البداية كانت عند منتصف أيار من العام 2019، عندما دخل قرار “صرف المستحقات المتعلقة بالاشتراك المزدوج”، حيز التنفيذ، ذلك القرار الذي اتخذته المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي “خلسة”، من دون أي “جعجعة”، كعادتها وباقي مؤسسات الحكومة، عندما يكون الأمر فيه نوعا ما لصالح المواطن.. لتقم بعدها بفترة وجيزة بصرف نسبة من مدخرات “التعطل عن العمل”، ويصل المبلغ المالي المترتب على هذين القرارين إلى أكثر من 150 مليون دينار، هذا طبعًا حسب تصريحات مسؤولي “الضمان”.
ثم تبع ذلك، تخفيض اشتراكات الضمان الاجتماعي خلال أزمة فيروس كورونا المستجد، التي كلفت نحو 120 مليون دينار، ناهيك عن 110 ملايين دينار كلفة إجمالية لبرامج دعم تدعي المؤسسة أنها قدمتها خلال الجائحة، التي قاربت مدتها الخمسة أشهر… ليخرج علينا بعدها رئيس الوزراء عمر الرزاز، يوم الأحد الماضي، بإصدار أمر الدفاع رقم 15، الذي يتضمن التوسع في الشريحة المستفيدة من برامج الضمان الاجتماعي الجديدة، ليشمل العاملين في القطاع العام.
ورغم إيجابية هذا “الأمر”؛ حيث سيعود بنفع آني على موظفي الجهاز المدني، إلا أن سلبياته كثيرة، أهمها استنزاف أموال مؤسسة الضمان، التي هي بالأصل أموال الشعب الأردني، والحكومة مسؤولة عنها وعن حمايتها.
مدير عام “الضمان”، حازم الرحاحلة، يُصرح “مختالًا” بأن هناك “225 ألف موظف في القطاع العام، لا تتجاوز رواتبهم 700 دينار شهريًا، يستطيعون الاستفادة من أمر الدفاع 15”.
يتباهون ويتفاخرون بإنجاز، هو في الأصل من حق أي مواطن، بأن المشترك بـ”الضمان” بإمكانه الحصول على سلف مالية تصل إلى 200 دينار، تُسدّد عند تقاعده من دون ترتيب أيّ فوائد على هذه السلفة.
لكنهم يخجلون، أو لا يستطيعون، البوح بما سيترتب على “المشترك” في حال تخلف عن تسديد أي قسط من أقساط تلك السلفة. هل سيتحمل كامل القسط مع فوائد التأخير والغرامات والمبالغ الإضافية؟، وهل سيكون هناك فوائد قانونية مستحقة على القسط؟
وللقارئ أن يتخيل، إذا ما تم ترتيب فوائد قانونية وأخرى بدل تأخير وغرامات، كم يصبح المبلغ المالي المترتب على قرض قيمته 200 دينار بعد عشرة أو خمسة عشر عامًا من الآن.
كان بإمكان “أمر الدفاع 15”، أن يحوي إيجابيات كثيرة، لو تم إخراجه بطريقة أو آلية تميل نحو مصلحة المواطن (الموظف) على حساب التجار أو أصحاب الشركات والمؤسسات والمصانع.. فما الذي يضير لو أن هذا “الأمر” ألزم صاحب المنشأة، بطريقة أو أخرى، بعدم الاستغناء عن أي موظف، ليس فقط الفترة الحالية، ولكن حتى خلال الفترة المقبلة، لقاء تسهيلات وإعفاءات واسعة منحها “الدفاع 15” لشركات ومؤسسات القطاع الخاص، ترتبت عليها مديونية لمؤسسة الضمان.
حكومة النهضة، تكون دومًا “كريمة” في التعامل مع شركات ومؤسسات القطاع الخاص، ولا تدخر قرارا أو إجراء إلا وتكون نهاياته تصب في صالح هذه الفئة.. وما يؤكد ذلك قول الرئيس الرزاز إن ذلك “هو ثمرة لحوارات عديدة أجريت خلال الأسابيع الماضية مع شركائنا في القطاع الخاص”.
لكن الحكومة، لا تكون “كريمة”، بل عكس ذلك تمامًا، عندما يتعلق الموضوع بالمواطن؛ حيث تقوم بإلهائه بـ”فتات” من الأموال، هي في الأصل أمواله وحقه وتعبه وشقاه.
ويبقى القول، لمصلحة من يُراد استنزاف أموال مؤسسة الضمان؟، التي تدعي في كل حدث بأن أولويتها حماية التأمينات الاجتماعية للمواطن.
إرسال تعليق