التقاعد المدني لموظفي أمانة عمان والبلديات: العجز الهائل القادم! .. جواد عباسي


هنالك نظام لتقاعد موظفي البلديات برقم 79 صدر في العام 2009 ولاحقا استبدل بنظام رقم 141 لسنة 2016 الذي يجري حاليا العمل على تعديله. بموجب هذا النظام تقتطع البلديات
8.75 % من راتب موظفيها شهريا، وتعد هذه الاقتطاعات إيرادا لصندوق البلدية (أي أنه لا يوجد صندوق تقاعد مستقل). وبموجب النظام يسري على موظفي البلديات نفس شروط قانون التقاعد المدني رقم 34 للعام 1959. ويكون الاقتطاع الشهري من الراتب الأساسي الشهري مضافا اليه ربع الراتب ولا يشمل العلاوات والمخصصات. طبعا بموجب هذا النظام لا يجوز الجمع بين راتب تقاعد بلدية وأي راتب تقاعد حكومي آخر باستثناء -وبدون أي مفاجأة هنا- أعضاء مجلسي النواب والأعيان!
لا أخفي سرا أني تفاجأت بوجود هذا النظام. فكيف تصدر أي حكومة في الأردن نظاما تؤطر فيه التقاعد المدني للبلديات مع أن كل موظفي البلديات خاضعون حكما للضمان الاجتماعي ومشتركون به؟ ألم تتعلم الحكومات الدرس من إفلاس التقاعد المدني الكامل والشامل والمزمن؟ فالتقاعدان المدني والعسكري يتجاوز عجزهما السنوي المليار دينار منذ حوالي العشر سنوات تمول كلها بالديون الإضافية. وتم تحويل معظم موظفي الحكومة وأفراد الجيش الى الضمان الاجتماعي. فكيف يتوقع أي شخص أن اقتطاع 8.75 % من رواتب موظفي البلديات ليوضع في صناديق البلديات المديونة سيكون كافيا لتمويل تقاعداتهم؟ ناهيك عن أن الحكومة تقترح الآن تخفيض الاقتطاع الى 7 % بحسب نظام مقترح باسم (نظام معدل لنظام تقاعد موظفي البلديات ومكافآتهم لسنة 2019).
لهذا نظرت الى ميزانية أمانة عمان المنشورة على موقعها لتحليل الواقع الحالي. دفعت أمانة عمان أكثر من 9 ملايين دينار رواتب تقاعدية في 2019. فيما بلغت اقتطاعات الأمانة من رواتب موظفيها الأساسية لغاية التقاعد أقل من مليونين ونصف مليون تقديرا؛ أي أن عجز تقاعد موظفي أمانة عمان المدني السنوي -بعد أقل من عشرة أعوام على بدئه- تجاوز السبعة ملايين دينار في 2019. للأعوام الأربعة منذ 2016 وصلت مدفوعات التقاعد المدني لموظفي الأمانة المتقاعدين الى 32 مليون دينار، فيما لم تتجاوز الاقتطاعات التقاعدية للموظفين العاملين تسعة ملايين دينار بعجز إجمالي تجاوز 23 مليون دينار مولته رسوم وضرائب ومسقفات أهالي عمان.
للتأكيد: تقاعد أمانة عمان المدني مفلس بعد أقل من تسعة أعوام من تطبيقه ويمول أساسا من الضرائب لا من الاقتطاعات التقاعدية. تقديرا لو استمرت الزيادة السنوية في كلف التقاعد المدني بنفس وتيرة آخر أربعة أعوام، فإن عجز التقاعد المدني لموظفي أمانة عمان التراكمي سيتجاوز 160 مليون دينار في الأعوام العشرة المقبلة.
لا أعلم إن كانت باقي بلديات الأردن قد فعّلت هذا النظام لموظفيها. وهنا لربما يجب على الحكومة ومجلس الأمة التدقيق في الموضوع. فعلى فرض أن كلفة تقاعدات أمانة عمان تشكل ربع كلفة التقاعد المدني لباقي بلديات المملكة، فنستنتج أن كلفة التقاعدات المدنية للبلديات كافة قد تصل الى حوالي 40 مليون دينار مع عجز سنوي يتجاوز 28 مليون دينار؛ أي أكثر من 300 مليون دينار خلال عشرة أعوام مقبلة كلها تدفع من ضرائب ورسوم المواطنين أو ديون جديدة لا من الاقتطاعات من رواتب الموظفين.
والسؤال الأساس يبقى: في ظل شمول موظفي البلديات بأحكام وحماية الضمان الاجتماعي، ما الداعي أو الحاجة لنظام تقاعد مدني مفلس منذ البداية؟ نظام تقاعد يمشي على ذات نهج إفلاس التقاعد المدني الحكومي. خصوصا أنه يقلل من رواتب الموظفين باقتطاع كبير نسبيا يضاف الى اقتطاع الضمان الاجتماعي من رواتبهم.
يجب التمحيص بشكل واف في هذا الملف، وهنا أعيد الدعوة لمجلس النواب لفتح هذا الموضوع ودراسته من جوانبه كافة؛ لأننا على طريق قد تصل فيه العجوزات المالية في البلديات بسبب نظام التقاعد هذا الى مستويات خطرة تتسبب في إفلاس البلديات نفسها.
الحل بسيط ويكمن في استبدال هذا النظام غير المنطقي بنظام صناديق توفير للموظفين تسهم فيه البلديات بالمبلغ نفسه المقتطع من راتب الموظف، بنسبة 5 % مثلا مع إعطاء الموظف حرية الاختيار، ويكون الاقتطاع من الموظف معفيا من ضريبة الدخل لتشجيع الموظفين على التوفير والاستفادة من مساهمة البلدية بنفس مبلغ توفيرهم. في هكذا نظام يستطيع الموظف توفير 10 % من راتبه الأساسي نصفها من اليلدية بدون تأثير كارثي مستقبلي على ديمومة البلديات وقدرتها المالية. هذا أفضل حتما من اقتطاع شهري أكبر مقابل تقاعد لن يأتي مستقبلا بسبب الإفلاس.

(الغد)

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020