الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
الصورة النمطية التي يجب أن تنطبع في الذهن مجرد ذكر اسم النقابات العمالية يفترض بها أن تكون صورة مشرقة ناصعة، مليئة بالمشاعر الانسانية العالية، تفوح منها رائحة الكرامة، صورة تنطق بهتافات الحرية والنضال والثورة على الظلم والاستبداد، صورة تتكلم بأصوات الضعفاء والنساء والأطفال الذين ثاروا على همجية واستبداد رأس المال وتحدوا قوة وسطوة الآلة، صورة تظهر فيها أزهار الأمل الزاهية تنبت من بين ثنايا المصانع الباردة القاسية تُسقى بعرق النقابيين، تُدَفأ بعاطفة النساء العاملات، تُحرس بين أكف الأطفال العاملين.
مصطلح النقابات العمالية يجب أن يبعث في النفس همة تتوقد وتشعل في الصدر جذوة الثورة على كل ظلم واضطهاد، تفك قيود الضعف عن أيدي العمال وتحرر الأفواه من تكميمها التي أخرسها طويلاً، كيف لا وهي التي جاءت بعد الثورة الصناعية وأسست دستوراً جديداً في التعامل مع العامل كانسان يتمتع بحقوق لا يجوز الاقتراب منها.
ان المراقب لأداء النقابات العمالية في الأردن ليصاب بحالة من الاحباط، فقد اختارت العديد من النقابات النزول عن هرم الحرية والدفاع عن الحقوق لتسكن بهدوء تحت ظلال المنفعة التي تتيح للقائمين عليها العمل والتحرك بعيداً عن أشعة الشمس الكاشفة ومجهر الضمير الحي، فبدل أن تعج هذه النقابات بقيادات بارزة مناضلة تتخذ من القيم العليا ونظافة اليد وصدق الكلمة والزهد في المال العام سبيلاً لارتقاء نقاباتهم والدفاع عن عمالهم؛ أصحبت تعج -ولا أعمم- بأشباه النقابيين وثلة من الانتهازيين المصلحيين الذين يحيطون أنفسهم بجوقة من المطبلين المنتفعين المعتاشين على فتات من الدنيا قليل.
تحولت كثير من النقابات العمالية من صروح منيعة يحتمي بها العمال ليجد السند والدعم الى كهوف مخيفة ودهاليز ملتوية يضيع في متاهاتها العامل فلا يعلم لماذا دخلها ولا كيف خرج منها، استطاعت فئة من المعتاشين على قوت العمال تغيير الصورة النمطية المشرقة زاهية الألوان عن النقابات العمالية الى صورة باهتة ملطخة باللون الأسود مليئة بالهياكل العظمية والغربان وخفافيش الظلام.
لست سوداوياً ولا سلبياً بقدر ما حاولت أن أقترب من واقع الصورة المؤلم التي مهما اشتد سوادها لا بد أن يخرج من أحد زواياها نواة ونقطة نور صغيرة تعيد لهذه الصورة اشراقها وألوانها المخطوفة وتنهي سوادها القاتل وتفك القيود عن ارادة العمال ليستعيدوا ثمرة ثورتهم ويعيدوا مناعة حصونهم .. يسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريباً.
اقرأ أيضاً:
إرسال تعليق