تعديلات قانون العمل.. بين شد الحكومة وجذب النقابيين والحقوقيين


الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش

لم تفتأ حرب تعديلات قانون العمل أن تضع أوزارها وعودة معظم النقابيين والمهتمين بالقضايا العمالية بخيبة أمل جراء الانتكاسة والتراجع في مستوى الحقوق العمالية والنقابية للعامل الأردني؛ حتى أعلنت الحكومة وبعد أسابيع قليلة من نشر القانون في الجريدة الرسمية توجهها الى اعادة قانون العمل لمجلس الأمة للتعديل مرة أخرى، الأمر الذي استبشر به الجميع واستغربوه بذات الوقت وذهب البعض بعيداً في تفاؤله أن الحكومة بارجاعها للقانون للتعديل هو بمثابة توبتها عن جرم الانتهاكات الحقوقية والعمالية ومخالفة الاتفاقيات الدولية للحقوق العمالية والنقابية.
وما هي الا أسابيع قليلة حتى ذاب ثلج التوقعات والتخمينات والتحليلات وانكشفت سوأة التعديلات المقترحة ليتضح أن الحكومة ومقترحي التعديلات في واد والنقابيين والمهتمين بالعمال والنقابات وحقوق الانسان في وادٍ آخر تماماً.
النائب خالد رمضان مقرر لجنة العمل والتنمية الاجتماعية والسكان في مجلس النواب اعرب عن استغرابه من هذه التعديلات فيقول أنه في الوقت الذي كنا ننتظر فيه تعديلات على قانون العمل تأخذ بعين الاعتبار الممارسات الفضلى في العالم والمعايير الدولية للعمل بالاضافة الى الشرعة الدولية لحقوق الانسان، نفاجأ بتعديلات جلها خارج نطاق المواد الخلافية التي طالبت مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات النقابية والخبراء بإعادة النظر فيها.
النائب خالد رمضان مقرر لجنة العمل والتنمية الاجتماعية والسكان في مجلس النواب

يضيف النائب رمضان أن المجال لا يزال قائماً لاجراء تعديلات جوهرية على نصوص قانون العمل منتقداً ذهاب العديد من التعديلات باتجاه منح الوزير مزيداً من الصلاحيات في العديد من القضايا العمالية وخاصة تسفير العمال غير الأردنيين، معتبراً أن الأصل أن تكون هذه الصلاحية بيد السلطة القضائية وليس التنفيذية ممثلة بالوزير.
وفيما يخص مواد التعديل اعتبر رمضان أن الأولوية يجب أن تكون باتجاه تعديل تعريف النزاع العمالي باضافة عبارة "مجموعة من العمال" لتوسيع أدوات فض النزاعات العمالية وتقليص مدة عقد العمل الجماعي من ثلاث سنوات الى سنتين ومنح مجموعة من العمال حق المفاوضة الجماعية وعدم حصرها في النقابات.
وفيما يخص تأسيس النقابات طالب رمضان بمنح غير الأردني حق تأسيس النقابات معتبراً أن حصر حق تأسيس النقابات بالأردني فقط يعتبر نوعاً من التمييز ضد العمال المهاجرين وفق المعايير الدولية، كما طالب رمضان بضرورة أن تضع كل نقابة منفردة نظامها الداخلي ولا يناط هذا الأمر بالاتحاد العام للنقابات العمالية وفيما يخص وضع وتعديل الأنظمة الداخلية للنقابات انتقد رمضان وجوب تصديق هذه الأنظمة من قبل مسجل النقابات الأمر الذي يتعارض مع معايير العمل الدولية ومبادئ حرية التنظيم النقابي ويمس استقلالية النقابات وحريتها بوضع أنظمتها الداخلية.

السيد حمادة أبو نجمة مدير بيت العمال للدراسات والأبحاث بدوره اعتبر ان أي حديث عن تعديلات قانون العمل يجب أن يكون يسبقه حوارمباشر بين أطراف الإنتاج وفي اللجنة الثلاثية لشؤون العمل كما أوجب قانون العمل، وهو أمر لم يتم في هذه التعديلات، مما شكل خللا واضحاً في الصياغات المقترحة، لا يضمن تحقيق التوازن في المصالح بين الأطراف المعنية، مؤكداً على وجوب أن تتضمن مسودة التعديلات معالجة الإختلالات الرئيسية التي لا تحتمل الإنتظار في قانون العمل، وبشكل خاص ضرورة النص صراحة على شمول كافة فئات العمال بأحكام القانون بغض النظر عن صدور أو عدم صدور أنظمة خاصة ببعضهم، مثل عمال المنازل وعمال الزراعة.
حمادة أبو نجمة مدير بيت العمال للدراسات والأبحاث

أبو نجمة سلط الضوء على العمال غير الأردنيين المقيمين في المملكة والذين اقتضت ظروفهم أن يقيموا في المملكة إقامة دائمة، ولم يحضروا إليها بهدف العمل، الأمر الذي يوجب شمولهم بحق العمل دون أي قيود ومساواتهم بالأردنيين في ذلك، وهم أبناء الأردنيات وحملة جوازات السفر المؤقتة وأبناء قطاع غزة.
وشدد أبو نجمة على ضرورة معالجة الاختلالات في صياغة نصوص التعريفات التي أضيفت الى قانون العمل كالعمل المرن والعمل الجزئي والتمييز في الأجور، ناهيك عن مراجعة الأحكام الخاصة بالنقابات العمالية  لتتوافق مع المعايير الدولية.
وفيما يخص تشغيل الأردنيين، يوضح أبو نجمة ان التعديلات “تنطوي على توجهات تتعامل مع عنصر العمل وتشغيل القوى العاملة بمنظور اقتصادي بحت دون الالتفات إلى الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية ومتطلبات الأمن المجتمعي، ولفت ابو نجمة الى التعديل القاضي بتخصيص حصة من رسوم تصاريح العمل تنفقها وزارة العمل على الاستعانة بالخبراء وأصحاب الكفاءة، “وهو ما يمكن أن يكون مدعاة للمحسوبية وهدر المال العام”، وانتقد ابو نجمة عدم  ورود معالجة قانونية لما سمي بتصريح عامل المياومة (تصريح العمل الحر)، “وهو وضع لا يسنده نص قانوني صريح في قانون العمل”، وبحسب ابو نجمة فإن التعديلات تضمنت إلغاء النص الصريح الذي يفيد بأن “رسوم تصريح العمل تستوفى من صاحب العمل، الأمر الذي يفتح الباب أمام استغلال العمال وتحميلهم رسوم تصاريح العمل، وتكريس المخالفات.
كما لفت أبونجمة الانتباه الى التعديل القاضي بإعفاء صاحب العمل من العقوبة الخاصة بمخالفات استخدام العمالة الوافدة إذا كان قدم للوزارة تبليغا عن العامل (بالفرار)، حيث يشكل هذا “منفذا قانونيا جديدا للالتفاف على القانون ويزيد من حجم مشكلة استخدام العمالة بصورة مخالفة، ويؤدي إلى فوضى في سوق العمل واستغلال العمالة الوافدة، خاصة وأن تبليغ (الفرار) يتم في كثير من الأحيان بصورة تخالف الواقع إما لغايات (السمسرة) أو بهدف استغلال العمالة بصور مختلفة، وفيه ظلم وتعسف بحق العامل دون دليل ثابت، مع الإشارة إلى أن استخدام عبارة (الفرار) في القانون لا يليق بسمعة الأردن في مجال حقوق الإنسان ويخالف أبسط مبادئه ويوحي بتعامل غير إنساني مع العمالة الوافدة”.
لندا الكلش المديرة التنفيذية لمركز تمكين للدعم والمساندة قدمت بدورها اقتراحات محددة لوزير العمل تتعلق أبرزها بتعديل تعريف التمييز في الأجور والنزاع العمالي بالاضافة لتعديل المادة 3 الخاصة بعمال الزراعة والعاملين في المنازل.
لندا الكلش المديرة التنفيذية لمركز تمكين للدعم والمساندة

وفيما يخص استيفاء الوزارة لرسوم تصاريح العمل اعتبرت الكلش أن نص المادة غامضاً وفضفاضاً ولا يحدد مسؤولية الشخص المسؤول عن دفع رسوم تصاريح العمل، وحول معاقبة  صاحب العمل الأصلي بالمخالفات ذاتها اذا لم يكن مبلغا بفرار العامل لدى مديريات العمل نوهت الكلش على عدم جواز ايراد عقوبة على فعل منصوص عليه بتعليمات مما يعد مخالفة قانونية.
وانتقد الكلش منح الوزير صلاحية التسفير دون ان يكون للعامل حق الدفاع عن نفسه مما يخالف القواعد القانونية والدولية لذلك نقترح أن تعطى الصلاحية للمحكمة بعد سماع أقوال العامل وإتاحة الفرصة له بالدفاع عن نفسه، وفيما يخص تصاريح العمل اقترحت الكلش أن يتم استثناء أبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين وكذلك الفلسطينيون ممن يحملون جوازات سفر أردنية مؤقتة.
أما عن الحد الأدنى للأجور فقد اضافت الكلش ضرورة تحديده بصورة عامة أو لمهنة معينة أو فئة عمرية معينة آخذين بعين الاعتبار تكاليف المعيشة التي تصدرها الجهات الرسمية المختصة.

يذكر أن قانون العمل الأردني قد تم تعديله مؤخراً هذا العام 2019 ونشر بالجريدة الرسمية لتعود الحكومة وتقترح بعض التعديلات عليه، حيث من المرتقب أن يتم تحويلها الى مجلس النواب في غضون أيام قليلة لتدور حولها -يفترض- نقاشات موسعة مع النقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني والخبراء والمختصين والمهتمين بالشأن النقابي والعمالي.





إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020