أمر الدفاع رقم 9 ، والقصة الحقيقية لتأمين التعطل !.. د.محمد الزعبي



لم يتم نشر نص أمر الدفاع رقم 9 ... لكن مضمونه يتعلق بتفعيل تأمين التعطل على أسس جديدة لمنح رواتب تعطل لبعض الفئات العمالية الذين تعطلوا عن العمل نتيجة قرارات الحكومة بتعطيل العمل في أكثرية القطاعات بسبب الوباء.
.....
صدر أول قانون للضمان الاجتماعي عام 1978 متضمنا 9 أنواع من التأمينات على أن ينفذ اربعا منها  1- الشيخوخة و2- العجز و3- الوفاة و4- إصابات العمل. وتؤجل الخمسة الباقية لوقت لاحق : 5- العجز المؤقت و6- الأمومة و7- البطالة و8- التأمين الصحي و9- المنح العائلية . 
وهي الحد الأدنى من التأمينات التي اقرتها منظمة العمل الدولية والأمم المتحدة ، والتي وقعت الأردن على التعهد بتنفيذها ( ولا أعلم إذا أقر مجلس النواب هذا التعهد أم لا. وهي التأمينات التي كانت سائدة في معظم أنحاء العالم في ذلك الوقت.
...... 
سيطر النيوليبراليون على مفاصل الدولة الأردنية وبدأوا بخصخصة الكثير من منشآت الدولة بما فيها التعليم والصحة ... وطبعا الضمان الاجتماعي.
وبدأت ورشة كبيرة لتعديل قانون الضمان وبحملة إعلامية ضخمة نجحت في اقناع الكثيرين ان الضمان سيفلس إذا لم يتم تعديل القانون، حيث تم التركيز على التقاعد المبكروخطره على المركز المالي للضمان، في حين أغفلت الحديث عن التعديلات الأخرى ( والتي قد تكون أخطر) التي تمس جوهر وأسس ومفاهيم الضمان  القائمة على التكافل والتضامن بين أصحاب العمال والعمال والحكومة). 
......
شملت التعديلات وضع شكل نهائي للضمان الأردني تضمن
أولا:  التخلص من ثلاثة تأمينات : 1- العجز المؤقت بسبب المرض، و2- البطالة، و3- تأمين المنح العائلية ... 
ثانيا: تأجيل التأمين الصحي لأجل تم تغييره عدة مرات، 
ثالثا:  البدْء بتطبيق تأمين الأمومة.
رابعا البدء بتطبيق تأمين جديد ( إدخاري) سموه تأمين التعطل. كبديل لـتامين العجز المؤقت والتأمين ضد البطالة ... وهو في نفس الوقت ادخار للمؤمن عليه يحصل عليه وعلى أرباحه عند التقاعد.
الفرق بين تأمين البطالة وتأمين التعطل :
أولا من حيث تمويل التأمين:
يتم تمويل البطالة من ثلاثة أطراف هي الحكومة وأصحاب العمل والعمال)  وبنسب تختلف من دولة لأخرى ... لكنها بالمعدل متقاربة مع بعضها حيث يدفع صاحب العمل الجزء الأكبر تليه الحكومة ويتحمل العامل أقل نسبة منها . بحيث يصل مجموع اشتراكاتهم لما يصل ل 3-4% من مجموع أجور العمال المشتركين بتأميتن البطالة.
يتم تمويل تأمين التعطل في الأردن على طرفين فقط ( العامل  بنسبة 1% وصاحب العمل بنسبة 0.5% ... وتركت مساهمة الحكومة ملتبسة ( أي مساهمة تدفع من خزينة الدولة لتمويل هذا التامين.
ثانيا : من حيث المنافع :
يحصل مشتركو تأمين البطالة الذين تعطلوا عن العمل على راتب شهري يتراوح من دولة لأخرى ( 40% - -90%) ولمدد تتراوح من من دولة لأخرى  (6 - 12شهر)... وتقوم الدولة بدراسة تشغيل المتعطلين بعمل مناسب لهم. 
أما من يستمر بالعمل لحين التقاعد فلا يحصل على اي تعويض وتعتبر مساهماته في التأمين للتكافل مع الأشخاص الذين يعانون من البطالة ... مثله مثل التأمين الصحي حيث يحصل على المنافع من يمرض فقط أما ما دفعه المشتركين الذين لم يعانوا من المرض فيعتبر تطافل وتضامن مع من يمرض. 
أما تأمين التعطل الأردني فهو تأمين إدخاري حيث يحصل جميع المشتركين على ( ما دفعوه  (ودفع عنهم + الربح الناتج عن استثمار هذه المبالغ ) عند التقاعد ، أو على جزء منها عند التعطل عن العمل. وأضيف سببان آخران للاستفادة في تعديل القانون لعام 2019 لغايات تعليم الأولاد أو العلاج الطبي. نتج عنها دفع حوالي 300 مليون دينار لغير عايات التعطل ( للتعليم والعلاج)
......
أدت أزمة وباء الكورونا إلى تعطيل معظم العمال ( ومعظم المشتركين في تأمين التعطل) إلى ارتباك شديد في اعتماد المجتمع على هذا التأمين الذي فشل في مساعدة المتعطلين عن العمل بسبب  سحب جزء كبير من رصيد الصندوق فيعام 2019 من جهة وبسبب العدد الكبير للمتعطلين الذي سيفلس صندوق التعطل ( بعكس صندوق البطالة لو كان موجودا والذي كان سيكفي لتمويل رواتب جميعى المتعطلين لفترة لن تقل عن سنة كاملة
لأن تموي البطالة يصل إلى 3-4% من مجموع أجور المؤمن عليهم بينما تصل اشتراكات التعطل إلى 1.5% فقط ..... مما يعني أن موجودات صندوق البطالة ستكوت ضعفي إلى ثلاثة اضعاف موجودات صندوق البطالة ولن تصرف الا للمتعطلين عن العمل.
أدى ارتباك الحكومة وإدارة الضمان إلى استخدام أوامر الدفاع لحل مشكلة المتعطلين ، مرة عن طريق إعفاء أصحاب العمل من اشتراكات الشيخوخة طمعا في صرف هذه الشركات لرواتب المتعطلين ، ومرة عن طريق استخدام أرصدة تأمين الأمومة للأكثر حاجة ، ومرة عن طريق الزام أصحاب العمل بدفع 50% من أجرة المتعطلين وأخيرا اراجعت عن العديد الأوامر ولجأت لتغيير جوهري في تأمين التعطل لصرف ما نسبته 30%  من الأجور وبمساهمة 20% من صاحب لتوفير نصف أجور جيش المتعطلين عن العمل وبحد اقصى 500 دينار.
.....
ماذا تعني الأسس التي اعتمدتها الدولة لاستخدام تأمين التعطل بالطريقة الجديدة. 
1- أموال التعطل تشكل أرصدة إدخارية للمؤمن عليهم ، وأي مبلغ يصرف للمستفيد سيخصم من رصيده الإدخاري. وهي بالتالي لا تحمل أي مدلول للتكافل أو التضامن. حيث أن غير المتعطلين سيحصلون على أرصدتهم كاملة دون المساهمة ( التكافلية والتضامنية) والمشاركة بدفع جزء من تكاليف دفع رواتب التعطل.
2- ينص قانون الضمان على خصم اشتراكات الضمان ( 17.5%) من الأجر الخاضع للضمان قبل التعطل . ولا أدري إذا تم تعطيل هذا النص بفعل أمر الدفاع رقم 9 ، أو تم أعتماد أمر الدفاع رقم 1 الذي ألغى التزام صاحب بدفع اشتراكات الشيخوخة. وفي الحالين سيتم حرمان المؤمن عليهم المشتركين من فترات اشتراكهم بالضمان.
3- سيساهم صاحب العمل ب20% من الأجر يدفع للعامل وبثلث راتب المتعطل غير المشترك بالضمان. علما بأن أمر الدفاع رقم 1 قد أعفاه من اشتراك الشيخوخة. ولم يتبين فيما إذا كان أمر الدفاع رقم 1 ما زال ساريا أم لا بخصوص إعفاء اصحاب العمل من تأمين الشيخوخة فقط ... (16.5%)  أما أنه سيشمل كل أشتراكات الضمان  21.75%) ، مما يعني أن صاحب العمل سيدفع أقل بكثير من هذه النسبة ( تتراوح بين  5- 9%) من ألجر الذي كان يدفعه ( بما فيها اشتراكات الضمان).
4- لا أعلم من أين سيتم تمويل رواتب التعطل فيم يخص غير المشتركين بالضمان .... وعلى الأغلب أنها ستخصم من رصيد تأمين التعطل الذي سيتكون للعامل بعد دفعه اشتراكات التأمين  إذا استمر بالاشتراك بالضمان بعد العمل. كما يوجد مشكلة أيضا لمن يتقاعد مستقبلا وحسابه الإدخاري في صندوق التعطل سالبا حيث يصبح مدينا للصندوق، وسيتم خصم المبلغ المدين من راتبه التقاعدي أو تعوض الدفعة الواحدة عند بلوغه الستين سنة.
5- سيؤدي وضع سقف أعلى لراتب التعطل (500 دينار) إلى لجوء أصحاب الرواتب المرتفعة ومعظمهم في سن تسمح لهم بالتقاعد المبكر ( 50-60 سنة) إلى خيار التقاعد المبكر لأنهم سيحصلون على راتب أعلى من ال500 دينار وأحيانا أعلى بكثير... مما سيؤثر على المركز المالي للمؤسسة.
......
الخلاصة :
1- كان استبدال تأمين البطالة بتأمين التعطل خطأً كبيرا ... ويجب العودة عن هذا الخطأ فورا، وإعادة تفعيل تأمين البطالة بساهمة من الأطراف الثلاثة ( الحكومة وأصحاب العمل والعمال) على أن يصرف للمتعطلين فقط.
2- كان لتعديل القانون لعام 2019 أثر سلبي كبير على أرصدة التعطل منعت من استخدامه في الأزمة الحالية.
3- استخدام أمر الدفاع رقم 9 مليء بالأخطاء والثغرات التي تؤثر سلبا على العمال وعلى المركز المالي لمؤسسة الضمان،  وهو منحاز ضد العمال ويحملهم معظم عبء التعطل عن العمل في حين يعفي الحكومة وأصحاب العمل من أي مشاركة فعلية وحقيقية في دعم المتعطلين في أزمة الوباء. ويجب تعديله بحيث تتحمل جميع الأطراف مسؤوليتها في هذه الأزمة.

اقرأ أيضاً :
شو بتعرف عن تأمين التعطل عن العمل .. اقلط جاي خنسولفك

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020