لا خلاف ان الثقة هي أساس كل اقتصاد ناجح. الثقة بحكم القانون والمؤسسات والثقة بنجاعة وعدالة كل الانفاق الحكومي. والثقة بقدرة الدولة ونجاحها في منع كل احتكار. والثقة في البيانات الصادرة من مؤسسات الدولة عن كل جوانب الاقتصاد والمجتمع.
اثرت هذه النقاط عند مشاركتي في ورشة العمل السادسة لمناقشة تحفيز وتنشيط الاقتصاد في الديوان الملكي يوم 6 تشرين الثاني. وركزت على نقطة البيانات الصادرة عن المؤسسات الرسمية المختلفة.
فكيف نساوي بين رقم من البنك المركزي عن تحويلات كل العمال الوافدين يحدده باقل من 400 مليون دينار وتصريح من وزارة العمل يقول ان تحويلات العمال تتجاوز ملياري دينار سنويا؟ ايهما الرقم الصحيح؟ ايهما التقدير الصحيح؟ وكيف نقبل بهذا التناقض الذي يزيد عن مليار ونصف سنويا؟
لنبدأ بأرقام البنك المركزي الذي يحدد حوالات العاملين الوافدين في الأردن إلى الخارج بـ352 مليون دينار في 2017 و379 مليون دينار في 2018 و 159 مليون دينار في النصف الأول من 2019. أي ان حوالات العاملين الوافدين في الأردن الى الخارج انخفضت في النصف الأول من 2019 بنسبة 17 % عن النصف الأول من 2018 (159 مليونا في النصف الأول من 2019 مقابل 193 مليونا في النصف الأول من 2018). هذه الأرقام من جدول رقم (31- ب): ميزان المدفوعات ( الطبعة السادسة) الصادر عن البنك المركزي.
بالمقابل وبحسب تصريح صحفي في تموز 2017 فان وزارة العمل قدرت تحويلات العمالة الوافدة العاملة في المملكة بـ 1.8 مليار دولار (أي 1.3 مليار دينار) ثم عادت نفس الوزارة – بتصريح صحفي في تموز 2019 – لتقدر رقم العام 2018 بملياري دينار! ونلاحظ هنا ان تقدير وزارة العمل في 2018 يزيد عن تقديرها في 2017 بأكثر من 600 مليون دينار؟ مع ان الاقتصاد متباطئ وقطاع الإسكان خصوصا يشهد ركودا وانخفاضا حادا في حركة البناء. فمن اين أتت العمالة الوافدة بهذه المبالغ الإضافية؟
في ذات السياق لدينا تصريح من وزارة القوى العاملة في جمهورية مصر العربية إن تحويلات المصريين العاملين بالأردن خلال حزيران (يونيو 2018) بلغت 85 مليون دولار تقريبا. وبما ان شهر حزيران 2018 صادف عيد الفطر فيمكن افتراض ان تحويلات العاملين في ذلك الشهر كانت على الأقل ضعف المعدل الشهري العادي. فيكون المعدل الشهري حوالي 40 مليون دولار بقيمة اجمالية 540 مليون دولار أي 340 مليون دينار في 2018 وهو رقم قريب جدا من رقم البنك المركزي.
التفاوت الكبير بين رقمي وزارة العمل والبنك المركزي يدعو للقلق. فهو دليل على غياب التنسيق وغياب التدقيق. عندما سالت عن منهجية وزارة العمل كان الجواب -غير الرسمي – ان الرقم ناتج افتراض ان كل عامل وافد في البلد يحول الى الخارج ما معدله 200 دينار شهريا. وهو افتراض غير صحيح كون الكثير من العمال يعملون بالزراعة برواتب أقل بكثير من 200 دينار وكون من يعملون في الانشاءات معرضين للبطالة بين صفوفهم ولا يضمنون العمل اليومي. فافتراض ان كل عامل وافد (خصوصا من لم يجدد تصريح عمله) موجود في وظيفة ثابتة بدخل ثابت يدل على عدم فهم كبير لديناميكية العمالة غير الرسمية في البلد الذي يتعرض للبطالة كثيرا وأيضا قد تحتاج مصاريف طبية طارئة. كما تغفل ان بعض العمال يعمل هنا لأنه لا يجد البديل في وطنه فيكون بين خيار بعض الدخل في الغربة أو خيار البطالة في الوطن. بدون توفير وتحويل شهري.
رقم البنك المركزي يعتمد على أرقام القطاع المصرفي الرسمية. وهنا نعلم ان العمال قد يحولون النقود بطرق غير رسمية. هذا افتراض صحيح مما يستوجب السؤال عن نسبة التحويلات غير الرسمية من اجمالي التحويلات. فاذا كان العامل الوافد يقدر -بكل أمان- ان يحول النقود رسميا بالدولار ليستلمها اهله في بلده بالدولار فما الداع الى القنوات غير الرسمية الأقل امنا؟ فالقنوات غير الرسمية تنتعش في حالة وجود سوق سوداء للعملة الصعبة في وطن العامل الوافد مع اجبار على التحويل بسعر رسمي اقل. اما إذا كان العامل يستطيع التحويل والاستلام بالعملة الصعبة فلا داعي حقيقيا للتحويل بالطرق غير الرسمية.
اميل إلى تصديق أرقام البنك المركزي ولا اثق بتقديرات وزارة العمل. لربما يجب ان يلتقي الطرفان مع وجود دائرة الإحصاءات العامة للاتفاق على منهجية واضحة دقيقة. اما ان يبقى فرق التقديرات أكثر من مليار ونصف دينار فهذا غير مقبول ابدا.
وبعيدا عن تقديرات وزارة العمل لنتذكر ان الاهم من حجم تحويلات العمال الوافدين في الأردن إلى الخارج هو مساهمتهم في خلق القيمة المضافة الاقتصادية في القطاعات التي يعملون بها. كي لا ننسى أن هذه التحويلات نتاج عملهم وجهدهم وليست “مسروقة” من جيوبنا. مع التسليم بضرورة ان يكون كل عامل وافد ملتزما بكافة قوانين البلد ومن أهمها تصاريح العمل.
على صعيد آخر وفي الإحصاءات أيضا: هل لدينا ارقام واضحة عن الأردنيين الذين نقلوا مكان اقامتهم إلى مصر وتركيا وأوروبا وكندا وأميركا؟ كم منهم متقاعد يصرف تقاعده في بلد المهجر بدلا من الأردن؟ هل الأرقام عن مئات الآلاف الذين انتقلوا حديثا كما نسمع من اشاعات وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي أم عدد قليل نسبيا؟ الإفصاح الدوري الدقيق الواثق مهم جدا للثقة وأكثر أهمية لسياسات تعيد الثقة. فلا خلاف ان من أهم واجبات مؤسسات وأجهزة الدولة هو الإفصاح الدوري عن كل الأرقام التي تخص الاقتصاد والمجتمع بكل شفافية وموضوعية ودقة. وفي ذات السياق متى ستفصح الحكومة عن منهجية احتساب المبلغ الشهري لخط الفقر.
أساس الحلول الجذرية الصحيحة فهم صحيح للمشاكل. وهذا لا يأتي بالتقديرات المتناقضة.
اثرت هذه النقاط عند مشاركتي في ورشة العمل السادسة لمناقشة تحفيز وتنشيط الاقتصاد في الديوان الملكي يوم 6 تشرين الثاني. وركزت على نقطة البيانات الصادرة عن المؤسسات الرسمية المختلفة.
فكيف نساوي بين رقم من البنك المركزي عن تحويلات كل العمال الوافدين يحدده باقل من 400 مليون دينار وتصريح من وزارة العمل يقول ان تحويلات العمال تتجاوز ملياري دينار سنويا؟ ايهما الرقم الصحيح؟ ايهما التقدير الصحيح؟ وكيف نقبل بهذا التناقض الذي يزيد عن مليار ونصف سنويا؟
لنبدأ بأرقام البنك المركزي الذي يحدد حوالات العاملين الوافدين في الأردن إلى الخارج بـ352 مليون دينار في 2017 و379 مليون دينار في 2018 و 159 مليون دينار في النصف الأول من 2019. أي ان حوالات العاملين الوافدين في الأردن الى الخارج انخفضت في النصف الأول من 2019 بنسبة 17 % عن النصف الأول من 2018 (159 مليونا في النصف الأول من 2019 مقابل 193 مليونا في النصف الأول من 2018). هذه الأرقام من جدول رقم (31- ب): ميزان المدفوعات ( الطبعة السادسة) الصادر عن البنك المركزي.
بالمقابل وبحسب تصريح صحفي في تموز 2017 فان وزارة العمل قدرت تحويلات العمالة الوافدة العاملة في المملكة بـ 1.8 مليار دولار (أي 1.3 مليار دينار) ثم عادت نفس الوزارة – بتصريح صحفي في تموز 2019 – لتقدر رقم العام 2018 بملياري دينار! ونلاحظ هنا ان تقدير وزارة العمل في 2018 يزيد عن تقديرها في 2017 بأكثر من 600 مليون دينار؟ مع ان الاقتصاد متباطئ وقطاع الإسكان خصوصا يشهد ركودا وانخفاضا حادا في حركة البناء. فمن اين أتت العمالة الوافدة بهذه المبالغ الإضافية؟
في ذات السياق لدينا تصريح من وزارة القوى العاملة في جمهورية مصر العربية إن تحويلات المصريين العاملين بالأردن خلال حزيران (يونيو 2018) بلغت 85 مليون دولار تقريبا. وبما ان شهر حزيران 2018 صادف عيد الفطر فيمكن افتراض ان تحويلات العاملين في ذلك الشهر كانت على الأقل ضعف المعدل الشهري العادي. فيكون المعدل الشهري حوالي 40 مليون دولار بقيمة اجمالية 540 مليون دولار أي 340 مليون دينار في 2018 وهو رقم قريب جدا من رقم البنك المركزي.
التفاوت الكبير بين رقمي وزارة العمل والبنك المركزي يدعو للقلق. فهو دليل على غياب التنسيق وغياب التدقيق. عندما سالت عن منهجية وزارة العمل كان الجواب -غير الرسمي – ان الرقم ناتج افتراض ان كل عامل وافد في البلد يحول الى الخارج ما معدله 200 دينار شهريا. وهو افتراض غير صحيح كون الكثير من العمال يعملون بالزراعة برواتب أقل بكثير من 200 دينار وكون من يعملون في الانشاءات معرضين للبطالة بين صفوفهم ولا يضمنون العمل اليومي. فافتراض ان كل عامل وافد (خصوصا من لم يجدد تصريح عمله) موجود في وظيفة ثابتة بدخل ثابت يدل على عدم فهم كبير لديناميكية العمالة غير الرسمية في البلد الذي يتعرض للبطالة كثيرا وأيضا قد تحتاج مصاريف طبية طارئة. كما تغفل ان بعض العمال يعمل هنا لأنه لا يجد البديل في وطنه فيكون بين خيار بعض الدخل في الغربة أو خيار البطالة في الوطن. بدون توفير وتحويل شهري.
رقم البنك المركزي يعتمد على أرقام القطاع المصرفي الرسمية. وهنا نعلم ان العمال قد يحولون النقود بطرق غير رسمية. هذا افتراض صحيح مما يستوجب السؤال عن نسبة التحويلات غير الرسمية من اجمالي التحويلات. فاذا كان العامل الوافد يقدر -بكل أمان- ان يحول النقود رسميا بالدولار ليستلمها اهله في بلده بالدولار فما الداع الى القنوات غير الرسمية الأقل امنا؟ فالقنوات غير الرسمية تنتعش في حالة وجود سوق سوداء للعملة الصعبة في وطن العامل الوافد مع اجبار على التحويل بسعر رسمي اقل. اما إذا كان العامل يستطيع التحويل والاستلام بالعملة الصعبة فلا داعي حقيقيا للتحويل بالطرق غير الرسمية.
اميل إلى تصديق أرقام البنك المركزي ولا اثق بتقديرات وزارة العمل. لربما يجب ان يلتقي الطرفان مع وجود دائرة الإحصاءات العامة للاتفاق على منهجية واضحة دقيقة. اما ان يبقى فرق التقديرات أكثر من مليار ونصف دينار فهذا غير مقبول ابدا.
وبعيدا عن تقديرات وزارة العمل لنتذكر ان الاهم من حجم تحويلات العمال الوافدين في الأردن إلى الخارج هو مساهمتهم في خلق القيمة المضافة الاقتصادية في القطاعات التي يعملون بها. كي لا ننسى أن هذه التحويلات نتاج عملهم وجهدهم وليست “مسروقة” من جيوبنا. مع التسليم بضرورة ان يكون كل عامل وافد ملتزما بكافة قوانين البلد ومن أهمها تصاريح العمل.
على صعيد آخر وفي الإحصاءات أيضا: هل لدينا ارقام واضحة عن الأردنيين الذين نقلوا مكان اقامتهم إلى مصر وتركيا وأوروبا وكندا وأميركا؟ كم منهم متقاعد يصرف تقاعده في بلد المهجر بدلا من الأردن؟ هل الأرقام عن مئات الآلاف الذين انتقلوا حديثا كما نسمع من اشاعات وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي أم عدد قليل نسبيا؟ الإفصاح الدوري الدقيق الواثق مهم جدا للثقة وأكثر أهمية لسياسات تعيد الثقة. فلا خلاف ان من أهم واجبات مؤسسات وأجهزة الدولة هو الإفصاح الدوري عن كل الأرقام التي تخص الاقتصاد والمجتمع بكل شفافية وموضوعية ودقة. وفي ذات السياق متى ستفصح الحكومة عن منهجية احتساب المبلغ الشهري لخط الفقر.
أساس الحلول الجذرية الصحيحة فهم صحيح للمشاكل. وهذا لا يأتي بالتقديرات المتناقضة.
إرسال تعليق