متقاعدو “الضمان” يستحقون العدالة أيضا .. ماجد توبة



لا يبدو مفهوما ولا مقبولا استثناء متقاعدي الضمان الاجتماعي، خاصة من فئة أصحاب الرواتب التقاعدية المتدنية، من الزيادات على الرواتب والعلاوات التي تضمنتها الخطة التحفيزية الأخيرة للحكومة، تحت حجج ومبررات مالية عديدة لا تلحظ حجم المعاناة المعيشية والاجتماعية التي تعيشها عشرات آلاف الأسر التي تعتمد بدخلها على تقاعد الضمان، وتعرضت دخولها لتآكل متسارع في ظل توالي ارتفاع الضرائب وكلف المعيشة حتى بات يصنف الكثير منها تحت خط الفقر.
قرار رفع الرواتب للموظفين بالقطاع العام والمتقاعدين العسكريين والمدنيين انسحب على رفع رواتب موظفي وعمال أمانة عمان وينسحب أيضا كما هو معلن على موظفي البلديات، وهي كلها تدور في فلك القطاع العام، بالرغم من الوضع المالي الصعب للموازنة العامة للدولة الذي لم يحل دون اللجوء لإقرار هذه الزيادة المتواضعة نسبيا لكن المهمة والمطلوبة بقوة والتي يتوقع لها إيجابيات اقتصادية عديدة على المستفيدين أنفسهم وعلى العجلة الاقتصادية العامة.
إلا أن هذه الخطوة المهمة والمبشرة بتحسن نسبي للأوضاع المعيشية لشريحة واسعة من المواطنين وللاقتصاد بشكل عام ستبقى خطوة عرجاء وغير كاملة إذا ما أصرت الحكومة والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي على عدم سحب الزيادة في القطاع العام على رواتب تقاعد الضمان، بل وفيها إجحاف وغياب للعدالة الاجتماعية بحق عشرات الآف الأسر التي ادخرت طويلا في الضمان لتحظى بالحد الأدنى من الحياة الكريمة بفترة تقاعد معيلها.
التبرير الذي تقدمه مؤسسة الضمان لرفضها رفع رواتب التقاعد هو أن الدراسات الاكتوارية للوضع المالي للمؤسسة لا تتضمن ما يسمح بإقرار زيادات على الرواتب التقاعدية في ظل توقع تزايد الاختلال بميزان الايرادات والنفقات بالعقود القليلة المقبلة. طبعا هذا التبرير لا يلحظ أن أوضاع 20 % من متقاعدي الضمان تعد مزرية ولا توفر الحد الأدنى من كرامة العيش حيث تقل رواتبهم عن 300 دينار، و6 % منهم تقل رواتبهم التقاعدية عن 200 دينار، أي أقل من الحد الأدنى للأجور (220 دينارا).
ويصل العدد التراكمي لمتقاعدي الضمان حاليا إلى نحو 239 الف متقاعد، تشكل نسبة متقاعدي المبكر منهم نحو 49 %، فيما يبلغ عدد المؤمن عليهم (المشتركين) مليونا و316 الف مشترك، وبقيمة موجودات تصل حاليا إلى نحو 11 مليار دينار.
كما لا يلحظ تبرير المؤسسة لعدم عزمها تحسين الرواتب التقاعدية للمؤمنين أن المطلوب من الحكومة وإدارة المؤسسة الاستثمار الحصيف والكفؤ لموجودات الضمان وتعظيم عائداتها الاستثمارية وعدم الاعتماد فقط على نمو اشتراكات المؤمنين.
كما أن الحكومة هي المطالبة هنا بتقدير خطورة التقتير في منافع المؤمنين والمتقاعدين وعدم التحسين النسبي لرواتب المتقاعدين، خاصة من الشرائح الهشة والضعيفة، وهو تقتير له أبعاد سياسية واجتماعية وأمنية قاسية، ما يستدعي من الحكومة التدخل واستخدام صلاحياتها بشمول متقاعدي الضمان بزيادة الرواتب.
ولا يمكن بحال تفهم بقاء مستوى رواتب تقاعدية في الضمان الإجتماعي تقل عن الحد الأدنى للأجور، بل وحتى هذا الأخير (الحد الأدنى للأجور) مطلوب اليوم وبقوة ضرورة تعديله ورفعه عن مستوى الـ 220 دينارا، التي لا تكاد تسد حاجة أسرة متواضعة لتأمين أجرة سكنها فقط!
تستطيع الحكومة، كصاحبة ولاية عامة على أموال الضمان، أن تخرج بمعادلة محسوبة ومسؤولة تحسن بموجبها من رواتب متقاعدي الضمان وتشملهم بالزيادة الأخيرة أسوة بموظفي ومتقاعدي القطاع العام، وفي الوقت ذاته تراعي فيها الوضع المالي للمؤسسة على المدى البعيد، وفق سلسلة من الخيارات تركز على الاستثمار الآمن وطويل الأمد لأموال الضمان.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020