تداعيات قرارات التقاعد وشراء الخدمات .. زيد نوايسة


الحكومة الحالية سائرة في هيكلة القطاع العام وليس سرا القول إن كل مراجعات المؤسسات الدولية التي تجري سنويا حذرت من تضخم الإدارة العامة الأردنية، وهي تريد أن يرتبط المشروع بها باعتباره إنجازا مهما لم تجرؤ حكومة سابقة على الاقتراب منه، وهي مستعدة لتحمل التبعات، هكذا إجراء لا يحتاج أكثر من قرار بإحالة كل من بلغ عمرا معينا للتقاعد يتناقص تدريجيا بشكل سنوي طالما أن الموظف حقق شروط الحصول على الراتب التقاعدي حسب قانون الضمان الاجتماعي الذي لا يعطي المؤسسة الحق في رفض التقاعد المبكر حتى لو حذرت منه سابقا، ونظام الخدمة المدنية الذي يعطي الحكومة الحق بإنهاء خدمات الموظفين.
بالرغم من الشعور بالإجحاف من المحالين على التقاعد والمحاولات النيابية لثني الحكومة عن قرارها أو الحد من التوسع فيه ليشمل من كانت خدمتهم بواقع 25-30 عاما لاحقا، إلا أن القرار يمضي، وهناك محاولات ترويج تمررها الحكومة بأنها ستقوم بتعبئة الشواغر من مخزون ديوان الخدمة المدنية وهو ما لم يحدث حتى الآن ولا أعتقد أنه سيحصل، فالتوجه هو نحو التحول الإلكتروني والتقليل من الاعتماد على العنصر البشري وإطلاق تطبيق «سند» والحديث عن مزيد من الإجراءات مستقبلا يعني عمليا التخلص من الكادر البشري.
كنت قد نبهتُ في مقال منشور في «الغد» بتاريخ 3/شباط/2020، من مخاطر هذا الأمر، فالحكومة تعالج أزمة تضخم القطاع العام، ولكنها تفتح ثغرات أكبر وتثير أسئلة حول مستقبل الضمان الاجتماعي وديمومته إذا ما استمرت في إلقاء العبء على مؤسسة الضمان الاجتماعي، وتطلب الأمر حينئذ أن نلتقي مع عطوفة مدير عام المؤسسة وفريق الإدارة بدعوة منه، واستمعت مع مجموعة من الزملاء لرسائل تطمين دبلوماسية بأن المؤسسة قادرة على الوفاء بالرواتب التقاعدية ووضعها المالي حسب الدراسات الاكتوارية مهيأة للتعامل مع قرارات الإحالة طالما توافقت مع شروط التقاعد المبكر، وإن كانت تفضل أن تطول مدة الاشتراكات وصولا لتقاعد الشيخوخة.
نظريا؛ وفي ضوء التجارب العالمية لا مشكلة في هيكلة الجهاز الإداري المترهل وترشيقه، ولكن بعد دراسة مستفيضه تقرأ جيدا مخاطر ذلك من ناحية تفريغ الوزارات والمؤسسات من الكفاءات ومن الكوادر الخبيرة والمدربة خاصة في المجال الطبي كالأطباء الاستشاريين والأخصائيين وفنيي التخدير والأشعة وفنيي المختبرات الجامعية والمهندسين والفنيين في وزارة الاشغال العامة ومؤسسة الغذاء والدواء والمواصفات والمقاييس وغيرها من المؤسسات التي تقتضي طبيعة العمل فيها وجود كفاءات مدربة ومؤهلة فجميع هؤلاء اكتسبوا خبرة متراكمة من الصعب أن يقوم بها بسهولة الموظف البديل المعين حديثا.
اللافت للانتباه أن الحكومة بدأت تتوسع في نظام شراء الخدمات للعديد من المتقاعدين وإعادة تعيينهم؛ هذا القرار قد يحمل الكثير من الوجاهة والضرورة لاستمرارية العمل، وهو مبرر ولكن طالما أن الوزراء المعنيين كانوا يعلمون بأهمية بقاء هؤلاء الموظفين على رأس عملهم خدمة للمصلحة العامة فلماذا تم في الأصل شمولهم في قرار الإحالة على التقاعد ومن ثم شراء خدماتهم لاحقا حتى بدت الصورة وكأن الانتقائية هي القاعدة، مما ساهم في خلق انطباع ينسف شعار العدالة الذي رفعته الحكومة في سياق تبريراتها المعلنة.
كان من المناسب أن تقوم كل وزارة بدراسة مستفيضة تبين ما يمكن الاستغناء عنه ممن بلغت خدمتهم سنوات طويلة ومدى إمكانية توفر البديل الكفؤ المؤهل خاصة في الوظائف الحرجة، وبشكل يستند الى معايير شفافة ومهنية بعيداً عن مرض الانتقائية المزمنة في الإدارة العامة وحتى لا تدخل الحكومة في معالجة قرارات كانت تعتقد أنها البلسم الشافي.

الغد

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020