الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" .. حاتم قطيش
تعيش الحركة النقابية في الأردن حالة جفاء - بل قل خصام- مع الأحزاب مشكلين بذلك خطين متوازيين يسيران في نفس الاتجاه ولكنهما لا يتقاطعان الا اذا اقتنع أحدهما بتغيير طريقة مساره وتفكيره فتبدأ زاوية المسار تتقارب شيئاً فشيئاً ، ولكن الواقع -حتى الآن- لا ينذر بشيء من هذا القبيل بل قد تتغير الزاوية بطريقة معاكسة بحيث تزيد الهوة والمسافة بين هذين الركنين الأساسيين في المجتمع.
خصام غير مبرر
الباحث عن بدايات تأسيس النقابات العمالية على مستوى العالم أجمع يخلُص الى أن هذه النقابات هي نتاج عملية نضالية وثورة على الظلم والاستبداد وثمرة التمرد على سلطة أصحاب العمل وسيطرتهم وتحكمهم في تفاصيل حياة العمال فهي بذلك تشكل انعتاقاً للعمال من " العبودية " طلباً في الحرية.
ولعل كل هذه المفاهيم الجميلة والكلمات الرنانة هي جل حديث الأحزاب وسلعتها الأساسية ولغة خطابها المفضلة لاستقطاب الأحرار ورافضي التبعية والمناضلين والثوريين.
اذا كان الفريقان ينطلقان من مشكاة واحدة .. اذن لماذا كل هذا الخصام والجفاء؟!، اذا كان الفريقان يعانيان من الاقصاء ولا ينفكان عن ذرف دموع التهميش الذي يمارس ضدهما فلماذا لا يتعاونان؟!
المنطق البسيط والساذج يقول أن الحالة الطبيعية هي أن يجتمع الأحزاب والنقابات العمالية في خندق الدفاع عن الحريات ومحاربة الفساد والمحسوبيات والقضاء على الظلم والاستبداد .. ولكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها!!
حرب باردة
ان الحالة التي بين النقابات العمالية والأحزاب أشبه ما تكون بحرب باردة ترتكز على تشكيك كل طرف في نوايا الطرف الآخر والنتيجة هي خسارة الوطن لهذه العقول واهداراً لوقت وطاقات الطرفين في حروب جانبية تدلل على انحراف البوصلة.
أصبحت اللغة الدارجة في حديث الطرفين عن بعضهما هي لغة التشكيك والتي تعود بالفائدة على أشخاص محددين من كلا الطرفين يجيدان استخدام هذه اللغة لتنفير الناس من الطرف الآخر وبذلك نبقى ندور في حلقة مفرغة لا نصل معها الى نتيجة والخاسر مرة أخرى هو الوطن .. والوطن وحده.
سلاح انتخابي
اذا أردت أن تبحث عن الأسباب الحقيقية لهذا الخصام - الممنهج- فعليك البحث عن المستفيد من هذه الحالة غير الطبيعية، فالأحزاب على سبيل المثال تستغل هذه النقطة في برامجها الانتخابية وبحثها عن زيادة الانتساب وجذب الكوادر فتدغدغ مشاعر الطبقة العمالية المسحوقة بمهاجمة النقابات العمالية على اعتبار أن الأخيرة متماهية مع الجانب الحكومي وتشكل عبئاً اضافياً على العمال؛ وبذلك تروج بعض الأحزاب نفسها على أنها المنقذ الذي سينتشل هؤلاء العمال من قاع الظلم ويفك عنهم قيود الاستغلال ويحررهم من سلاسل التقييد الحكومي والنقابي لهم، وأنهم هم الأجدر والأقرب للنبض والمعاناة العمالية.
وفي الجانب الآخر يستغل بعض النقابيين النظرة التخوينية التي يحاول البعض الصاقها بالأحزاب من خلال استخدام اللغة المملة التي تتحدث عن الأجندات الخارجية، ويحاولون ترويج الصورة النمطية السلبية للأحزاب في نظر العمال؛ وبذلك يستفيد هؤلاء النقابيون من ابعاد أي شخص نقابي ذو انتماء حزبي لتبقى الساحة مفرغة لهم ولا تتأثر مصالحهم.
ولعل الصفة الغالبة لهؤلاء النقابيين هي قلة البضاعة النقابية وضعف الحجة وعدم الكفاءة وبذلك هم يدركون عبثية مجاراة خصومهم من النقابيين ذوي الانتماء الحزبي فيلجأون الى تشويه صورتهم وتخويف الناس منهم والصاق تهم التخوين بهم !!
أمثلة سلبية مبررة
ان من أبرز مبررات النقابات العمالية في نظرتها السلبية الى الأحزاب هي الأمثلة الواقعية الموجودة التي تؤكد مخاوف هذه النقابات من سعي الأحزاب الى السيطرة على النقابات العمالية ليس من أجل الدفاع عن حقوق العمال وتمكينهم كما تدعي بل لأن هذه الأحزاب تبحث عن منابر جديدة تنفذ من خلالها أجنداتها وتروج لبرامجها.
ولعل ما يحدث في النقابات المهنية من صراع بين الأحزاب وحالة الاقصاء المتبادل بين الأحزاب لبعضها عند سيطرتها على هرم النقابات المهنية يدفع باتجاه مخاوف النقابات العمالية، فعندما تسيطر القائمة البيضاء على النقابات المهنية تتوشح هذه النقابات باللون الأبيض وتتجه نحو القضايا السياسية ذات الأولوية بالنسبة للاسلاميين وتصطبغ كوادرالنقابات المهنية بالصبغة الاسلامية، والعكس يحدث عندما تسيطر القائمة الخضراء على النقابات فتبدأ النقابات بالاصطباغ باللون الأخضر وتتراجع قضايا ذات الأولوية عند الاسلاميين وتحل محلها القضايا ذات الأولوية عند اليساريين وتتبدل أشكال موظفي مجمع النقابات .. وهكذا دواليك .
ومن بين حالة الاقصاء المتبادلة والمتعاقبة وتناقض الموقف السياسي للنقابات المهنية حسب أجندة الحزب المسيطر على النقابات؛ قد يتساءل سائل : أين القضايا التي من أجلها أنشئت هذه النقابات؟؟!!
مصالح متقاطعة أم ايدلوجيات متناحرة
اذا كانت الأحزاب تتهم الدولة بالتهميش والاقصاء والتغريب عن المجتمع وعدم التقبل، فإن هذه الأحزاب تمارس هذه الاتهامات ضد بعضها وتتناحر فيما بينها بسبب الاختلاف الايدلوجي بينها، ففي الوقت الذي يتوجب على هذه الأحزاب البحث عن نقاط الالتقاء والمصالح المشتركة والمتقاطعة لخدمة الوطن ودوائر القضايا المشتركة بينها كأحزاب؛ الا ان الواقع يقول غير ذلك فتطفو على السطح الخلافات الايدلوجية وتتبارز بتباين المواقف السياسية وتتقاذف التهم الكيدية .. لتغيب وسط كل هذه المعمعة المصالح الجمعية والنظرة الشمولية والمواقف المبدأية.
الأمثلة الواقعية الموجودة في الشارع الأردني للأسف تدفع باتجاه تكريس حالة الخوف من سيطرة الأحزاب على النقابات وكما هو الخوف من انحراف النقابات العمالية من الحالة الثورية والنضالية للعمال وارتكانها الى الدعة والسكون والدوران في فلك الحكومة؛ أيضاً هناك تخوفات محقة من انحراف هذه النقابات لتكون مجرد منبراً لتنفيذ برامج الأحزاب السياسية وترويج توجههم الايدلوجي واستخدام العمال كورقة انتخابية.
نقابيون حزبيون لا نقابات حزبية
من بين كل هذه التناقضات يمكن لنا النظر بايجابية وتكوين لوحة فسيفسائية واستحداث تجربة نقابية عمالية جديدة دون الحاجة الى استنساخ تجارب النقابات المهنية والصراعات الحزبية.
فمن ناحية نجد أن النقابي ذو التجربة الحزبية يعتبرمؤهلاً أكثر من غيره كونه يؤمن بالعمل الجماعي ويمارسه وقد خضع - في الغالب- الى تأهيل وصقل لمهاراته ومارس النضال السلمي ترسخت في ذهنه معاني الحرية ويرفض مبدأ التبعية، وهي الأمور التي يحتاجها النقابي الحر للارتقاء بالنقابات والدفاع عن الحريات والحقوق العمالية.
في رأيي من غير المقبول أن يكون النقابي الذي يتصدر المشهد لا يملك رؤية خاصة وموقفاً سياسياً، ولكن من ناحية أخرى لا يجوز له أن يفرض هذه الرؤية على النقابات ويستخدمها كوسيلة للدفع باتجاه هذه الأهداف. فنحن نريد نقابات عمالية حرة مستقلة، لا يكفي أن تكون مستقلة عن التدخلات الحكومية بل يجب أن تكون مستقلة وبعيدة عن تدخلات الأحزاب أيضاً، فالنقابات العمالية يجب أن تقود لا أن تقاد.
شاهد أيضاً:
إرسال تعليق