تعديل قانون العمل والحد الأدنى للأجور .. حيدر رشيد


لا يتوقف الحديث هذه الأيام، وبدوافع مختلفة عن تعديل قانون العمل وتعديل الحد الأدنى للأجور، وهو إجراء نص على آليته قانون العمل في المادة )52)-الفقرتين (أ) و(ب)- منه. العمال ونقاباتهم يطالبون بالتعديلين؛ لأن لهم مصلحة في ذلك، أما الحكومة-وتحديداً وزارة العمل-فيتعاملون مع الموضوع استمراراً لسياسة ردود الفعل لأي مطلب شعبي إذا كان مدعوماً بتحرك جماهيري بغض النظر عن نتائجه، ومجلس النواب الذي يبحث دائماً عن الشعبية-وبخاصة فترات ما قبل الانتخابات النيابية-فموقفه لا يختلف عن موقف الحكومة، وعملياً فإنه لا يعول على ما يصرح به أعضاؤه من أجل صدور قرارات تحقق مصلحة المواطنين كافة، وتحديداً في القضايا السياسية والوطنية.
تعديل الحد الأدنى للأجور ضرورة موضوعية بل هي حاجة حقيقية، وإلا لما تضمن قانون العمل نصوصاً بتنظيم آلياتها كغيره من القوانين في العالم، ولكن المشكلة الأكبر في هذا المجال ليست فقط إقرار التعديل بل كيفية تطبيقه على أرض الواقع العملي، وهذه مهمة وزارة العمل، وهذا ما لا يتم الالتزام به في مئات الحالات الجماعية، وربما آلاف الحالات الفردية، أما التعديل نفسه فلا يزال يتعثر كما هي العادة في كل مرة.
تعديل قانون العمل في جانب آخر ضرورة هامة جدًّا، ودور قانون العمل كما هو معروف تنظيم العلاقة بين أطراف الإنتاج الثلاثة، وبالنسبة للعمال فإن القانون يتضمن تعريفات لبعض المتغيرات والعناصر، ولكنه لا يشير إلى الحقوق الجماعية التي يحصل عليها العمال كالزيادات السنوية، وعلاوات غلاء المعيشة، وعلاوة الزوجة والأولاد، والرواتب الإضافية (الثالث عشر،  
والرابع عشر،...)، وأنظمة التأمين الصحي والقروض المختلفة، فهذه الحقوق تطالب بها وتحققها النقابات العمالية، وفي العديد من الأحوال تفرضها عوامل السوق المختلفة. 
الجانب الأهم في مواد قانون العمل هي الحقوق النقابية التي يجب أن تستند إلى معايير العمل الدولية، ومنها آلية تشكيل النقابات العمالية، وآلية التفاوض الجماعي وخطواته، وحق الإضراب، وحق تنظيم العاملين في القطاع العام الذي أقرته الاتفاقية رقم (87) من اتفاقيات العمل الدولية، والتي لم يوقع عليها الأردن، وهذا الحق تجاوزه العمال في العديد من مؤسسات القطاع العام؛ بسبب ديناميكية سوق العمل، فبات القانون متخلفاً عن الواقع الحقيقي الآن.
تعديل قانون العمل الذي يجري الحديث عنه الآن تتفاوت نظرة الأطراف المختلفة إليه، على أن التجربة مع الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس المملكة  
كانت تجربة مرة بكل معنى الكلمة؛ فغالبية التعديلات التي تمت منذ ذلك الحين كانت سلبية بالاتجاه العام، والهدف منها تحجيم النقابات العمالية )ونحن نتحدث هنا عن الحقوق النقابية) التي تعتبر الأهم في القانون؛ لأن الحقوق الفردية تطالب بها وتحققها النقابات العمالية إذا كانت قوية.
منذ بداية تأسيس المملكة سبق الوجود الموضوعي للنقابات العمالية وجودها القانوني، فقد تشكلت العديد من النقابات وبخاصة في الضفة الغربية، ومنها  
بشكل خاص نقابة مستخدمي الدولة قبل صدور قانون النقابات العمالية لسنة ١٩٥٣، وقبل صدور قانون تعويض العمال لسنة 1955، وقانون العمل لسنة 1961، وبدأ نشاط النقابات منسجماً مع المعايير الدولية، فتأسست النقابات في القطاعين العام والخاص، لكن قراراً سياسياً لديوان تفسير القوانين صدر في منتصف الخمسينات منع العاملين في القطاع العام من تشكيل نقابات عمالية، فتم شطب النقابات القائمة في هذا القطاع ليكون ذلك أول تدخل يحد من الحرية النقابية عن طريق القضاء.
في عام 1976، جرى تعديل خطير آخر على قانون العمل، وكان الهدف منه تقليص عدد النقابات بشكل عام من خلال إلغاء بعضها، ودمج بعضها الآخر من أجل  
الإخلال بتوازن القوى القائم بين التيار القومي واليساري في المجلس المركزي لاتحاد النقابات وبين القوى الأخرى، وقد أعطى هذا التعديل الذي تم على المادة (74) من القانون وزير العمل في حينه الحق بإعادة تصنيف المهن والحرف التي يحق للعاملين بها تأسيس نقابات لهم ولا يزال هذا النص موجوداً، وبموجب هذا التعديل تم شطب بعض النقابات اليسارية ومنها: نقابة العاملين في وكالة الغوث، ونقابة العاملين في سلطة المصادر الطبيعية، وجرى دمج نقابات أخرى مع بعضها البعض ليتقلص بذلك عدد النقابات بشكل عام ليصبح (17) نقابة عمالية، وهو العدد الحالي للنقابات، بدلاً من (22) نقابة، وتراجع بذلك حجم ونفوذ القوى المعارضة وهو المقصود من التعديل.
بعد ذلك حدثت تعديلات سلبية أخرى على القانون منها منح مجلس الوزراء الحق بحل النقابة لأسباب أمنية، وعدم جواز قيام أي تنظيم نقابي إلا بموافقة  
مجلس الوزراء، كما تم بعد ذلك تعديل آخر على القانون، وبضغط واضح من أصحاب العمل، حيث عدُّلت المادة (51) من القانون لتصبح ديون البنوك  
ديوناً ممتازة من الدرجة الأولى على المؤسسات التي تتعرض للإفلاس بدلاً من أجور العمال والمبالغ المستحقة لهم أو لورثتهم، ولكن هذا التعديل لم  
يصمد طويلاً في ظل الرفض القوي، والمعارضة العنيفة التي ووجه بها وعادت المادة في القانون كما كانت عليه، وكان الانحياز الواضح في هذا التعديل لصالح المؤسسات المصرفية.ومن التعديلات الخطيرة التي استهدفت الحقوق النقابية من أجل تحجيمها وإضعاف النقابات العمالية ما تم من تعديلات في القانون على المواد المتعلقة بالنزاعات العمالية وحق الإضراب، وهذا الحق كما هو معروف من الأعمدة الرئيسة للحريات النقابية، وهو حق أساسي نصت عليه وأكدته  
المعايير الدولية، ومن أجل الحد من ممارسة النقابات العمالية لهذا الحق جرى تعديل المادة التي تنص على أن إعلان الإضراب ممنوع بعد تحويل النزاع العمالي إلى مجلس التوفيق فأصبح بعد التعديل ممنوع بمجرد تحويله إلى أي مرحلة من مراحل التوفيق، وهذا يشبه تماماً حالة منح الشيء باليد اليمنى وسحبه باليد اليسرى مباشرة.
في جانب آخر جرى تغليظ العقوبات المالية على العمال والنقابات العمالية في حال تنظيم إضراب محظور (غير قانوني) حسب القانون لتبلغ خمسون ديناراً عن اليوم الأول، وخمسة دنانير عن كل يوم يستمر فيه الإضراب إضافة إلى تحميل العامل أجور الأيام التي أضرب فيها.
إن المحاولات المختلفة لتقليص الحقوق النقابية لم تتوقف فلدى مناقشة مشروع قانون العمل في لجنة العمل خلال الدورة النيابية الحالية جرى إقرار بند يعطي وزير العمل الحق بحل الهيئة الإدارية للنقابة، ولكن الضجة التي رافقت ذلك أدت الى إلغاء هذا التعديل وأبقى على صلاحية حل الهيئة الإدارية للنقابة بيد السلطة القضائية.
إن الحديث عن تعديل قانون العمل هذه الأيام يبدو-بل من المؤكد-أنه لا علاقة له بالحريات النقابية، ولا بالحقوق الفردية للعمال، والبعض من ذوي العلاقة يخلطون بين دور قانون العمل  وبعض المتغيرات الأخرى كمعدلات البطالة، وزيادة فرص التشغيل، وحل مشكلة العمالة الوافدة، وواقع الحال ليس كذلك، وإذا كان هنالك من تعديل ضروري الآن فهو في جانب توسيع الحقوق والحريات النقابية حتى تستطيع النقابات أن تساهم في حل العديد من المشاكل  
التي تواجه العمال والمؤسسات الوطنية.

والمجلة تحت الطباعة صدر قرار لجنة الحد الأدنى للأجور، وكان مخيباً للآمال ..... فالقرار صدر بعد خلاف أجّل صدوره لثلاث جلسات، ويبدأ تطبيقه إعتباراً من بداية العام القادم، وهذا الشرط أصرّت عليه الحكومة..... والقرار لم يساوي بين العمالة الوافدة والعمالة الأردنية، واستثنى قطاعات إنتاجية معينة من تطبيقه، الأمر الذي سيشجع أصحاب العمل على إستخدام العمالة الوافدة بدلاً من العمالة الأردنية وسيزيد من توجه العمالة الوافدة الى هذه القطاعات الإنتاجية..... عداك عن ما يترتب على عدم القدرة على مراقبة تطبيقه من قبل وزارة العمل.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020