ليس أمام موظفي القطاع الخاص اليوم، بعد لطف الله ورحمته الواسعة، إلا أصحاب المنشآت والشركات والمؤسسات التي يعملون بها. هم وحدهم الآن أمام اختبار مسؤوليتهم الاجتماعية نحو المجتمع الأردني الذي اهتزت أركانه قبل أيام بعد صدور التعديلات على أمر الدفاع رقم ستة.
هذا الأمر نعرف أنه ليس بسيطا، خصوصا مع الأوضاع التي يمر بها القطاع الخاص مؤخرا، رغم أن كثيرا من تلك الشركات والمؤسسات، إن أردتم الحقيقة، لم تتعرض لانتكاسات مالية كما تحاول أن تفصح عن نفسها. بل وكما سمعت من أحد رموز الاقتصاد في الأردن أن معظم تلك المؤسسات من المفترض أنها تملك موجودات رأسمالية ومدخرات ربحية تمكنها من تغطية أوضاع التوقف والحظر، لشهرين أو ثلاثة على أقل تقدير!
هذا هو ألف باء العمل الحر وقوانين الرأسمالية الاقتصادية. لكن وللأسف، كما نعلم، فإن ندرة من أصحاب العمل يتعاطون من نسب أرباحهم بتلك الطريقة، ويعتبرون أن ما ينقص من الربح الشهري هو خسارة لا تعوض، إلا بالتخلي عن الموظفين أو التقليل من رواتبهم أو البحث عن عمالة بأجور أقل.
علاقة الموظف بالمؤسسة الخاصة عموما جدلية وغير واضحة المعالم عندنا، ربما لأن كلا من الطرفين يتعامل مع الآخر بموجب عقود جافة صارمة ومقيدة. لهذا فإن الشركات والمؤسسات عامة في القطاع الخاص لا تمارس دورها المنوط بها في المسؤولية المجتمعية المنتظر منها، إلا في حدود الدعاية والإعلانات المدفوعة من أجل اقتطاع نسب ضريبية معينة. وفي المقابل لا يعتقد الموظف في هذا النوع من الشركات أنه مسؤول عن أي خسارة أو تعطل يطال العمل، طالما لا يشعر بأنه معني من الأساس في الأرباح!
في مرة كنت في زيارة لصديقتي رولا الدميري في مدينة أوروبية، أدخلتني أثناءها إلى أحد المولات الكبيرة ذات الطوابق الواسعة والكبيرة، التي تتسع لأصناف المواد الاستهلاكية جميعها تقريبا، من غيار السيارات مرورا بالملابس وإكسسوارات المنزل إلى المواد الغذائية. وهناك تعرفت على نوع مختلف من الاقتصاد الحر؛ هو أن جل موظفي المول من مديره العام إلى حارس الأمن هم أصحاب أسهم محددة في تلك المؤسسة التجارية الكبيرة. ولا يعمل أحد هناك إلا ويكون مالكا لجزء ولو بسيط، حتى يكون معنيا جدا في جلب الأرباح، والمحافظة على ديمومة الشغل.
بعد ذلك تعلمت وأنا غير الخبيرة بالمرة بشؤون الاقتصاد والمال، أن هذا الأمر موجود ومحبذ من قبل كثير من الشركات الكبرى في العالم. هذا الشأن إن لم أخطئ، يجبر الموظفين على تفهم الأوضاع المالية الاستثنائية للمؤسسة التي “ينتمي إليها”، ولا يكون قلقا أبدا على القادم من الأيام، فالخسارة والربح جماعيان.
يستحيل طبعا أن نطلب من مؤسساتنا الوطنية أن تفعل الشيء ذاته، لأسباب اجتماعية وفكرية وثقافية معروفة، تعتمد غالبيتها على طبيعة المؤسسة الأهلية العائلية. لكننا على الأقل وفي ظل ظروف صعبة “نكدة” يعيشها موظف القطاع الخاص اليوم، نطمح لأن تكون العلاقة مبنية على الأمان الوظيفي مقابل الالتزام والانتماء والتفهم.
الكرة اليوم في ملعب أصحاب الشغل غير المتضررين فعلا من الجائحة، وليس الذين يفصحون عن عكس ذلك. فقد آن الأوان لممارسة المسؤولية المجتمعية تجاه أفراد مؤسساتكم ولو لمرة واحدة!
إرسال تعليق