في ظل توقعات بتزايد أعداد المتعطلين عن العمل وانخفاض الدخل للعديد من العاملين، سواء من العمالة المنظمة أو غير المنظمة (عمال المياومة والعاملين لحسابهم الخاص) وتعرضهم للوقوع في الفقر نتيجة الأزمة الحالية، فإن ازدياد أعداد الأطفال العاملين ستكون نتيجة حتمية لانحسار الخيارات المتاحة أمام عدد كبير من الأسر لتعويض فقدانهم لوظائفهم أو انخفاض الدخل الذي كانوا يعتاشون منه، والذين يتوقع أن يصل عددهم إلى أكثر من 400 ألف أسرة، حيث ستلجأ الكثير من الأسر إلى استخدام أطفالها في أعمال قد لا يستطيع الكبار ممارستها إما لانخفاض الأجور فيها أو لتفضيل بعض أصحاب العمل تشغيل الأطفال فيها لسهولة السيطرة عليهم واستغلالهم.
لقد تضاعف عدد الأطفال العاملين في المملكة من (33) ألف في عام 2007، إلى ما يقرب من (70) ألف عام 2016 وفق المسح الذي أجري بالتعاون بين الحكومة الأردنية ومنظمة العمل الدولية، منهم حوالي (45) ألف يعملون في أعمال خطرة، وكان للظروف المعيشية الصعبة التي واجهت فئات من المجتمع الأردني نتيجة ازدياد معدلات الفقر والبطالة والتفاوت في المستويات الإقتصادية، وانعكاس ذلك على قدرة الأسر في تأمين احتياجاتها الأساسية وعلى رأسها الغذاء والسكن، والوصول إلى الخدمات خاصة في مجالي الصحة والتعليم، الأمر الذي أدى إلى توسع مشكلة عمل الأطفال، التي تلقي بآثارها الخطيرة على الأطفال الذين يمارسون العمل في مرحلة عمرية مبكرة على حساب التعليم الأساسي والتدريب الملائم لقدراتهم، فضلا عن حرمانهم من ممارسة حياتهم في ظروف طبيعية تتلاءم مع أعمارهم.
على الحكومة وشركائها التحرك بسرعة للحد من تفاقم هذه المشكلة، وبشكل خاص من خلال إجراءات عاجلة على مستوى السياسات الإجتماعية، وتطوير سياسات الحد من الفقر، وتحسين الظروف الإقتصادية لأسر الأطفال المعرضين للإنخراط في سوق العمل، وتطوير سياسات الحد من البطالة، وتفعيل دور صندوق التعطل ورفده بالموارد اللازمة لتمكينه من الوفاء بالتزاماته تجاه الأعداد غير المسبوقة المتوقع انضمامها إلى صفوف البطالة، وشمول عمال المياومة والعاملين لحسابهم الخاص بمظلة الضمان الإجتماعي، وربط الأسر المتضررة بشبكات الأمان الاجتماعي، وتطوير نظام متابعة لأسر الأطفال العاملين والمشردين لتقديم الدعم الاجتماعي والإرشادي لهم.
ولا يجوز بأي حال اعتبار إجراءات التفتيش التي تتولاها وزارة العمل بحق أصحاب العمل ومعاقبتهم حلا نهائيا لمعالجة مشكلة عمل الإطفال، بما أن فقر الأسرة وضعف إمكاناتها المادية تقف خلف معظم حالات عمل الأطفال، الأمر الذي يتطلب جهودا مكثفة للتعامل مع هذه القضية من هذا الجانب، بتوفير الخدمات والبرامج التي تحارب الفقر وأسبابه وبشكل خاص بتوفير بدائل إقتصادية للأسر.
كما لا بد من وضع استراتيجية وطنية جديدة للحد من عمل الأطفال، وتفعيل دور اللجنة الوطنية لعمل الأطفال ووضع نظام خاص ينظم عملها ومهامها وآلية اجتماعاتها، ومراجعة الإطار الوطني ومعالجة أسباب تعثر تطبيقه ووضع الحلول المناسبة لها، كما تعتبر الحاجة لإنشاء قاعدة بيانات وطنية خاصة بعمل الأطفال ذات أهمية كبرى، بحيث تشمل على البيانات المتعلقة بالأطفال العاملين وكذلك المنقطعين والمتسربين من المدارس، وحالات التسول، وحالات الباعة المتجولين، العابثين في النفايات بحيث تكون هذه المعلومات متاحة لجميع الجهات المعنية بقضايا عمل الأطفال.
حماده أبو نجمة
بيت العمال للدراسات والأبحاث
إرسال تعليق