إن الأثر الاقتصادي الأكبر والأهم لجائحة كورونا كان على سوق العمل وعلى الموظفين والعاملين في القطاعات الاقتصادية التي تأثرت بشكل كبير نتيجة الاغلاقات التي تمت منذ تاريخ 18/3/2020 وتوقفها القسري عن العمل، الأمر الذي يتوقع له أن يفاقم مشكلة البطالة عند ظهور معدلاتها للربع الثاني من هذا العام وللعام كاملا في نهايته، فقد واصلت مستويات البطالة ارتفاعها للسنة السادسة على التوالي، مرتفعة من 11.9 % العام 2014 لتصل الى 19 % العام 2019 وإلى 19.3 % في الربع الأول من هذا العام، وذلك بعد أن كانت شبه مستقرة حول معدل 12 % طوال الفترة 2008-2013. ويعتبر هذا المستوى من معدلات البطالة هو الاعلى منذ 28 عاما. فسواء تحدثنا عن معدلات البطالة بين الذكور أم بين الإناث، أو بين المحافظات أو بين مختلف التخصصات، فهي معدلات مرتفعة بكافة المعايير والمقاييس. فقد بتنا أمام مشكلة اقتصادية مستعصية ذات آثار اجتماعية وخيمة وكبيرة، كونها تمس حياة شريحة واسعة من المواطنين والأسر الاردنية المنتشرة في مختلف مناطق ومحافظات المملكة، فالقلق هو أن تضغط الارتفاعات الحاصلة في معدلات البطالة على مجتمع الشباب، مما يزيد لديهم من أسباب العنف والانحراف والجريمة، لا سمح الله.وتشير هذه النسبة (19.3 %) الى أنه من بين كل عشرة أشخاص باحثين عن العمل في الاردن هناك شخصان غير قادرين على ايجاد وظيفة، بعد أن كان هناك شخص واحد لا يمكنه ايجاد وظيفة من بين كل عشرة أشخاص تقريبا باحثين عن العمل قبل عشر سنوات، ويتوقع لمعدلات البطالة أن تصل الى 22 % مع نهاية العام 2020، نتيجة الاغلاقات التي أدت الى كبح العرض والطلب معا، مما تسبب بتعثر الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة وأدى الى استغنائها عن عمالها وموظفيها على الرغم من التدخلات والاجراءات الحكومية المتخذة أثناء فترة الاغلاق.
ومن المعلوم أن تركيبة القوى العاملة من الأردنيين تنقسم إلى 40 بالمائة في القطاع العام من مدنيين وعسكريين وحوالي 60 بالمائة في القطاع الخاص، وأن نصف العاملين في القطاع الخاص يعملون في القطاع الخاص المنظم (أي المشتركون في الضمان الاجتماعي) في حين أن النصف الآخر يعملون في القطاع الخاص غير المنظم وغير المحمي، وليس لديهم رواتب تقاعدية أو تعطل عن العمل أو أي منظومة حماية اجتماعيّة.
ومن الجدير بالذكر أنه لا توجد حتى الآن دراسة شاملة تقييمية لأثر جائحة كورونا على سوق العمل الأردني، باستثناء الدراسة التي نشرتها منظمة العمل الدولية على الفئات الضعيفة في سوق العمل الأردني بمن فيهم الأردنيون واللاجئون السوريون والنساء والعمال في الاقتصاد غير المنظم. وقد أشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من نصف المستطلعة آراؤهم (47 %) الذين كانوا يعملون قبل الاغلاق، أصبحوا عاطلين عن العمل حاليا. ومن بين هؤلاء، تم فصل 13 % بشكل دائم، في حين تم تسريح 18 % بشكل مؤقت، و16 % في إجازة مدفوعة الأجر، كما ان ثلث السوريين الذين شملهم الاستطلاع كانوا يعملون في وظائف قبل الأزمة فقدوا وظائفهم بشكل دائم، مقارنة بـ17 % من الأردنيين الذين شملهم الاستطلاع.
وفي ظل هذه الحقيقة فإننا ندعو الحكومة والجهات ذات العلاقة الاخرى الى ضرورة اجراء مسوحات شاملة لدراسة الآثار الحقيقية لجائحة كورونا على سوق العمل الاردني للوصول الى أرقام ونسب حقيقية عن حجم حالات الاستغناءات عن العمل أو التخفيضات في أحجام العمالة في مختلف القطاعات وعن التغيرات الهيكلية التي برزت في مختلف القطاعات الاقتصادية والتي أثرت مباشرة على معدلات البطالة. كما أننا نرى أن هناك ضرورة ملحة لتحديث وتفعيل الاستراتيجية الوطنية للتشغيل بهدف تسطيح منحنى البطالةflattening the unemployment curve والتخفيف من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على الاقتصاد والمجتمع الاردني. حمى الله العامل الأردني.
إرسال تعليق