الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
24-12-2020
بين فينة وأخرى تنشط الدعوات من "النخب" والخبراء الى ضرورة توجه الشباب الى التعليم المهني و ضرورة مواكبة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل وآخر يتباكى على البطالة فيمد يده في كيس الحلول السحرية ويخرج لنا بالمقترح القديم الجديد بل ويوبخ الشباب بسبب اقبالهم على التعليم الجامعي وهجرانهم للتعليم المهني!
ابحث عن السبب
دائماً عندما ترغب بالبحث عن علاج لمشكلة أو حلول لتحديات معينة الخطوة الأولى في تشخيص المشكلة يجب أن يكون البحث عن سبب هذه المشكلة، وفي حالتنا هذه ألم يتساءل هؤلاء الخبراء والنخب والمنظرون عن سبب هجران الشباب للعمل المهني ولماذا لا يحرص العامل المهني على توريث المهنة لأبناءه كما يحرص الطبيب والمهندس والاكاديمي، بل على العكس تراه يحرص كل الحرص على تجنيب أبناءه سلوك طريقه ويمكن له أن يكبد نفسه ديون طائلة ويبيع ويرهن أي ممتلكات في سبيل تعليم أبناءه تعليماً أكاديمياً.
هل كلف هؤلاء الخبراء أنفسهم عناء تلمس أوضاع هؤلاء العمال وهل شروط عملهم تعتبر شروط عمل لائقة وهل الأجر الذي يتحصلون عليه يكفي لتأمين حياة كريمة لأبناءهم، أم أنهم يعانون من ظروف عمل قاسية وجبرية وأجور ضعيفة وزهيدة.
من يشتري بيتاً جديداً يجب عليه أن يهيأه قبل الانتقال اليه ليكون ملاذاً آمناً ولائقاً وفيه من المرغبات والجواذب ما يمكنه اقناع ابناءه وزوجته من الانتقال اليه، ومن هنا وجب على هؤلاء الخبراء أن يتوجهوا كخطوة أولى نحو التعليم المهني ويعالجوا مشاكله وتحدياته ليكون بيئة جاذبة يسعى الشباب اليها ولا يدفعون اليها دفعاً.
حل للبطالة أم تكريس للطبقية
لا ينفك هؤلاء الخبراء والمنظرون من استحضار المبررات والدوافع وراء دعواتهم المستمرة للشباب للتوجه للعمل المهني وعلى رأس هذه المبررات والدوافع هو تقديم هذا الخيار كحل سحري لمشكلة البطالة التي تتفاقم، وبعيداً عن كون معظم هؤلاء "النخب" لا ينتمي أحدهم أو أفراد أسرهم الى فئة العمالة المهنية بل هم الى بيئة أصحاب العمل أقرب؛ فإن هذه الدعوات - وان كان بعضها صادقاً- الا انها تفقد مصداقيتها كونها تنظر للعامل المهني كأحد أسباب ازدهار سوق العمل فقط والتي تعني بالنهاية أرباحاً اضافية لأصحاب العمل؛ ولا تنظر اليه الى كونه انساناً من حقه أن يبحث لابناءه عن حياة كريمة فيها ولو القليل من الرفاهية البسيطة وينتشلهم من حياة العوز والضنك والعمل الجبري ما استطاع الى ذلك سبيلاً.
ولعل تصريحات أحد وزراء "العمل" السابقين حين خرج علينا بنظرية اسماها الطفرة بقوله أننا “تحولنا لطفرة ابن المزارع اصبح دكتور وابن الفران اصبح مهندس”، لتشير الى أن الدعوات ليست بريئة بالقدر الكافي بل يشوبها تكريس للطبقية والمقصود ليس حلولاً للبطالة بقدر المحافظة على حالة من التوازن الطبقي في المجتمع!!!
العمال حالة نضالية
قد يعتبر البعض عنوان المقال صارخاً ويسبح عكس التيار ولا ينسجم مع الجو العام، بل ان البعض قد يعتب على ما قد يعتبره لغة تحريضية وأقول نعم ان المقال يمكن أن يصنف مقالاً تحريضياً كونه يحرض العمال على عدم القبول بعبودية العمل وتكريس الطبقية المجتمعية والتعامل معهم على أنهم مجرد وقود مهم في مدافئ غيرهم.
ان العلاقة في العمل والانتاج هي علاقة تشاركية تجمع أطراف الانتاج الثلاثة للمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني من خلال قيام كل طرف منهم بدوره لتحقيق التنمية المستدامة ، ومن البديهي أنك حين تدعوني لأصنع لك مزيداً من الكعك بأن تكافأني بأن يكون لي حصة من هذا الكعك، ومن البديهي أيضاً أن صاحب العمل الجشع وخبرائه الذين يعتمد عليهم حين يطحنون العامل بدون مقابل بل يمارسون عليه التنظير الجاف من غير تكليف أنفسهم أن يسمعوه كونهم يعتقدون أنهم أقدر وأكفأ منه في معرفة مصلحته هو!!، أقول من البديهي أن يقوم هذا العامل بالانتفاض في وجوههم وينتزع حقه منهم ويجلس في المقاعد الأولى ويختطف منهم المايكروفون ليجبرهم على سماع صوته بوضوح.
الوصمة المجتمعية
ان أكبر مؤشر يدل على عدم أهلية التعليم المهني لاقناع الشباب من التوجه اليه؛ هو أن جميع هؤلاء الخبراء والنخب والحقوقيون .. الخ لا يوجهون أبناءهم اليه على الاطلاق، بل تراهم حتى في صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن ينشروا منشورات تحث وتشجع وتقرع الشباب للتوجه للتعليم المهني والابتعاد عن الازدحام غير المبرر في الجامعات، ترى لهم منشوراً بعد حين يحتفل بتخريج أبنائهم وبناته ونيلهم الشهادات العليا من أرقى الجامعات العالمية وهذا حق وطموح كل أب لا يجرؤ أحد أن ينازعه عليه أو ينغص عليه فرحته، ولكن وكما تتفق أن كل الآباء يأملون أن يروا أبناءهم أفضل منهم فأعتقد أنك تتفق معي أن من حق طبقة العمال المهنيين رؤية أبناءهم أفضل وتجنيبهم المعاناة الاقتصادية والاجتماعية.
من حق العامل المهني تجنيب أبنائه الحرج الذي شعر به عندما أراد أن يتزوج وتم رفضه لأنه غير حاصل على شهادة عليا، من حقه تجربة شعور النشوة بكتابة حرف الدال قبل أسماء أبنائه على بطاقة دعوة الزفاف، من حقهم ومن حقهم.
اذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع
لا يُفهم من كلامي أني ضد التعليم المهني من ناحية المبدأ لا على العكس؛ انما أنا مع تحسين وتطوير التعليم المهني ووضع حد أدنى لأجور العمال المهرة وتصنيفهم ووضعهم في مكانة لائقة في سلم التصنيفات الوظيفية وتهيأة ظروف عمل لائقة وجاذبة ومكافحة الوصمة المجتمعية التي تلاحق العامل المهني، والسبيل الى ذلك وضع خطة وطنية ذات أطر واضحة لا تبدأ بدعوة الشباب الى العمل المهني الا بعد تحسين العمل والتدريب المهني على أرض الواقع (بالتوالي وليس التوازي).
لنكن صرحاء بأننا جميعاً نعمل ونكد ونجتهد من أجل تأمين حياة كريمة لعائلاتنا، والحياة الكريمة تشمل الاكتفاء الاقتصادي والرضى الاجتماعي، أعطني اكتفاءاً اقتصادياً ولا تزدريني اجتماعياً و سيكون بعدها "الباقي تفاصيل".
إرسال تعليق