النقابات العمالية بعد كورونا .. هل تستوعب الدرس أم سيفوتها القطار

الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
انطلاقاً من كون الثورة الصناعية التي قامت على اثر ظروف العمل القاسية وغير اللائقة التي كان يتعرض لها العمال كانت هي العامل الأساس لفكرة نشوء النقابات العمالية، فإن بقاء هذه النقابات واستدامتها مرتبط بشكل أساس أيضاً بظروف العمل اللائق ومدى حصول العمال على حقوقهم العمالية ، وهذا بالضرورة يفسر التباين الشديد بين قوة نقابات عمالية معينة وضعف وهشاشة وكرتونية العديد منها؛ بمعنى أن النقابات العمالية الفاعلة والقوية والقريبة من معاناة العمال تعبر بشكل حقيقي عن نبض هؤلاء العمال وعليه فإن النقابات العمالية القوية والفاعلة -بنظري- يجب أن تتوفر بها عدة شروط منها:

1- نابعة من رحم الحركة العمالية بحق:
 فلا يمكن للمتقاعدين الذين تركوا سوق العمل وانتهت علاقتهم بأصحاب العمل ان يكونوا هم الممثلين للعمال بأي حال من الأحوال،  بل يجب أن يكون القادة النقابيون بالضرورة هم جزء من هذه المعاناة، قد يصلح هؤلاء النقباء القدامى كخبراء نقابيون يدعمون الحركة العمالية بآرائهم وخبراتهم وتوجيهاتهم، ولكن ليس كقادة نقابيون ميدانيون على الاطلاق.

2- أنظمة داخلية مرنة :
يجب أن تكون الأنظمة الداخلية للنقابات العمالية مرنة وواقعية وتتيح الفرص للعمال الشباب من امكانية تولي عجلة القيادة في هذه النقابات، ولا يجوز أن تتضمن هذه الأنظمة مواداً تكرس بقاء النقابيون القدامى الى مالا نهاية وتضع الحواجز والعراقيل أمام فئة الشباب من قيادة هذه النقابات.

3- لا تعرف السكون: 
الانتهاكات التي يتعرض لها العمال كثيرة ومتشعبة ومتجددة، وبالتالي لا يمكن لنقابة عمالية تمثل العمال بحق أن تعرف السكون والهدوء بل يجب أن تكون النقابة خلية نحل دائمة العمل فهي تلبي حاجات العمال الحقوقية والنقابية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية والصحية .. الخ 

4- مواكبة للتطور:
لا شك أن الأساليب والأدوات النقابية التي كانت تصلح ابان الثورة الصناعية، لا يمكن أن تكون صالحة لكل زمان ومكان، فمن لا يتطور يحكم على نفسه بالجمود ثم الانقراض والتلاشي والجلوس في المقاعد الخلفية من المشاهدين.

5- منظمة وليست عشوائية:
قد تكون العشوائية وفوضى سوق العمل من العوامل التي ساهمت على انشاء النقابات العمالية ولكن لن تستقيم النقابات العمالية ان هي بقيت رهينة الفوضى الخلاقة التي يراد لها أن تبقى تدور في فلكها، فالأعداد الكبيرة من العمال الذين ينضوون تحت مظلة النقابات العمالية ان لم يجمعهم جسم منظم يوحد جهودهم ويوجهها في الاتجاه الصحيح؛ تضاربت هذه الجهود وتعاكست وتنازعت وكانت سبباً في ذهاب ريح "قوة" هذه النقابات." ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"

6- مبادِرة ولا تؤمن بردات الفعل:
من البديهي أن من يتقدم للعمل النقابي أو يقدمه الناس لهذا العمل يجب أن يتصف بصفة المبادرة والحركة المتواصلة؛ فميزة المبادرة أنها تحظى بالقوة والغلبة والمباغتة " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون" ، أما ان يبقى النقابيون يعيشون في الظل ويتوارون في العتمة ويركنون الى الدعة فهو أمر يتنافى مع مفهوم ومبادئ العمل النقابي ويجعل النقابة في موقف ضعف ودفاع عن النفس.

7- تخطط ولا يخطط لها:
قيل ان لم تكن لك خطة خاصة بك فإنك حتماً ستكون جزءاً من خطط الآخرين، فالنقابة التي لا تملك خططاً هي بالضرورة نقابات تقتات من تطبيق وتنفيذ خطط الآخرين مما يعني انها ليست حرة في قراراتها وتنتقل اختيارياً من أن تكون من يملك الأدوات ويحسن استثمارها الى أن تكون عبارة عن أداة يتفنن الغير باستغلالها، ويصبح غاية نشاطها هي أن تشارك في تنفيذ خطط الآخرين!!
فبدلاً من أن تكون للنقابات العمالية خطة محددة لتدريب وتأهيل منتسبيها وعمالها مثلاً، تجد أنها لا تملك هذه الخطط من الأساس بل تجلس منتظرة لدعوات المشاركة في الورشات التدريبية التي يعقدها غيرهم لهم!!!

8- تؤمن بعمالها وقدراتهم:
المتتبع للحركة النقابية العمالية يلاحظ أن من يتولى دفة القيادة والجمهور الذين حولهم هم أعداد قليلة جداً من مجموع العمال المنخرطين في العمل النقابي؛ والمستغرب أن هذه "النخب" النقابية تتكرر أسماؤهم في جميع النشاطات والفعاليات وورشات العمل والدورات التدريبية والمؤتمرات، فهم حسب الرواية المصرية "بتوع كله"، قد يعزي بعض النقابيون ذلك الى عزوف العمال أنفسهم وقد يرى الآخرون أن السبب يعود الى عدم ايمان القيادات النقابية بقدرات العمال وامكاناتهم أو قل لا يرغب بعضهم بادماج وجوه جديدة ويرون في ذلك مقامرة على مستقبل قيادات العمل النقابي.

9- متضامنة متكافلة:
في المعارك النقابية -ان جاز التعبير- التي تخوضها أي نقابة عمالية  تكون أحوج الى الدعم والمساندة من "رفقاء السلاح" من النقابات الأخرى وهو ما يسمى في العرف النقابي بالتضامن النقابي؛ هذا المصطلح الذي يكاد ينقرض من قامون العمل النقابي العمالي، فتترك كل نقابة لتخوض معركتها لوحدها ولا تجد لها سنداً وداعماً في مواجهة غطرسة ونفوذ بعض أصحاب العمل. ان النقابة العمالية تزداد قوتها بازدياد قوة النقابات الأخرى ولا يجب بحال من الأحوال أن يتحول التنافس الشريف بين النقابات الى تناحر و"تكسير للمجاديف"،، ضعفي سيزيدك ضعفاً وقوتك ستدعمني وتقويني.

10- تحسن استثمار الاعلام:
من المعروف والمشهور عن القيادات النقابية العمالية أن معظمها تعاني من "الاعلاموفوبيا" ، فهي لا تحب التواصل مع الاعلام ولا تحب أن يتواصل معها الاعلام وتفضل العمل بالخفاء، مما يجعل عموم أبناء المجتمع لا يسمعون أصلاً بالنقابات العمالية أو حقهم بالانتساب لها ومدى الفائدة التي ستعود عليهم ان هم انتسبوا وكانوا فاعلين في النقابات العمالية؛ وهنا نكون أمام سؤال صريح بعض الشيء : هل النقابات العمالية جادة حقاً في توسيع الانتساب النقابي أم أن بقاء الاعداد قليلة يروق للبعض؟!


 النقابات ومستقبل العمل
لا شك أن سوق العمل بعد كورونا سيختلف اختلافاً كلياً بعد كورونا؛ مما يعني اننا سنكون أمام انتقال " قسري " نحو مسقبل العمل الذي سيغير أشكال العمل حيث ستنقرض بعض أشكال العمل وسيحل محلها أشكالاً أخرى مختلفة شكلاً ومضموناً وتحتاج مؤهلات ومهارات مختلفة أيضاً؛ أي أنه صحيح سيكون فقدان العديد من الوظائف ولكن في المقابل سيكون هناك استحداثاً للعديد من الوظائف أيضاً حيث سيكون التحدي هو مدى المقدرة على الانتقال الآمن من أشكال العمل "المنقرضة" الى أشكال العمل المستحدثة، وهنا يكمن الدور المحوري للنقابات العمالية من تأهيل عمالها ليكونوا جاهزين لمستقبل العمل.
أما عن النقابات العمالية نفسها فهي الآن أمام تحدي مراجعة العديد من "ثوابتها" التي تتعلق بتعديل أنظمتها الداخلية لتكون أنظمة مرنة تستطيع استيعاب التطور السريع في سوق العمل وأشكال الوظائف الجديدة وآليات الانتساب، فلا يعقل على سبيل المثال أن تكون بعض الوظائف تعتمد اعتماداً كلياً على العمل عن بعد واستخدام التكنولوجيا ثم يطلب من العامل الذهاب الى موقع النقابة العمالية وتعبئة قسيمة انتساب ورقية ودفع رسوم الاشتراك نقدي!!!!
ان استحداث العديد من أشكال العمل سيضع النقابات العمالية أمام التصنيف المهني وامكانية المرونة في استيعاب هذه الأشكال في التنظيم النقابي الحر وممارسة حق المفاوضة الجماعية وابرام عقود العمل الجماعية.
ان عامل الوقت الذي تتقن العديد النقابات العمالية استخدامه لمعالجة أو "قتل" بعض التحديات النقابية والعمالية لم يعد بصالح هذه النقابات بعد الآن وان لم تحسن استثمار الوقت وتتمتع بالمرونة والانفتاح اللازمين ستجد نفسها تقف على قارعة الطريق وحيدة خالية من العمال وسيستحدث العمال وسائلهم الخاصة للتنظيم النقابي فالطبيعة لا تقبل الفراغ والمكان الذي لا تتقدم لاشغاله لن يستمر فارغاً بل سيتقدم غيرك ويملؤه.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020