مستقبل العمل بعد الأزمة.. أحمد الغامدي



كجزء من التغيير الذي يحدث للعالم الآن في كل ما يخص التواصل الإنساني، سنشهد بكل تأكيد إعادة تشكيل الرؤية الخاصة بمستقبل العمل، حيث يشكل العمل وأنشطته جزءاً أساسياً من التواصل بين البشر. فقد تتسارع وتيرة بعض الإجراءات، وقد تتشكل بعض الطرق الجديدة لإدارة العمل، وقد تندثر بعض الأنشطة وتستبدل بغيرها، بالتأكيد سنرى تغييراً في معظم المنشآت حول العالم. هناك من وجهة نظري ثلاثة تغييرات أساسية سنشهدها في العمل مستقبلاً بعد إنتهاء أزمة كورونا.

أولاً: زيادة العمل عن بعد
حالياً يوجد ملايين من الموظفين حول العالم لأول مرة يعملون عن بعد، يستكشفون كيفية القيام بمهامهم بكامل إنتاجيتهم. وهناك منشآت وقادة فرق يتعلمون كيفية إدارة فرق العمل عن بعد، فهذه الأزمة اختصرت عدة سنوات من أجل الاقتناع بأهمية العمل على التحول في فكر ومنهجية القائمين على المنشآت حول العالم، حيث كان هناك بعض الجمود لدى العديد من المنشآت فيما يخص العمل عن بعد، الآن أصبحوا يعملون عن بعد ويبحثون عن أفضل الطرق التي تتماشى مع عملهم من أجل أفضل إنتاجية وأداء.

هناك منشآت كان لديها من الإستعداد والتقنية التي تسمح لها بإدارة العمل عن بعد في هذه الأزمة بدون أية عوائق، وهناك منشآت استطاعت أن تتأقلم سريعاً على طريقة العمل عن بعد، وهناك بعض المنشآت التي لم تنجح في إدارتها للعمل عن بعد بشكل فعال، مما يتطلب من الجميع بناء وتعزيز قدرة المنشأة على إمكانية العمل عن بعد في أي وقت. وهناك من الأدوات والتقنيات المتاحة القائمة فقط لتسهيل إدارة العمل عن بعد للمنشآت، حيث من المتوقع أن تتخذ العديد من المنشآت إتجاهاً نحو المزيد من العمل عن بعد وبالتالي سيؤثر على رغبة الموظفين أصحاب المواهب حول العالم في الإنضمام إلى المنشآت التي تقدم ميزة العمل عن بعد، فكن مستعداً من الآن. 

ثانياً: مزيد من التوازن بين العمل والحياة
كثيراً ما نسمع عن أهمية التوازن بين الحياة والعمل، وأنه مهم لجميع الموظفين من أجل زيادة إنتاجيتهم ومشاركتهم وبالتالي الحفاظ عليهم داخل المنشأة. لكن ما نغفل عنه أنه قليل من المنشآت التي تولي إهتماماً بليغاً بهذا الجانب، حيث لدى موظفيهم من ضغوط العمل ما تكفي لأن تجعلهم يعملون نهاراً ويعيشون في الأرق والتوتر ليلاً. في هذه الأزمة ظهرت أهمية الجانب النفسي والعقلي والصحي للموظفين، حيث هناك بعض المنشآت التي تعمل على تعزيز الجانب النفسي لدى موظفيها من أجل الحفاظ على إنتاجيتهم وأداءهم خلال هذه الأزمة، كما أن التغييرات في روتين العمل التي تصاحب العمل من المنزل خلال هذه الأزمة قد تجعل الموظفين يقدرون أكثر المنشآت التي تساعدهم على التوازن بين العمل والحياة، لذا على المنشآت أن تعمل على دعم المزيد من ذلك التوازن.

ثالثاً: التحول الرقمي
لا شك أن هذه الأزمة قد عززت أهمية التحول الرقمي في جميع منشآتنا، فالمنشآت التي كانت متأخرة رقمياً ستضطر الآن إلى زيادة التحول الرقمي لديها. الإعتماد على مؤتمرات الفيديو ومشاركة الملفات سحابياً، وأمن المعلومات، وتحليل البيانات، وغيرها من التقنيات التي سيتعين على الجميع استخدامها للحفاظ على استمرار عملياتهم وأنشطتهم اليومية، ومع استخدام المنشآت لهذه التقنيات بكثافة خلال هذه الأزمة ستشهد تطوراً ملحوظاً في الأداء، مما سيؤدي إلى تحول في عقلية إدارة المنشآت وتمهيد الطريق إلى المزيد من الجهود في عمليات التحول الرقمي. 

هذه من وجهة نظري التغييرات الأساسية التي ستشكل مستقبل العمل بعد هذه الأزمة، هناك تغييرات أخرى بالتأكيد سنتحدث عنها لاحقاً في مقالات قادمة بمشيئة الله تعالى.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020