العمال المستأجرين .. شكل من أشكال التوظيف أم العبودية ؟!


الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" .. حاتم قطيش

عبد القادر فني محترف يعمل في أحد المصانع داخل المجمع الصناعي التابع لشركة الفوسفات في العقبة ، الا ان عبد القادر ومعه ما يزيد عن سبعين عاملاً محترفاً آخرين ليسوا كباقي موظفي الفوسفات حيث يطلق عليهم لقب "العمال المستأجرين" ، و تقوم شركة الفوسفات باستئجار هؤلاء العمال "المحترفين" للعمل لديها عن طريق مقاول أو شركة توظيف وسيطة و تدفع الفوسفات للمقاول "على الراس" مبلغ معين وبدورها تقوم الشركة الوسيطة أو المقاول بتزويدهم بعدد من العمال المحترفين للعمل لديها بأجر زهيد وبحمايات اجتماعية منقوصة!!
المقاول الوسيط يتعاقد مع هؤلاء العمال شهرياً ويدفع لهم مقابل كل يوم عمل مبلغ ثلاثة عشر ديناراً (13 دينار) أردني حيث يتقاضى معظم هؤلاء العمال ما معدله 350-450 دينار أردني شهرياً مع العمل الاضافي؛ الا ان المقاول يشركهم بالضمان الاجتماعي على راتب مقداره 220 دينار أردني فقط ( الحد الأدنى للأجور ) .



يقول محمد أنه فني محترف يعمل كعامل مستأجر منذ ما يزيد عن خمس سنوات وله زملاء لهم خدمة أكثر منه، مشكلة محمد الرئيسية هو خوفه الدائم من فقدان عمله بسبب أي غلطة أو فرية يمكن أن يسببها أي أحد له فيفقد عمله على الفور ويجد نفسه في الشارع، ويضيف محمد أنه كحال باقي الشباب متزوج وله عائلة وأبناء وقدم الى العقبة من مدينة أخرى بحثاً عن لقمة العيش وتربطه بزملائه من موظفي الفوسفات علاقات زمالة مميزة الا انه يشعر دائماً أنه منقوص الحقوق بسبب لقب "المستأجر" حيث أنه لا تأمين صحي له ولا لعائلته ففي الوقت الذي يمرض زميله في الورشة من موظفي كادر الفوسفات تتكفل الشركة بعلاجه أما محمد فيجب عليه علاج نفسه بنفسه وعلى نفقته الخاصة، مما قد يشكل هاجس خوف لديه من أن يكون المرض الذي ألمّ به سبباً في عدم تجديد عقده مع الشركة الوسيطة فيجد نفسه وأبناءه يجلسون على قارعة الطريق بدون دخل أو مأوى.
العديد من هؤلاء العمال يعملون بوظائف مصنفة كمهن خطرة الا انهم بالطبع غير مشمولين بهذه المهن كونهم مستأجرين.


منذر عامل آخر يعمل في نظام الورديات يقول أن علاقته مع الشركة الوسيطة لا تتعدى تسلم الرواتب آخر كل شهر أما باقي الأمور فعلاقته مباشرة مع الفوسفات، فهو عندما يضطر لأخذ اجازة يقوم بطلب هذه الاجازة من مسؤوله المباشر الذي هو موظف من كوادر شركة الفوسفات، بل ويزيد منذر أنه كعامل متمرس وفني خبير في مجاله يكون على رأس عمله في الوردية ويدير كافة الأعمال الفنية بجدارة ومهنية عالية وبدون تواجد أحد من موظفي كوادر الفوسفات بل يمكن أن يكون هو وزميله المستأجر مناوبين لوحدهم ويسيرون كافة الأمور الفنية المطلوبة.

يقول عبد القادر أنهم نفذوا عدة وقفات احتجاجية واعتصامات بهدف الحصول على الأمان الوظيفي لهم ولعائلاتهم ولكنهم للأسف لم يجدوا آذاناً صاغية لهم ، بل ان زملاء لهم قاموا قبل عدة أشهر بالصعود أعلى المداخن للفت انتباه الرأي العام لقضيتهم ولكن للأسف أيضاً بلا فائدة؛ بل على العكس فقد تم الاستغناء عن "استئجار" معظم من صعدوا الى المداخن للاعتراض السلمي.
يضيف عبد القادر أنه لم يتركوا باباً الا وطرقوه بحثاً عن من ينصفهم، حيث نصحهم البعض بطرق باب النقابة لعلهم يجدون من يدافع عنهم ويتبنى قضيتهم كون كل من يعلو صوته للاعتراض على هذا الوضع البائس يتم الاستغناء عن استئجاره، الا ان عبد القادر وبصوت مهتز يقول ان النقابة لم تقبلهم أعضاءاً لديها كونهم ليسوا موظفين في الفوسفات بل مستأجرين لصالح شركة توظيف!!!

وبطرح جريء ينم عن ثقة بالنفس يجمع عبدالقادر ومحمد و منذر أنهم يقبلون أي صيغة تراها الادارة مناسبة لتعيينهم حسب الكفاءة ، فإذا تطلب الأمر اعتماد تقرير سنوي واختبار كفاءة فهم يرحبون بذلك بل ويتمنون ذلك كونهم فنيين خبراء مهرة ويثقون بقدراتهم وخبراتهم التي اكتسبوها على مدار سنوات طويلة.

يعود منذر ويتساءل مستغرباً، هب أنه ولسبب ما لم يعد هؤلاء السبعين عاملاً متاحين، بالتأكيد ستقوم شركة الفوسفات بتعيين فنيين ليقوموا بأعمالهم وستقوم أيضاً بتدريبهم تدريباً خاصاً حتى يتمكنوا من ممارسة هذه الأعمال بكفاءة، وفي الوقت الذي تدفع شركة الفوسفات للمقاول أو الشركة الوسيطة مبلغاً مقابل استئجارنا فلماذا لا تقوم بتعيينا والتعامل معنا مباشرة وبدون وسيط كباقي موظفي الفوسفات!!
ويضيف منذر ان العلاقة مع المقاول أو الشركة الوسيطة يفقدهم كثيراً من حقوقهم فهم بلا تأمين صحي وبضمان اجتماعي مجزوء ويعانون تأخير الرواتب بشكل دائم حيث يمكن أن تتأخر رواتبهم لأكثر من عشرة أيام وهم لديهم عائلات وأطفال ومصاريف والتزامات وكثير منهم ملتزم بالعودة الى مدينته وعائلته كل أسبوع ليكون بجوار أمه وأبيه المريض ويقوم بواجباته الاجتماعية نحو عائلته.. 
يتحدث هؤلاء العمال وفي قلوبهم غصة وألم ولكنهم أيضاً يتحدثون بانصاف وايجابية فهم يثنون على احتساب الشركة للعمل الاضافي حسب الأصول بل انهم يستبشرون بالمدير التنفيذي الجديد خليل الرواد الذي أجمع هؤلاء العمال على أنه انسان متعاون ويأملون منه النظر في قضيتهم بعين الانسانية ويبدأ عهده في الادارة بموقف انساني يجلب الأمان لسبعين عائلة أردنية، ويؤكد العمال أيضاً ان الادارة بمجملهم متعاونين ومتفهمين لقضيتهم ولكنهم يحتاجون قراراً من رأس الهرم في الشركة ، فهل تقوم ادارة الشركة باحتضان أبنائها المقبلين عليها وضمهم الى كوادرها محققة لهم الأمان الوظيفي ولتحقق لهم شروط العمل اللائق وتمنع عنهم أي شكل من أشكال العمل الجبري.



يذكر أن المجمع الصناعي هو واحد من أكبر مجمعات الأسمدة الفوسفاتية في الشرق الأوسط. يقع على خليج العقبة ويبعد حوالي 18 كم من المدينة بالقرب من الحدود السعودية . تأسس هذا المجمع بهدف تحويل خام الفوسفات المنتج في مواقع الشركة إلى منتجات نهائية، بقصد تعظيم الفوائد وزيادة القيمة المضافة. ومن الجدير بالذكر أن القوة العاملة في المجمع الصناعي تبلغ (1128) موظفاً من خيرة الكفاءات.
ويضم المجمع وحدتين لانتاج السماد ووحدة حامض الفوسفوريك ووحدة حامض الكبريتيك وحدة فلوريد الالمنيوم  AlF3 ب ووحدة المرافق العامة.

ملاحظة: أسماء العمال الواردة في التقرير هي أسماء وهمية بناءاً على طلب العمال حتى لا يتم ملاحقتهم وفقدانهم لعملهم.

اقرأ أيضاً:

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020