مجزرة التقاعد القسري .. تضحية بالحوار الاجتماعي ومقامرة بالسلم المجتمعي

الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش

لا زلنا نراوح مكاننا المتخلف عن ركب الحوار الاجتماعي والمؤسسية في اتخاذ القرارات المصيرية ، عقلية "ما أريكم الا ما أرى" هي السائدة وما الدعوات والاحتفالات واطلاق المبادرات وورشات العمل باسم الحوار الاجتماعي ما هي الا زينة ومفرقعات نزين بها القاعات التي نستضيف بها الممولين الخارجيين ثم ننزعها ونمزقها وندوسها بمجرد انتهاء الاحتفالية الدراماتيكية وحتى قبل أن يغادر الضيوف باحات الفنادق.
قبل عدة أشهر خاضت مؤسسة الضمان الاجتماعي حملة اعلامية للترويج لالغاء التقاعد المبكر فكان ممثلوا المؤسسة يؤدون ما يشبه "اللطميات" متباكين تخنقهم العبرات أثناء حديثهم وخوفهم على أموال الضمان الاجتماعي المهدورة على التقاعد المبكر فكيف يعقل أن يستمر الضمان الاجتماعي بدفع ما قيمته 60% من فاتورته الشهرية كرواتب تقاعد مبكر، وعشنا مع ممثلي الضمان ساعات عصيبة ونحن نتخيل ساعة الصفر التي حددتها دراساتهم الاكتوارية كنقطة تعادل التي تتساوى فيها الاشتراكات مع المصروفات، والتي لا يوجد طريقة لابعاد هذا الشبح الا بالغاء التقاعد المبكر.
كان الضمان الاجتماعي يمثل لنا النمو في أعداد المتقاعدين المبكر وكأنه خلايا سرطانية تفشت في جسد الوطن ولا يمكن السيطرة عليها الا بالمباشرة باخذ العلاج الكيماوي المتمثل بالغاء التقاعد المبكر، وفي كل مرة كنا نسمع فيها ممثلو الضمان نكاد لا نسيطر على مشاعرنا الجياشة ونتولى وأعيننا تفيض من الدمع حزناً وخوفاً على مؤسستنا العريقة وأموال الأردنيين.
ولكن وفي أماكن أخرى  كان يجلس أناس آخرون يدرسون كيفية تطبيق شروط صندوق النقد الدولي بضرورة ترشيق الجهاز الحكومي وتقليل نفقات الرواتب المدفوعة من الموازنة العامة، يصبون تفكيرهم على كيفية التخلص من الحمولة الزائدة وحجر العثرة الذي يقف أمام الحصول على مزيد من القروض .
بدأ الحديث ممن حققوا شروط التقاعد المدني ثم بدأت الدائرة تتوسع شيئاً فشيئاً حتى بات الحديث الآن عمن أتم 25 عاماً كاشتراك في الضمان الاجتماعي والذي ان تم تطبيقه فستكون أغلبية المحالين قسراً الى التقاعد ممن هم في العقد الرابع من العمر.
عشرات الآلاف من متوسطي الأعمار سيجدون أنفسهم فجأة يتقاضون ثلثي رواتبهم الحالية تقريباً والتي سيواجهون بها أقساط قروض بيوتهم وسياراتهم وتعليم أطفالهم، سيتم الحكم عليهم بتخفيض دخلهم وثباته  بدون زيادة بالاضافة الى الحرمان من التأمين الصحي ومنع من العودة الى العمل مرة أخرى ، اجراءات سيقف أمامها المواطن مكتوف الأيدي لا يملك الا أن يتحايل على القانون أو التسول أو الانضمام لقوافل الغارمين أو يمكن له أن يودع أطفاله ويلتحق بمن سبقوه في الانتحار والذي كان آخرهم شاب اربد العشريني.
الفاتورة الباهظة التي سيتم توفيرها من الموازنة العامة جراء الاحالة القسرية الى التقاعد سيتحملها الضمان الاجتماعي من أموال الأردنيين أنفسهم ساحقاً جميع الدراسات الاكتوارية ويجذب بقوة نقطة التعادل.
ان اشعال فتيل قرار الاحالة القسرية الى التقاعد سيكون كفيلاً أن يضعنا أمام تفجير-لا قدر الله-  لمشاكل مجتمعية عنقودية ستعبث بالأمن والسلم المجتمعي وستفاقم مشاكل الفقر والبطالة والجريمة وستضاعف الاحتجاجات الشعبية وستجعل من خبر الانتحار الذي هز مدينة اربد بل الأردن جميعه بالأمس خبراً عادياً متداولاً ومتوقعاً.
وفي ظل السعي نحو تمتين الجبهة الداخلية لمواجهة المخاطر والتهديدات الاقليمية وعلى رأسها صفقة القرن، لا أستيطع استيعاب كيف تقدم الحكومة على اجراءات عكسية تهمش  من خلالها شركائها الاجتماعيين وتخاصم عمالها الفقراء وتقطع السبل بمن ستحيلهم الى التقاعد القسري وتفتح أبواب سجونها لا لخروج معتقلي الرأي بل لاستقبال دفعات جديدة من الغارمين!!!

اقرأ أيضاً:

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020