الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
10-9-2020 - تحدثت بتاريخ 12-11-2021
الاستحقاق النقابي الذي يتجدد بداية كل دورة نقابية هو انتخاب الهيئات الادارية لالنقابات العمالية ، والذي يعيد بعض الحيوية والحراك النقابي المؤقت في هذه النقابات وسيضطر بعض القيادات النقابية الى الخروج من حالة العزلة والاحتجاب عن العمال بهدف التواصل مع أكبر عدد ممكن من العمال لاقناعهم بجدوى انتخابهم من جديد، وعادة ما يستجيب العمال لدعوات هؤلاء النقابيين دون حتى مطالبتهم بتقارير مفصلة للدورة النقابية السابقة والاضطلاع على أوجه صرف أموال النقابات طوال الخمسة سنوات الماضية!!
حالة بائسة وعمال محبطون
الواقع المؤلم هو أن الهيئات العامة للنقابات العمالية لا تتوفر لديها الحماسة الكافية لمتابعة أخبار انتخابات نقاباتها، عدا عن أن معظم النقابات العمالية قد قامت بتشكيل هيئاتها الادارية عن طريق التزكية دون أدنى اشارة للانتخابات النقابية في اي من المواقع الرسمية للنقابات العمالية، ناهيك عن التعديلات الجائرة التي تمت على الأنظمة الداخلية للاتحاد العام والنقابات العمالية والتي تمت بشكل سري ودون اطلاق حوار اجتماعي حولها بالاضافة لكون هذه التعديلات تأتي بشكل ينتقص من العدالة وتكافؤ الفرص وتتعارض مع حرية التنظيم النقابي وتُقصي طيف واسع من منتسبي النقابات العمالية!!!
ان حالة الاحباط التي تتملك صفوف العمال مبررة نوعاً ما وليس هناك ما يدفعهم للحماسة أو الشعور أن الانتخابات المقبلة ستتمخض عن تغيير ملحوظ لا سيما وأن المتربعين على سدة قيادة النقابات العمالية هم نفس الأشخاص وأن الحالة العامة للنهج النقابي لا تنبئ بأن هناك نية للتغيير.
نقابات هرمة واقصاء ممنهج للشباب
لطالما وُصفت النقابات العمالية بأنها نقابات هرمة، فمن ناحية الأداء هي لا تزال حبيسة الأداء الكلاسيكي القديم وتتمنع عن تحديث الخطاب والأدوات النقابية الهرمة والتي لم تعد تؤتي أكلها؛ ومن ناحية أخرى فإن القيادات النقابية المخضرمة هي قيادات هرمة جلها قد غادر سوق العمل منذ زمن وينتمي حالياً لفئة المتقاعدين بل ان بعضهم ينتمي أيضاً لفئة أصحاب العمل، كما أن التعديلات التي تمت مؤخراً على الأنظمة الداخلية للنقابات العمالية تحول دون تمكين الشباب وتكرس لبقاء كبار السن والمتقاعدين جاثمين على صدور العمال لسنوات طويلة.
ان هؤلاء المحاربين القدامى قد قدموا ما بجعبتهم من خبرات وأفكار وابداع ولا بد أنهم وبعد مضي عشرات السنين على توليهم قيادة النقابات؛ لا بد أنهم قد استُنزفوا وقدموا كل ما يستطيعون وقد آن الأوان لهؤلاء الفرسان أن يترجلوا ويفسحوا المجال لفئة الشباب لتولي دفة قيادة النقابات العمالية نحو مستقبل العمل وأشكال العمل المستحدثة والجديدة والتي تتطلب بلا شك رؤية وأدوات نقابية غير تقليدية.
أنظمة داخلية تعيق وصول الشباب للقيادة
ان من أحد أهم معيقات وصول الشباب لقمرة قيادة النقابات العمالية هو الأنظمة الداخلية لهذه النقابات ففي الوقت الذي تحظر هذه الأنظمة على من هم دون سن الثالثة والعشرون الترشح لانتخابات النقابة، تجد أن أحد شروط الترشح لرئاسة الاتحاد العام هو أن يكون المرشح قد أمضى خمس سنوات رئيساً للنقابة على الأقل!! ، بمعنى أن الشاب لا يمكن له أن ينافس على قيادة نقابته الا اذا أوفى الثالثة والعشرون من عمره وفي أحسن الأحوال اذا تم انتخابه رئيساً للنقابة لن يستطيع الترشح لرئاسة الاتحاد الا بعد مضي خمس سنوات؛ لذا فإنه يتوجب عليه الترشح والفوز مرة أخرى برئاسة النقابة وسيكون عمره ثلاثون عاماً في أحسن الأحوال وفي حال نجاحه في رئاسة الاتحاد سينهي الدورة الانتخابية عن عمر ينهاهز خمس وثلاثون عاماً وهي السن التي يغادر فيها مرحلة الشباب!!! ، مع التأكيد أن هذا المثال هو من وحي الخيال وليس مثالاً واقعياً ولم يحصل من قبل على الاطلاق، وهذا ما يفسر أن معدل أعمار رؤساء النقابات العمالية يتجاوز 60 عاماً وهو السن الذي تصفه التشريعات بأنه سن الشيخوخة والذي يترك فيه الشخص مسمى "عامل" ويحمل مسمى "متقاعد".
ان من المفارقات العجيبة والمضحكة في هذه الأنظمة والتشريعات هو أن قانون العمل يتيح لمن بلغ 21 عاماً أن يؤسس نقابة ولكن وحسب النظام الموحد للنقابات العمالية لا يحق له أن يترشح لعضوية الهيئة الادارية للنقابة التي أسسها الا اذا بلغ 23 عاماً!!!!
عمل نقابي شبابي بادارة الكهول
بسبب اعاقة الأنظمة انخراط الشباب من جهة واحجامهم وعزوفهم بل واقصائهم من جهة أخرى، وبسبب ضرورة ان تكون لهذه النقابات هياكل تعنى بالشباب وتمثلهم في المحافل العربية والدولية فيضطر الكهول من النقابيين بادارة العمل النقابي الشبابي وتمثيل فئة "الشباب"، فتجد لجان الشباب جل أعضاءها لا ينتمون الى فئة الشباب أصلاً!!
ان العقلية الأبوية وعقلية الوصاية على الشباب والتعامل معهم على أنهم قاصروا الفكر رعناء التصرفات لن يرتقي بالعمل النقابي ولن يسمح بضخ دماء جديدة في شرايين الحركة النقابية تقيها من خطر التجلط وستبقيها في حالة الموت السريري.
همة الشباب وخبرة الشياب
قد يظن البعض في غمرة حماستي في الحديث عن اتاحة المجال للشباب في أخذ استحقاقهم ودورهم الطبيعي في قيادة المنظمات العمالية التي ينتمي أغلب منتسبيها الى فئة الشباب أن في ذلك انحيازاً لهذه الفئة وانتقاصاً للقيادات النقابية التاريخية وتنكّر لتاريخهم الطويل، والصحيح أن الواقع غير ذلك تماماً فاعتقادي أن الحركة النقابية بحاجة الى تلاقح خبرة النقابيين القدامى ولكن بهمة وابداع الشباب وأن تكون العلاقة بين الفئتين علاقة تكاملية تعاونية للارتقاء بالحركة النقابية وليست علاقة تنافسية تنافرية تستنزف الطاقات النقابية في وطيس النزاعات الداخلية " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ".
اننا إذ نوقر كبارنا وخبراءنا الا ان السعي الدائم لتحسين وتجويد التشريعات الناظمة للعمل النقابي لضمان استدامة الروح النضالية لهو أمر أساس في المحافظة على ارث السابقين والبناء عليه، ويشكل انعاشاً للحركة النقابية لتدب بها الحياة من جديد.
أيها الشباب .. الكرة في ملعبكم
ان الواقع المؤسف لأغلبية النقابات العمالية وفقدان معظم الشباب الأمل في التغيير وشيوع حالة الاحباط هي عوامل لا شك أنها قد تبدو مبررات كافية للإنكفاء والاعتزال بل والانسحاب، ولكن في الحقيقة اذا ما نظرنا الى نفس هذه العوامل من زاوية أخرى نجد أنها مبررات كافية ومحفزة للانطلاق نحو التغيير وانتشال العمل النقابي العمالي ليكون في طليعة الحركات النضالية الوطنية ورأس الحربة في العمل النقابي والعامل المؤثر في سوق العمل والتشريعات الناظمة له.
ان المتابع للعمل النقابي والعمالي يدرك الانعكاس المباشر لأداء مجلس النواب على العمل النقابي العمالي ، فالتشريعات الناظمة للعمل النقابي والعمالي يتم مداولتها واقرارها في مجلس النواب، ولعل تعديلات قانون العمل و قانون الضمان الاجتماعي الأخيرة والمشهورة بتعديلات 2019 ليشهدان مدى ارتباط ضعف أداء مجلس النواب على انتكاس التشريعات العمالية والنقابية.
من أراد التغيير فليسارع الى الانتساب للنقابة
لطالما بقينا رهن جدلية الانسحاب ام الانتساب للنقابة، فالبعض وفي غمرة غضبه من أداء نقابته وفقدانه الأمل من التغيير يقدم على خطوة أقل ما يمكن وصفها بأنها سلبية وهي الانسحاب من النقابة ليكون بذلك قد أنقص عدد المطالبين بالاصلاح داخل النقابة وبالتالي ترجيح كفة من يقتاتون على سبات النقابات وغيابها.
ان أول ما يفكر به شيخ طاعن في السن يجلس في غرفة المعيشة ينظر الى التلفاز بهدوء قاتل ورتابة مملة هو أن يقتحم عليه أحفاده الغرفة لينغصوا عليه ركونه وجموده فيسارع الى طردهم واقصائهم بأسرع وقت ممكن.
ان الشباب النقابي بروحهم النضالية وحركتهم الدؤوبة يزعجون من يرغبون ببقاء السكون والدعة في أروقة النقابات، وان وصول هؤلاء الشباب الى الاحباط وفقدان الأمل بسرعة واتخاذ قرار متسرع بالانسحاب من النقابات يريح هؤلاء الطاعنين في السن من مشقة مقارعتهم ومدافعتهم ويعيد لهم سكونهم الذي اعتادوا عليه.
اقرأ أيضاً:
إرسال تعليق