عاملون بالقطاع الخاص: نبحث عن أمان مواز للوظيفة الحكومية


تغريد السعايدة (صحيفة الغد )
عمان– إجراءات حكومية “اقتصادية” متتالية طالت مختلف القطاعات العاملة في المملكة خلال جائحة “كورونا”، إلا أن غالبية الآثار “السلبية”، بحسب متضررين، ألقت بظلالها على العاملين في القطاع الخاص، الذي بات العامل فيه متأرجحا في مشاريعه الحياتية جراء فقدان الأمان الوظيفي والخصومات المالية “المفاجئة”.
“الحمد لله أني أعمل في إحدى الوزارات، ولم يخصم من راتبي الشهري أو أخسر وظيفتي”، بهذه الجملة رد الموظف ضياء محسن عندما علم من أحد أصدقائه أن الإجراءات طالت راتبه، بخصم وصل لغاية 50 %، ولم يتجاوز راتبه الحالي بعد الخصم 220 دينارا فقط، وهو الحد الأدنى للأجور.
ويقول ضياء إنه يعمل في القطاع العام منذ ما يقارب 8 أعوام، وكان يرى أن العمل في القطاعين الخاص والعام على حد سواء “متماثل”، إلا أنه بعد هذه الظروف الاستثنائية، والتذمر المستمر من قبل صديقه، اكتشف أن الوظيفة الحكومية كانت وما تزال الملاذ الآمن للاستقرار الوظيفي، فلا يقف الآن حائراً، ولا متأثراً من خصومات قد يفرضها رب العمل، كما في القطاع الخاص.
وعلى الرغم من أن الحكومة الأردنية قررت في بداية التبعات الاقتصادية لأزمة كورونا أن تؤجل زيادات رواتب القطاع العام المخصصة في ميزانية 2020 حتى نهاية العام، لتخفيف الضغوط على موارده المالية من تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد.
إلا أن ضياء يراها “أقل الخسائر”، على حد تعبيره، والعديد من زملائه، كما يوضح، ويضيف “الوظيفة ثابتة والزيادة حق.. ولو بعد حين.. وهذا أمان كاف في المرحلة الراهنة”.
غير أن معاذ، الذي أنهى دراسة المحاسبة ويعمل “كاشير” في إحدى المؤسسات الكبرى، فقد تم خصم ما يزيد على 100 دينار من راتبه “المتواضع”، ويشعر بالاستياء الكبير، لكنه بالوقت ذاته لا يستطيع تقديم استقالته الآن، كونه على يقين بأنه لن يجد وظيفة أخرى، مهما كانت الظروف.
وهو ما يعزز لديه فكرة “أن الوظيفة الحكومية تبقى المأمن، مهما اختلفت القناعات والتوجهات التي تتحدث بالتوازن ما بين القطاعين”، وفق قوله.
معاذ يعترف أنه لغاية ما قبل كورونا كان يجد نفسه متفائلاً ومتحمساً للعمل في القطاع الخاص، وأن يبدأ سلم التحديات درجة درجة، ويصل طموحه إلى مراتب وظيفية مناسبة وراتب “محترم”، إلا أن ما حدث معه خلال الفترة الحالية حطم الكثير من آماله.
وبات يؤمن بما كانت المعتقدات الاجتماعية التقليدية ترسخه في الأذهان وهو “حلم الوظيفة الحكومية”.
وبحسب التقرير السنوي للعام 2018 والصادر عن ديوان الخدمة المدنية، فإن عدد الموظفين العاملين في القطاع العام في الأردن بلغ 222379 موظفاً وموظفة، من بينهم 103675 موظفة وبنسبة بلغت 46.6 %,.
فيما كانت نسبة مشاركة النساء في الوظائف العامة 45 % خلال العام 2015 حيث شغلن 99008 وظائف من مجمل الوظائف العامة البالغ 220086 وظيفة.
أخصائي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، يذهب إلى أن الأعوام العشرين الأخيرة، شهدت توجها عاما وسياسات على مستوى العالم والأردن في توجيه الشباب نحو القطاع الخاص الذي شهد أيضاً نموا واسعا للقطاع وريادة الشباب والأعمال.
وياتي ذلك في الوقت الذي أصبح فيه القطاع العام يعاني من تضخم وتوقف التعيين فيه، لوجود أعداد كافية فيه، وتبلورت النظرة من القطاع الخاص إلى القطاع العام، بأن موظف الحكومة يحصد دخلا ثابتا.
إلا أن جائحة كورونا أظهرت أن هناك توجها جديدا أكثر للقطاع العام، كونه أعاد الثقة بالقطاع، كما يشير جريبيع، الذي تصدى لمواجهة كورونا، وخاصة من موظفي الوزارات الخدمية.
وأصبح القطاع العام يواجه التحديات من تأثير كورونا نحو القطاعات باعتبار أن القطاع الخاص تأثر كثيرا، وتعثرت العديد من الشركات.
وأثرت على الموظفين من ناحية الرواتب غير المستقرة وغير المنتظمة، وأمسى كثيرون منهم بدون راتب بعكس موظفي القطاع العام، فحتى وإن كان عدد منهم متعطلا لم تتأثر رواتبهم الشهرية.
ويضيف جريبيع أن القطاع الخاص بدأ فعلياً بالتأثر بمرحلة ما قبل كورونا، إلا أنها زادت فيما بعد، في ظل عالم غير مستقر، ووقوع الأردن وسط محيط غير مستقر أيضا.
ومع وجود اللاجئين كذلك والمنظمات الدولية التي أصبحت تعطي الأولية للعمل للاجئين كونها موجودة لخدمتهم، وأمام هذه الاعتبارات أصبح تغيير النظرة نحو القطاع العام واجبا، بعدما استعاد جزءا من قيمته وقدرته على مواجهة التحديات.
وفي ظل كورونا وابتعاد مؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، وفق عايش، تولى القطاع العام المهمة وواجه التحدي، فأصبحت النظرة للموظف أكثر إيجابية، عدا عن الاستقرار في نظرتنا المجتمعية الذي يزيد القيمة المعنوية لديه، وكنوع من السلطة وجزء من ثقافتها.
وجائحة كورونا، وفق أخصائي علم الاجتماع الاقتصادي حسام عايش، جاءت لتكرس استقرار العمل في القطاع العام، والإجراءات الحكومية المتلاحقة حتى بعد العودة إلى العمل منحت القطاع العام مكانة مختلفة.
ويقارن عايش ذلك مع القطاع الخاص، بل ووفرت حماية للعاملين في هذا القطاع من المشكلات التي بدأ العاملون في القطاع الخاص يتأثرون بها، وجعلت من يدخل القطاع العام آمنا.
ويضيف “أما من يعمل في القطاع الخاص فعليه أن يتحمل ما يقره أصحاب العمل بموجب أوامر الدفاع أو تبعاته، والذي أوجبه التعامل مع أزمة كورونا، التي كان من ضحاياها موظفون من القطاع الخاص”.
وبالتالي، فإن تفكير الأفراد بالسعي إلى التوجه نحو القطاع العام يعد صائبا، بحسب عايش، بالنسبة لطالبي العمل وفق ما تم من معطيات، فهو أكثر أماناً واستقراراً، وأقل متطلبات في إنجاز الوظائف.
خاصة أن التصريحات الحكومية الأخيرة أظهرت أن القطاعات العامة تستطيع العمل بما نسبته 30 % من الموظفين، ما أظهر وجود البطالة المقنعة، بيد أن الأمان الوظيفي لهم متوفر ومستقر.
ويعتبر عايش أن القطاع العام يمنح الجنسين من العاملين الامتيازات ذاتها، وهذا قد يختلف في القطاع الخاص، لذا، يبقى العمل في القطاع العام أكثر جذباً.
ومن هنا يتبين لنا من مواجهة كورونا أن من يعاني الآن هم موظفو القطاع الخاص سواء للتسريح وتخفيض الراتب، أو عدم اليقين بشأن مستقبلهم الوظيفي.
ويشدد عايش على أن كورونا أثبت بشكل واضح وجلي أن القطاع العام هو الذي يحظى بالعناية الحكومية لأنها هي التي تمثل هذه القطاع، والقطاع الخاص مطلوب منه أن يقوم بواجبه ويدفع الرواتب التي تتراكم عليه.
معولا  على العاملين لديه، وكي يكون قادرا على الاحتفاظ بهذه العمالة، ولو أدى ذلك إلى تخفيض الرواتب أو تقليل الإمكانية لزيادة الدخل على هذا الأساس في ظل الإجراءات الحكومية المتتالية.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020