أنها تتوافق توافقاً كبيراً مع مصطلح جديد ومبتكر يتداوله المهتمون في الشأن العمالي والنقابي وهو "العمل اللائق" لأجد ومن خلال جولة بسيطة في آيات القرآن الكريم ما يتوافق حد التطابق أحياناً الى ما وصل اليه المختصون في تحديد شروط العمل اللائق .
ما هو العمل اللائق
العمل اللائق هو الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر وينص هذا الهدف على :
"تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع"
يلبي مفهوم العمل اللائق تطلعات البشر في الحصول على فرص العمل الملائمة لقدرتهم وبأجور عادلة، والتمتع بكافة الحقوق والامتيازات والمساواة بين الجنسين.
وبحسب التعريف المعتمد لدى منظمة العمل الدولية بخصوص العمل اللائق " ايجاد فرص عمل للنساء والرجال في ظروف من الحرية والمساواة والأمان والكرامة الانسانية، توفر الأمان للعاملين في مكان العمل، وتوفر الحماية الاجتماعية للعاملين وأسرهم، وتوفر فرصاً جديدة للتنمية الشخصية والمهنية وتشجع على الاندماج الاجتماعي، وتعطي البشر الحرية في التعبيرعن همومهم ومخاوفهم وتنظيم أنفسهم والمشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم، وضمان تكافؤ الفرص والمعاملة المتساوية للجميع".
وبحسب التعريف المعتمد لدى منظمة العمل الدولية بخصوص العمل اللائق " ايجاد فرص عمل للنساء والرجال في ظروف من الحرية والمساواة والأمان والكرامة الانسانية، توفر الأمان للعاملين في مكان العمل، وتوفر الحماية الاجتماعية للعاملين وأسرهم، وتوفر فرصاً جديدة للتنمية الشخصية والمهنية وتشجع على الاندماج الاجتماعي، وتعطي البشر الحرية في التعبيرعن همومهم ومخاوفهم وتنظيم أنفسهم والمشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم، وضمان تكافؤ الفرص والمعاملة المتساوية للجميع".
لمعرفة المزيد عن العمل اللائق ادخل على الروابط التالية:
العمل اللائق .. أهم أهداف التنمية المستدامة للعمال والنقابات
دور النقابات العمالية في تحقيق العمل اللائق كأحد أهداف التنمية المستدامة
بداية يجب النظر الى العمل على أنه حق من حقوق الانسان التي كفلها الاعلان العالمي لحقوق الانسان حيث تنص المادة 23 من هذا الاعلان على:
- لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة.
- لجميع الأفراد، دون أيِّ تمييز، الحقُّ في أجٍر متساوٍ على العمل المتساوي.
- لكلِّ فرد يعمل حقٌّ في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشةً لائقةً بالكرامة البشرية، وتُستكمَل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية.
- لكلِّ شخص حقُّ إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.
وانسجاماً مع النظر الى العمل على أنه حق وقيمة نجد الآية الكريمة في سورة سبأ تشير الى ذلك بدقة حيث قال الله سبحانه " اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" (سبأ 13).
وهنا تسليط لطيف على قيمة العمل والاهتمام به ، فلا يجوز أن يكون العمل فقط وسيلة للعيش ومقابل الأجر بل يجب النظر اليه أنه حق من حقوق الانسان وبالتالي يجب أن يكون هذا العمل بشروطه اللائقة كنوع من أنواع ممارسة آدمية الانسان وحريته في اختيار عمله وحقوقه في ظروف عمل آمنة وبالتالي يكون هذا العمل شكل من أشكال شكر الله سبحانه وتعالى على الآدمية.
وأيضاً يجب أن لا يزهد الانسان بالعمل وان كان من غير أجر وهنا يمكن أن نستنبط منها اشارة الى أهمية العمل التطوعي الذي ينبني على أهمية قيمة العمل وليس العائد المادي من وراء هذا العمل، ولعل المنخرطين في العمل النقابي التطوعي يأنسون بهذه الآية ، فجهدهم المبذول لتحقيق شروط العمل اللائق للعمال وتحسين ظروف عملهم يأتي ابتداءاً كنوع من شكر الله سبحانه وتعالى على تسخيرهم ليكونوا سبيلاً نحو تحقيق حقوق الانسان في الحصول على العمل اللائق ، وأيضاً يمكن أن يفهم منها أن عملكم التطوعي لن يكون هباءاً منثوراً وان لم يقم العمال بشكركم فيكفيكم فخراً أن خاطبكم الله قائلاً "اعملوا" ثم أتبع هذا الأمر بكلمة "شكراً" وكأنه يلفت الانتباه أن ما تبذلوه من جهد سيكون عند الله محل شكر وتقدير، فيجب أن يبقى هذا المعنى يسكن ضمائر العاملين في العمل التطوعي والنقابي شكراً لله أن سخرهم لهذا العمل .. وقليل من عبادي الشكور.
واذا كان العمل حق من حقوق الانسان ، فإن الحديث يدور عن عمل لائق وليس أي عمل وهنا يكون مسؤولية صاحب العمل، وفي الآية الكريمة من سورة المؤمنون " فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا" (المؤمنون 27) يأتي الأمر الالهي لسيدنا نوح أن يبدأ بصناعة السفينة ولكنه سبحانه تكفل له بشروط العمل اللائق أثناء صناعته للسفينة فقال له "بأعيننا" بمعنى أن حريتك في العمل سيتكفل الله لك بها فلن يستطيع أحد أن يسلبك "حقك في العمل" مما سينعكس عليك بأن تعمل ضمن مؤشر مهم من مؤشرات العمل اللائق وهو "الاستقرار في العمل" ، فإذا اطمأن العامل أن حقه مكفول من صاحب العمل وبالتالي تحصل على الأمان الوظيفي وصل الى ما يسمى الاستقرار في العمل مما سينعكس على أداء هذا العامل وانتاجيته .
واذا كان العمل حق من حقوق الانسان ، فإن الحديث يدور عن عمل لائق وليس أي عمل وهنا يكون مسؤولية صاحب العمل، وفي الآية الكريمة من سورة المؤمنون " فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا" (المؤمنون 27) يأتي الأمر الالهي لسيدنا نوح أن يبدأ بصناعة السفينة ولكنه سبحانه تكفل له بشروط العمل اللائق أثناء صناعته للسفينة فقال له "بأعيننا" بمعنى أن حريتك في العمل سيتكفل الله لك بها فلن يستطيع أحد أن يسلبك "حقك في العمل" مما سينعكس عليك بأن تعمل ضمن مؤشر مهم من مؤشرات العمل اللائق وهو "الاستقرار في العمل" ، فإذا اطمأن العامل أن حقه مكفول من صاحب العمل وبالتالي تحصل على الأمان الوظيفي وصل الى ما يسمى الاستقرار في العمل مما سينعكس على أداء هذا العامل وانتاجيته .
وهناك اشارة أخرى لعبارة "بأعيننا" تتعلق بالحماية الاجتماعية للعامل فعناية صاحب العمل بالعامل تتضمن أن يؤمن له الحماية الاجتماعية .
ولعل كلمة "بأعيننا" تلمح بطريقة أخرى أنك يا نوح ستعمل بحمايتنا وأننا سنتكفل بتأمين "ظروف عمل آمنة" لك.
أما الاشارة الأخرى اللطيفة في هذه الآية فهي تتعلق بتوفير فرص للتنمية الشخصية للعامل مما يعزز ظروف العمل اللائق فطمأن الله سبحانه سيدنا نوح أنه سيؤمن له التعليم والتدريب الكافي ليكون صانعاً ماهراً وذلك بقوله سبحانه " ووحينا " ، فوظيفة الوحي ستكون أيضاً أن يوفر لك الفرص للتدريب والتنمية الشخصية لضمان أنك تعمل ضمن شروط العمل اللائق.
ولعل هذه الآية من أدق الآيات فيما يخص العمل اللائق حيث أن الله سبحانه لم يطلب من نبيه عليه السلام العمل فحسب فلم يخاطبه بقوله "اصنع الفلك" ، بل انه طلب منه العمل ولكن ضمن شروط العمل اللائق الذي يؤمن له الحماية الاجتماعية ووسائل التدريب والتعليم لتأمين فرص التنمية الشخصية والمهارية لديه، خاصة أنه وحسب ما ورد أن علم صناعة الفلك "السفينة" لم يكن متوفراً في ذلك الزمان بل ان قوم نوح لم يكونوا يعرفون السفينة أصلاً وهنا اشارة لطيفة أخرى وهي أن على صاحب العمل تهيأة العامل لتعلم مهارات جديدة تؤمن له الانتقال الآمن نحو مسقبل العمل فأمن له التدريب والتعليم الكافي ليكون عاملاً ماهراً لوظيفة مستقبلية ستنبني عليها مستقبل البشرية. وكأننا أمام توجيه رباني لأصحاب العمل مفاده أنك عندما تطلب من العامل القيام بعمل معين يجب أن توفر له شروط العمل اللائق من توفير ظروف العمل وتأمين الحمايات الاجتماعية و والتدريب والتعليم الكافي بل انك كصاحب عمل يجب أن تهيئ هذا العامل ليكون مستعداً للانتقال الآمن من وظيفته الى وظائف سيرتكز عليها مستقبل العمل.
تحدثت المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية عن الحقوق العمالية التي نصت أن من حقوق العامل أن تتوفر له ظروف عمل تكفل السلامة والصحة، وفي الآية الكريمة من سورة الأنبياء " وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ" (الأنبياء 80) اشارة جميلة في هذا السياق، حيث نصت الآية على قول "لتحصنكم" واختلف القرّاء في قراءة قوله (لِتُحْصِنَكُمْ) فقرأ ذلك أكثر قرّاء الأمصار ( لِيُحْصِنَكُمْ ) بالياء، بمعنى: ليحصنكم اللَّبوس من بأسكم، ذَكَّروه لتذكير اللَّبوس، وقرأ ذلك أبو جعفر يزيد بن القعقاع (لِتُحْصِنَكُمْ) بالتاء، بمعنى: لتحصنكم الصنعة، فأنث لتأنيث الصنعة، وقرأ شيبة بن نصاح وعاصم بن أبي النَّجود ( لِنُحْصِنَكُمْ) بالنون، بمعنى: لنحصنكم نحن من بأسكم.
وذكر هنا اللبوس وليس اللباس على اعتبار أن اللبوس يحمي الجسد في الحرب ، والشاهد أن التعليم المتحصل هنا لصناعة ما يتحصل به الاحصان ويكون لائقاً للوظيفة المراد له أن يؤديها ، ومن هنا نستشف أن العمل اللائق بظروفه ومقوماته يجب أن يصدر عنه ناتج لائق للوظيفة المراد له تأديتها.
ومن ناحية أخرى لو اعتبرنا أن الوظيفة المتحدث عنها هنا هي الحرب فلا بد للمقاتل والمحارب أن يؤدي هذه المهمة والوظيفة بظروف تحميه من المخاطر فكان لا بد له أن يرتدي ملابس تؤمن له السلامة العامة ليؤدي عمله المراد بظروف لائقة، بمعنى أنه يتوجب على الذي سيقوم بوظيفة المقاتل أن لا يكتفي بلباس عادي وانما يجب أن يستخدم "لبوس" خاص يؤمن له الحماية والسلامة ليقوم بوظيفته ضمن شروط العمل اللائق.
وبالعودة للحديث عن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية
نجد أن من الحقوق العمالية التي كفلها هذا العهد حق يتعلق بالاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل، والاجازات الدورية المدفوعة الأجر، وكذلك المكافأة عن أيام العطل الرسمية، وفي هذا الجانب عني القرآن الكريم عناية فائقة بحق الانسان في الاستراحة بل وقد وازن بدقة بين حق العمل وحق الاستراحة والتحديد المعقول لساعات العمل، حيث نجد مجموعة من الآيات الكريمة :
* "وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (القصص 73)
* "وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ" (الروم 23) ،
نجد أن من الحقوق العمالية التي كفلها هذا العهد حق يتعلق بالاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل، والاجازات الدورية المدفوعة الأجر، وكذلك المكافأة عن أيام العطل الرسمية، وفي هذا الجانب عني القرآن الكريم عناية فائقة بحق الانسان في الاستراحة بل وقد وازن بدقة بين حق العمل وحق الاستراحة والتحديد المعقول لساعات العمل، حيث نجد مجموعة من الآيات الكريمة :
* "وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (القصص 73)
* "وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ" (الروم 23) ،
* "وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا" ( النبأ : 10 - 11)
* ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 9 - 11]
* ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 9 - 11]
وفي هذه الآيات يسلط التركيز على أحد أهم مؤشرات العمل اللائق والمتعلق "بساعات العمل المناسبة" ، فكما أن من حقوق الانسان العمل فإن من حقوقه أيضاً الراحة والسكن والنوم، وهنا لفتة لطيفة وهي أنه تحدث في سورة النبأ عن أن الليل لباساً والنهار معاشاً وفي ظني أن الحديث هنا عن أغلب أنواع العمل والاستعداد الفطري لجسم الانسان هو النوم في الليل وتخصيص النهار للعمل ولكنه في سورة القصص دمج الحديث عن الليل والنهار ثم اتبعهم بالسكن والابتغاء من فضله وكذلك الحال في سورة الروم تحدث عن حق النوم في الليل أو النهار وايضا اتبعه بالابتغاء من فضل الله (العمل) ، وقد تكون الاشارة أن هناك أعمالاً لا يمكن الا أن تكون في الليل فاعتبر المقياس الرئيس ليس متى تعمل وانما ساعات العمل المناسبة لك فلا يجب أن تتجاوز ساعات العمل القدر الذي يتعدى فيه العامل على حقه في الراحة والنوم فإن شئت العمل في الليل فيجب عليك أن ترتاح في النهار والعكس صحيح ، وقد جاءت هذه الاشارات لتتوافق مع حقوق العامل في وجوب الاستراحة وأوقات الفراغ، والتحديد المعقول لساعات العمل كما نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
أما في سورة الجمعة فأكد على حق العامل في أوقات الفراغ ونظر اليها أنها حق من حقوقه ولا تتعارض اطلاقاً مع انتاجيته في العمل بشرط أن يلتزم العامل بها ولا يستغلها بطريقة سلبية، فعندما أعطاه استراحة ليمارس صلاته كحق من حقوقه الانسانية أمره بأن يعود ويستأنف العمل والانتاج فقال "فانتشروا" والفاء هنا تفيد الأمر ولعل الربط هنا لطيف بين حق العامل في الاستراحة ووقت الفراغ في العمل وواجب العامل بأداء عمله على أكمل وجه تلبية لحق صاحب العمل ، ففي ذلك التوازن المطلوب.
وبالاشارة الى ما ابتدأنا به هذا المقال من أن العمل اللائق هو أحد أهداف التنمية المستدامة فقد جاءت الآيات الكريمة التالية تلقي بظلالها على هذا الهدف بطريقة قرآنية لطيفة :
أما في سورة الجمعة فأكد على حق العامل في أوقات الفراغ ونظر اليها أنها حق من حقوقه ولا تتعارض اطلاقاً مع انتاجيته في العمل بشرط أن يلتزم العامل بها ولا يستغلها بطريقة سلبية، فعندما أعطاه استراحة ليمارس صلاته كحق من حقوقه الانسانية أمره بأن يعود ويستأنف العمل والانتاج فقال "فانتشروا" والفاء هنا تفيد الأمر ولعل الربط هنا لطيف بين حق العامل في الاستراحة ووقت الفراغ في العمل وواجب العامل بأداء عمله على أكمل وجه تلبية لحق صاحب العمل ، ففي ذلك التوازن المطلوب.
وبالاشارة الى ما ابتدأنا به هذا المقال من أن العمل اللائق هو أحد أهداف التنمية المستدامة فقد جاءت الآيات الكريمة التالية تلقي بظلالها على هذا الهدف بطريقة قرآنية لطيفة :
* لَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (سبأ 10-11)
* ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]
وهنا نجد اشارة هامة في قوله سبحانه "وألنا له الحديد" يرتبط بموضوع العمالة المنتجة والمستدامة والصلة الوثيقة بينها وبين العمل اللائق ، فإلانة الحديد قد تعني تدريب داوود أن يكون عاملاً ماهراً للتعامل مع الحديد والاستفادة من هذا المورد وضمان استدامته ليكون أحد أسباب التنمية المستدامة ثم بعدما قررسبحانه أنه قادر على العمل بمهارة لدرجة أن الحديد الصلب أصبح ليناً بين يديه لمهارته وقدرته، طلب منه أن يعمل الدروع الابداعية والابتكارية التي تؤمن الحماية للمقاتل (العامل) وبنفس الوقت تكون مريحة ولا تقيد حركته، دروع مصنوعة من الحلقات فيها من المرونة ما يسمح للمقاتل أن يؤدي عمله -القتال- مع تأمين ظروف عمل لائقة من حيث السلامة والصحة المهنية له كعامل مقاتل.
ويؤكد ذات المعنى حول مسؤولية صاحب العمل في تأمين ظروف العمل اللائقة ما رود في سورة الملك في قوله تعالى "جعل لكم الارض ذلولاً" أي هيأها وجعلها ملائمة ولائقة للعمل وبالتالي بامكانكم أن "تمشوا في مناكبها" أي تعملوا وتقوموا بواجبكم.
ويؤكد ذات المعنى حول مسؤولية صاحب العمل في تأمين ظروف العمل اللائقة ما رود في سورة الملك في قوله تعالى "جعل لكم الارض ذلولاً" أي هيأها وجعلها ملائمة ولائقة للعمل وبالتالي بامكانكم أن "تمشوا في مناكبها" أي تعملوا وتقوموا بواجبكم.
وفي قوله "اعمل سابغات" دلالة على أن ملابس السلامة العامة للعامل وهي هنا الدروع للمقاتل يجب ان تكون وافية ومتقنة لما يحفظ أقصى درجات السلامة ، فلا يكفي أن تؤمن للعامل ملابس السلامة العامة ولكن يجب أن تكون هذه الملابس ذات جودة عالية لتؤمن أحد شروط العمل اللائق، وهنا اشارة لطيفة أخرى وهي أنه عندما ألان له الحديد جعل باكورة منتجات هذا الحديد ما يعود للنفع على المقاتل، بمعنى أن العامل يجب أن يكون أول المنتفعين من المنشأة التي يعمل بها ليشعر أنه جزء منها تجسيداً للشراكة الحقيقية بين طرفي الانتاج (صاحب العمل ، العامل ).
وانطلاقاً من مبدأ التشاركية بين أصحاب العمل والعمال باعتبارهم طرفي الانتاج وأن العامل هو جزء أساس من أرباح صاحب العمل وبالتالي لا يجوز التقليل من جهده وبذله بل يجب تعزيز انتماء هذا العامل للمنشأة التي يعمل فيها فإذا تحصلت عند العامل وصاحب العمل هذه الرؤية تبدلت علاقة الخصومة بينهما الى علاقة تعاونية تشاركية لزيادة الانتاج والأرباح التي ستعود بالنهاية على العامل، وهنا أجد من المفيد التعريج على سورة "يس" التي وردت فيها الآية الكريمة : "وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ، لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (يس 35).
حيث نجد في هذه الآية اشارة الى أنه وبالرغم من أن النخيل والاعناب والأشجار المثمرة بشكل عام تؤتي أكلها من فضل الله وليس للانسان فضل في تركيبتها وصناعتها بل يقتصر عمل الانسان هنا على الزراعة والرعاية وبالرغم من ذلك ذكر الله سبحانه هذا العمل واعتبره سبباً رئيساً في الحصول على الثمر من هذا الشجر من خلال قوله "عملته أيديهم"، ولعلها من أقوى الاشارات الربانية الى ضرورة ان تكون العلاقة بين طرفي الانتاج (صاحب العمل، العامل) هي علاقة شراكة يتقاسمون فيها الغنم والغرم، فلك أن تتخيل جمال هذا الخطاب واحترام العامل وتقديره ولاختفت لغة التقليل من شأن العامل واشعاره بعدم الأهمية والتقدير.
خاتمة:
خاتمة:
وفي نهاية هذا المقال أجد من اللازم التذكير أن ما تمت الاشارة اليه من روابط بين الآيات الكريمة وشروط العمل اللائق جاءت بدافع الدعوة الى التدبر في القرآن الكريم لنهل المعارف وهي بالنهاية محل اجتهاد ورؤية شخصية بعد الاطلاع على التفاسير المعتبرة في هذا الباب، ولم أحاول اطلاقاً لي عنق النص ليتوافق مع فكرة أحاول برهنتها بل ان اللفتات والاضاءات التي كتبتها انما جاءت ترجمة لشعور تملكني عند قراءتي لتفاسير هذه الآيات وترابطها الوثيق مع شروط العمل اللائق، ورغبة مني في أن يتذوق القارئ خاصة من المهتمين في العمل النقابي والعمالي جمال خطاب القرآن الكريم وبديع آياته.
إرسال تعليق