في ظل الجائحة، خسر عشرات الملايين حول العالم وظائفهم، وبات العمل عن بعد خيارا لكثير من الشركات والمؤسسات، ما منحها فرصة لتخفيض أعداد كوادرها. في الأردن حدث الشيء نفسه، ولكن الصورة أكثر سوداوية بالتأكيد، فنسبة البطالة كانت قبل الأزمة 19,2 %، أي حوالي 475 ألفا من تعداد سكان بلغ 10.625 مليون نسمة، بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة. اليوم، نظن أن النسبة الحقيقية تجاوزت هذه الأرقام.
في سوق صغيرة ومحدودة مثل السوق الأردنية، تبدو المشكلة مركبة، فموازنة الدولة محدودة وغير قادرة على زيادة الإنفاق الرأسمالي من أجل رفع الناتج المحلي، وتخليق فرص عمل للمتعطلين، وكذلك يبدو أن قدوم الاستثمارات الخارجية سيتوقف في الوقت الراهن إلى حين التخلص من الجائحة.
الأمر يبدو أشد قتامة اليوم بعد تراجع الأسواق العالمية، وعدم اليقين الذي يسيطر على قطاعات المستثمرين، وأيضا تراجع إنفاق الأسر، ما يهدد بانكماش عالمي ستعاني منه الدول جميعها، ولكن تأثيره على الاقتصادات الصغيرة سيكون أشد وطأة.
لذلك، نقول إنه حتى لو استطاع الأردن أن يرفع نسب الإنفاق الرأسمالي في الوقت الراهن، فإن ذلك لن يكون حاسما في شأن خفض نسب البطالة، والتي تحتاج إلى سنوات طويلة لإعادتها إلى معدلات «مقبولة»، في حين أن ما يحدث اليوم هو تغير الثقافة المجتمعية بسرعة لافتة نحو تحولات، بعضها لم يكن موجودا منذ أشهر قليلة، بينما تحولات أخرى امتدت على مدى عقود حتى استتبت على الصورة الموجودة عليها اليوم، وبالتأكيد هناك ما يتعلق منها بالتعليم.
بنظرة سريعة إلى الوراء، سنجد أنه ومنذ مطلع التسعينيات، بدأت الفجوة بالاتساع بين من يستطيعون دفع كلف التعليم، ومن لا يستطيعون ذلك، بينما كانت تلك الفجوة موجودة في الأساس بين من يستطيعون دفع كلف تعليم جيد ونوعي، ومن يقبلون بالحد الأدني أو المتوسط. اللافت اليوم هو تنازل الأسر عن الرغبة في حصول الأبناء على تعليم نوعي في مقابل تخفيف الكلف المالية المترتبة عليها في ظل الجائحة، مع توقع انتقال عشرات آلاف الطلبة من المدارس الخاصة إلى الحكومية، وفق خبراء تربويين.
هذا الأمر، سيكون له تأثيراته وارتداداته الكبيرة على التحصيل الأكاديمي لطلبة المدارس أولا، وثانيا على التخصصات التي سيذهب إليها آلاف الطلبة المحظوظين الذي يستطيعون تحصيل مقعد جامعي خلال السنة الحالية مع معدلات متفجرة لم يشهد الأردن لها مثيلا من قبل.
سوف نشهد العام الحالي ازدهارا كبيرا في دخول الطلبة إلى جميع التخصصات، بما فيها من راكدة ومشبعة، وبالقطاعين الجامعيين؛ الحكومي والخاص، ما سيرفع بالتأكيد من أعداد العاطلين عن العمل، بسبب التخصصات التي أقدموا على دراستها.
خلال الأسابيع الماضية، جادل أكاديميون ومختصون، بأن الجامعات لا شأن لها بالتشغيل، فمهمتها الأساسية هي تعليم الطلبة، ومنحهم فهما مقبولا في التخصصات التي انتهجوها. يبدو هذا المنطق سقيما إن نحن أخضعناه للحالة الأردنية، فغالبية الطلبة الدارسين لدينا ليسوا من الوافدين من الخارج لنقول بأن مهمتنا تعليمهم فحسب، بل هم من الأردنيين، والذين سيبحثون عن فرصة مقبولة للعمل فور تخرجهم. لذلك، ينبغي ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل، وردم الهوة الكبيرة بين طرفي هذه المعادلة، بما في ذلك تجفيف التخصصات المشبعة والراكدة.
ورغم أهمية الإقدام على مثل هذه الخطوة في الوقت الراهن، إلا أننا نعترف كذلك، بأنه حتى في هذه الحالة، فستبقى البطالة مرتفعة لدينا إلى ما شاء الله، فكما قلنا فإن الأردن سوق صغيرة، وقد اعتمدت على الدوام على تصدير الكفاءات العلمية إلى دول الإقليم. لكن وفي ظل الانكماش الاقتصادي الذي يشهده العالم كله، فإنه لا حظوظ كبيرة للخريجين الأردنيين في الخارج.
اليوم، نعيش حالة غير مسبوقة. الدول مطالبة بأن تبني استراتيجيات جديدة خاصة بها في جميع المجالات الحيوية، فمع إغلاق الحدود، والتشديد على الانتقال من دولة إلى أخرى، ينبغي لنا أن نستثمر في التعليم القائم على الإنتاج والتشغيل، وهو باب واسع من التخصصات التي يمكن لها أن تتجاوز عن كثير من التحديات التي نواجهها في الأردن، مثل مشاكل المياه والأراضي الزراعية والبيئة، وكذلك الاستثمار في علوم المستقبل التي ستكون مطلوبة في أي وقت وأي مكان. أما الكليات التي تمنح شهادات لتعليقها فوق الجدران، فينبغي التفكير جديا بوقف استقبال الطلبة فيها إلى إشعار آخر.
في ظل ما ذكرته أصبح من الضروري اللجوء إلي الدراسة في جامعة معترف بها دوليا لتتمكن من العمل في الدول التي توفر فرص عمل وإقامة متميزة مثل الامارات
ردحذف