عمل المرأة ليلاً ، انصاف لها أم انتقاص لحمايتها الاجتماعية


الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" -  حاتم قطيش

مع  بدء لجنة العمل والتنمية الاجتماعية في مجلس النواب النظر في مشروع القانون المعدل لقانون العمل؛ تدور نقاشات وتباينات في الرأي في أوساط ممثلي العمال وأصحاب العمل ومؤسسات المجتمع المدني بخصوص توقيت هذه التعديلات من حيث المبدأ كونه لم يمضي على آخر تعديل على قانون العمل عدة شهور وعدم كفايتها لاحتياجات العمال والنقابيين، يبدو أن المادة 69 من القانون تحظى بمساحة نقاش واسعة كونها تتحدث عن حظر تشغيل النساء في بعض الصناعات والأوقات.
يرتكز تباين الآراء حول من يرغب بالغاء المادة كاملة ويعتبر ذلك بمثابة منح المرأة حقها في العمل من غير قيد أو شرط وأن أي حديث عن حظر تشغيلها في بعض المهن والصناعات أو الأوقات يعتبر تمييزاً على اعتبار الجنس، بينما ينظر الطرف الآخر الى فتح الباب على مصراعيه لتشغيل النساء ليلاً يعد منافياً لطبيعة المرأة وخصوصيتها وانتقاصاً للحماية الاجتماعية لها وتعريضها للخطر والامتهان والابتزاز.

* ما هو مضمون المادة 69 الخاصة بتشغيل النساء؟

تنص المادة (69) من قانون العمل الأردني على منح وزير العمل صلاحية اصدار قرار بعد استطلاع رأي الجهات الرسمية المختصة يحدد من خلاله:
1- الصناعات والأعمال التي يحظر تشغيل النساء فيها.
2- الأوقات التي لا يجوز تشغيل النساء فيها والحالات المستثناة منها.

وبمقتضى هذه المادة تم اصدار قرار وزير العمل الخاص بالأعمال والأوقات التي يحظر تشغيل النساء فيها والتي بمجملها صناعات يغلب عليها العمل الشاق والخطر مثل المناجم وصهر المعادن وصناعة المواد المتفجرة والمفرقعات ولحام المعادن .. الخ ، وتم أيضاً بموجب هذا القرار تحديد الأعمال التي يحظر تشغيل النساء الحوامل والمرضعات فيها كالأعمال التي تشمل التعرض للاشعاعات الذرية والنووية وأشعة أكس وتلك الأعمال التي تستدعي التعرض لأبخرة وأدخنة وأي من مشتقات النفط .. الخ .
كما تضمن قرار الوزير الأعمال التي تم استثناؤها من حظر عمل المرأة ليلاً كالعمل في الفنادق والمطاعم والمقاهي ودور الملاهي والمسارح ودور السينما والمطارات والمستشفيات والعيادات والمصحات والصيدليات .. الخ

للاطلاع على قرار وزير العمل بخصوص تشغيل النساء بالتفصيل اضغط هنا


* على ماذا ارتكزت المادة 69 من قانون العمل ؟

 استندت المادة 69  إلى اتفاقيات دولية حول عمل النساء ليلاً هما الإتفاقية رقم 4 لعام 1919 و الإتفاقية رقم 41 لسنة 1934 واللتان تتحدثان عن تعريف العمل الليلي وعن حظر تشغيل النساء في المنشآت الصناعية العامة والخاصة وفق التعريفات التي حددتها الاتفاقية لهذه الصناعات.
الا انه قد صدر لاحقاً اتفاقية رقم 171 لسنة 1990 والتي اعتبرت بمثابة اتفاقية ناسخة للاتفاقيتين السابقتين والتي تم بموجبها الغاء القيود على عمل المرأة ليلاً واستبدالها بحمايات قانونية للذكور والإناث -على حد سواء- ممن ينخرطون في العمل الليلي بمعنى أنه قد تم الانتقال من الحظر الكامل الى الغاء القيود مع توفر الحماية المناسبة.
الا ان الاتفاقية 171 وان كانت تعاملت مع العمال بغض النظر عن جنسهم الا انها لم تغلق الباب تماماً على استبعاد تطبيق هذه الاتفاقية عن فئات محددة من العمال اذا كان تطبق الاتفاقية سيثير مشاكل خاصة حيث نصت الفقرة 2 من المادة الثانية على :
" يجوز لأي دولة عضو تصدق على هذه الاتفاقية أن تستبعد من مجال انطباقها، كلياً أو جزئياً، بعد استشارة المنظمات الممثلة لأصحاب العمل وللعمال المعنيين، فئات محدودة من العمال اذا كان تطبيق هذه الاتفاقية عليها سيثير مشاكل خاصة ذات طابع جوهري".

* موقف ممثلو العمال  من المادة 69؟

الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن له موقف من الغاء أو تعديل المادة 69، حيث اعتبرأن  إلغاء المادة الغاءاً تاماً سيكون فيه ضرر كبير للمرأة العاملة وأن الضرورة تقتضي التعديل على المادة لا الغاؤها حيث اقترح صيغة جديدة لتعديل المادة بحيث تصبح : " بهدف حماية صحة المرأة العاملة والطفل، تحدد بقرار من الوزير وبعد استطلاع رأي الجهات الرسمية والمؤسسات الوطنية المختصة ، الصناعات والأعمال والساعات التي يحظر تشغيل النساء الحوامل أو المرضعات والأمهات الجدد".

* سجال المطالبون بالغاء المادة 69 والمطالبون بتعديلها والمتمسكون بعدم المساس بها:

الخبير القانوني مدير بيت العمال والأمين العام الأسبق لوزارة العمل الأستاذ حمادة أبو نجمة أرجع السبب الرئيسي للجدل القائم حول المادة 69 هو التسرع في إقحام التعديل من قبل الحكومة دون دراسة أو حوار (ثلاثي ووطني) كما تفرضه علينا التزاماتنا الوطنية والدولية.
وبحسب أبو نجمة فإن ما فاقم المشكلة الإصرار على مناقشة القانون هو عدم مرور الا أشهر قليلة على التعديلات السابقة لم تأتِ بعد حوار اجتماعي حول حاجة سوق العمل لتعديلات جوهرية على قانون العمل و بمشاركة ممثلي العمال وأصحاب العمل وممثلي الجهات المتأثرة ومنظمات المجتمع المدني.

 أبو نجمة اعتبر أن الاتفاقية 171 لسنة 1990  هي بمثابة الغاء للإتفاقيتين 4 و41 بشكل تام باعتبارهما (فقدتا غاياتهما)، ولم تعارض ذلك أي دولة بمن فيها الأردن بأطرافه الثلاثة الممثلين في منظمة العمل الدولية (الحكومة والعمال وأصحاب العمل).

ويخلص أبو نجمة الى أن السند في المعايير الدولية الذي كانت تقوم عليه هذه المادة بشكلها الحالي قد سقط، وأصبح واجباً على المشرع الوطني أن ينسجم مع ذلك ويستبدل الحظر على عمل المرأة ليلاً بحمايات خاصة للعمل الليلي للذكور والإناث، ومن ذلك مراعاة المرأة في فترة الحمل والإرضاع، وبعكس ذلك فإن الإبقاء على المادة 69 بشكلها الحالي يشكل تقييداً لحق المرأة في العمل وتمييزاً ضدها وفق أحكام الإتفاقية (111)  بشأن التمييز في الإستخدام والمهنة، التي صادق عليها الأردن منذ عام 1963.

مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بدوره طالب بإلغاء المادة (69) من قانون العمل، واستبدالها بمنظومة حمايات اضافية للعاملات والعاملين في ظروف عمل خاصة مثل العمل بالليل ومهن صعبة.

مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني اعتبرت أن الغاء المادة وحده لا يكفي بل يجب اضافة فقرة تعزز العدالة بين العمال وتحارب التمييز من خلال النص صراحة على أنه "يحظر أي تمييز بين العاملين من شأنه إبطال أو إضعاف تكافؤ الفرص أو المعاملة في فرص العمل أو المهنة"، وفيما يتعلق بضمان وجود حماية للنساء العاملات بعد الغاء التقييد الزماني والنوعي للأعمال التي تمارسها النساء ، واقترحت هذه المؤسسات اضافة فقرة يلتزم من خلالها وزير العمل  ب "إصدار التعليمات اللازمة لحماية المرأة الحامل والمرضع والأشخاص الذين يؤدون عملا ليليا".

القطاع النسائي في جبهة العمل الإسلامي كان له موقفاً واضحاً وحازماً من المادة 69 ابان مناقشة هذه المادة في مجلس النواب السابق حيث أصدر بياناً حينها يرفض فيه رفضاً قاطعاً الغاء المادة، حيث استغرب البيان أن يتم الربط بين الحديث عن المساواة وتمكين المرأة ورفع الوصاية عنها، وبين وضعها في ظروف مهن لا تراعي خصوصيتها ولاتتناسب مع طبيعتها ولا تراعي كرامتها  الانسانية، إضافة إلى ما يشكله عمل المرأة في بعض المهن من تعارض مع قيم المجتمع الأردني الأصيلة ومع شريعتنا السمحة التي جعلت الحفاظ على المرأة وكرامتها وسلامتها وأمنها مصلحة عليا وأولوية قصوى.
ويؤكد القطاع النسائي لحزب جبهة العمل  إدراكه الواعي لضرورة عمل المرأة في بعض المهن التي تستلزم تواجدها في مكان عملها ليلا كالتمريض والتطبيب فإننا نؤكد على أن هذا الاستثناء قائم على فقه الضرورات الشرعية وتفهمنا لحاجة المجتمع الملحة لها في هذه المواقع مع تأكيدنا على ضرورة الحفاظ على خصوصيتها وسلامتها داخل هذه المؤسسات وتوفير الظروف والبيئة الآمنة لها.
وبحسب البيان فإن المطلوب هو توفير فرص عمل للمرأة بما يتناسب مع خصوصيتها وبما يوفر لها بيئة عمل آمنة تحفظ لها حقوقها وكرامتها، مع ضرورة وضع رؤية وطنية لتوفير فرص عمل للمتعطلين عن العمل رجالاً ونساءاً بما يحفظ لهم كرامتهم ويوفر لهم متطلبات العيش الكريم.
واختتم القطاع النسائي لحزب جبهة العمل الإسلامي بيانه بالتأكيد على أهمية الابقاء على هذه المادة، ودعوة النواب بالتصويت لعدم  إلغائها.

من جهة أخرى وجهت شخصيات وطنية ونشطاء كتاباً الى لجنتي العمل في مجلسي النواب والأعيان لتوخي الحذر من مجرد الإلغاء والمطالبة بإضفاء حماية مضافة إذا ما سمح العمل ليلاً لكل القطاعات، معتبرين أن بقاء المادة 69 يعد حماية للعديد من النساء  من إجبارهم للعمل ليلًا، وقد يستغل غياب هذه المادة لإجبارهن على العمل ليلاً في سبيل توفير لقمة العيش.

* ما علاقة ايفانكا ترامب بالمادة 69؟؟!!

لاقت تصريحات ايفانكا ترامب على منبر منتدى المراة العالمي حول قانون العمل الأردني في العام 2019 صخباً وجلبة واستهجاناً شديدين، حيث أشادت ايفانكا بقيام الأردن بإلغاء القيود القانونية التي تمنع النساء من العمل ليلاً!!!؛ الأمر الذي دعى النائبة السابقة ديمة طهبوب عضو لجنة العمل النيابية في المجلس السابق الى التغريد عبر حسابها على تويتر مستهجنة قيام ايفانكا باقرار تعديلات قانون العمل خاصة فيما يخص المادة 69 قبل أن يتم التوافق عليها حتى داخل لجنة العمل النيابية والتصويت عليها من قبل مجلس النواب مؤكدة أن القانون لا يزال قيد النقاش في اللجنة ولم يعرض تحت القبة لتصويت المجلس بعد!!!، واختتمت النائبة طهبوب تغريدتها متهكمة بسؤالها ايفانكا عن بقية القوانين مشيرة الى وجود أجندة خارجية وراء السعي الى الغاء المادة 69 من قانون العمل.


اقرأ أيضاً:

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020