كورونا وحديث الخوف .. سائد كراجة


ضرب الفيروس العالم الحديث في مقتلٍ، وإذا كانت الجوائحُ قديمة قدم المجتمعات؛ فإن لهذه الجائحةِ طعماً مختلفاً، فقد ضرب العالم وهو يختالُ بثورةِ التكنولوجيا والذكاء الصناعي، وكشف عن عوراتٍ هيكليةٍ في دولِ العالمِ التي تفاخرت بالثروة والمال والسلاح الذكي والسطوة الاقتصادية العلمية، ووحدَ في ضعفِ الحيلةِ والوسيلةِ بين دول العالم الأول والعالم الأخير، وكأنه يعلن في صلفٍ خبيثٍ فشلَ الإنسانِ وحضارته الحديثة، ويشككُ في هيكليةِ تفكيرِ الإنسانِ، وتوجهاتهِ التي اتخذها منذُ القرنِ الثامنِ عشر للآن.
ورغم الإجماع العالمي على أن العالم قبل كورونا لن يكون ذاته بعد كورونا، إلا أن الحديث عن تغير الفرد وإعادة النظر في منظومته الفكرية والأخلاقية والمعرفية قليلٌ، والواقع أن المشهد المحلي والدولي، ما زال يدللُ على أن النظام المعرفي البشري المسؤول عن الدرك الأسفل الذي وصلت له البشرية ما زال متبعاً، وأن الدول والأفراد ما زالت تتفكر وتفكر بذات آليات التحليل، ونفس النهج القديم القائم على المزاحمة، ونظرية الصفر الفيزيائية التي تقوم على أن ما يربحه الآخر شخصاً كان أو دولة أو جماعة هو خسارة لي، وأن دوري في الحياة هو منع الآخر من التحصيل والربح لأن ما يربحه ينقصُ من أرباحي.
والواقع أن لهذه النظرية جذورا تاريخية في نشأة الإنسان الأول الذي عاش فضاء من الخوف أمام بطش الطبيعة، وعظم الجهل، ذلك الخوف الذي شكل عنده غريزة «الكرّ والفرّ»، فهو أمام الملماتِ إما يقاتل ويقتل ويبدد او أنه ينسحب ويتبدى، والخوف شعور إنسانيٌ من خطرٍ محتملٍ، وآفةُ الفرد الخائف أنه يعيش في المصائب قبل وقوعها، وهو في حالة الخوف يتخلى عن قدراته العقلية والذهنية لمواجهة الخطر، فيواجهه بقلب رجف وعقل مضطرب.
ومع أن بعض الخوف هو طبيعة إنسانية مفهومة، إلا أن أفضل معالجةٍ له تكون في مواجهة أسبابه ذاتها، وفي التخلي عن توليد توقعات لما سيترتب عليه، وفي وقف التهليل لما هو قادم ومحتمل ومتوجَس، واستبدال ذلك بالانصراف إلى التفكير في آليات مواجهة الواقعِ بعقلٍ حاضرٍ وقلبٍ واثقٍ وفي تغيير التفكير ومراجعة الأنظمة المعرفية السائدة دولياً ومحلياً، دوليا له حديث آخر أما محليا فإن التحدي الأكبر اليوم هو التحدي الاقتصادي، أقول هذا وفي الذهن استمرار التحدي الصحي، ولكن الملِحَ اليومَ أن المواطن الذي تمت حمايته من الفيروس يحتاج استمرار أسباب الحياة الأخرى، وأهمها الأسباب الاقتصادية، وعلى الدولة أن تفهم أنها لا تستطيع إعالة الشعب، ومن المجدي لها أن تترك الناس يعيل بعضها بعضا بإفساح المجال لدوران العجلة الاقتصادية، وأن تتدخل في تعديل كافة القوانين والأنظمة اللازمة لضمان استمرار قدرة الناس على إدامة العجلة الاقتصادية، وأن يتركز دورها على حماية الفئات الأرقِّ حالا، فإن من يستطيع أن يعمل ويكسب قوته لا يترجى من الدولة المساعدة، وخاصة أن الدولة في وضع تحتاج المساعدة.
أوامر الدفاع المتعلقة بالعلاقة بين العامل ورب العمل مثالٌ على اتخاذ قرارات من فضاء الخوف، خوفٌ من تسريحِ العمالِ، ونحن الآن بصدد البلاغ الجديد بتعديل أمر الدفاع في محاولة لمساندة أصحاب العمل نوعاً ما، وبما يمنحهم إمكانية تخفيض رواتب العمّال، وهذا كله لن يجدي، يجب مواجهة الواقع والعمل على إعادة دورة الحياة الاقتصادية، مع ضوابط صارمة صحية، وهنا يأتي دور الدولة الحقيقي والفاعل في تفعيل الإجراءات الوقائية، والحقيقة أن حسَ التعاضد الذي سرى بين الناس في الأشهر الأولى للحظر هو الظاهرة الأردنية الأهم في هذه الأزمة، ولكن هذا التعاضد، لا يجوز أن يُختبر أكثر من اللازم، على الدولة أن تفتحَ جميعَ القطاعاتِ، وتراقبَ بصرامة تطبيق تعليمات التباعد والوقاية، وتتركَ لقانون العمل أن يحكم العلاقة بين العامل وربّ العمل، وتقدم الدعم للموظفين والعمال الأرقّ حالا، فقد قلناها ونعيدها حماية العمال هي في حماية الدورة الاقتصادية واستدامة العمل، والتوقف عن سياسة الدعم المؤقت، لأن هذا غير مستديم، فاهم علي جنابك؟

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020