الجامعات ومتطلبات سوق العمل .. أ.د يونس مقدادي


تُعد الجامعات من أهم المصادر الرئيسة بتزويد سوق العمل بالكفاءات والكوادر البشرية المؤهلة لسد إحتياجات سوق العمل بمختلف قطاعاته العامة والخاصة، وهذا في الحقيقة ما تقوم عليه رؤية ورسالات الجامعات وخططها الاستراتيجية في كل أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه لتحقيق التوئمة الحقيقية بينهما مع الأخذ بعين الأعتبار متطلبات سوق العمل وتحدياته وبشكلٍ خاص في وقتنا الحاضر في ضوء جملة من التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والتي أصبحت تفرض نفسها على متطلبات سوق العمل وبالتالي على الجامعات ومخرجاتها ونخص هنا مواصفات ونوعية الخريجين المطلوبة تمشياً مع متطلبات الحياة الوظيفية للخريج.
أن متطلبات سوق العمل وتحدياته قد أصبحت من أولويات حاكمية الجامعات وهذا الأمر قد أصبح واضحاً للعيان من خلال رسم سياساتها وتوجهاتها التعليمية المستقبلية، ناهيك عن الجهات الرسمية ذات العلاقة والتي تؤكد دائماً حرصها على نوعية الخريجين ومن مختلف الاختصاصات و الدرجات العلمية بما يلبي حاجة سوق العمل بمؤهلاتهم ومهارتهم المكتسبة، لكن في حقيقة الأمر فقد تبين بإن متطلبات سوق العمل قد أصبحت تشكل عبئاً كبيراً على الجامعات من حيث كلفة التغيير والتطوير وتبعاته للأنتقال من التعليم التقليدي إلى التعليم النوعي والتطبيقي ومضمونه أن يكون الخريج مُحصن بالمعرفة، والمهارات، والكفايات التخصصية ليكون قادراً على التنافس على فرص العمل المتاحة محلياً ودولياً، بالاضافة إلى القدرة على التعامل من ظروف العمل وتحدياته، والتكيف مع الوظيفة ومتطلباتها، وتحقيق أعلى درجات الرضا لصالح أصحاب العمل.

وفي الأونة الأخيرة فقد لاحظنا بإن توجهات حاكمية الجامعات بفكرها الاستراتيجي تتجه نحو الاستثمار الأمثل بالطالب بإعتباره الزبون الحقيقي في العملية التعليمية، وتقديم الخدمات التعليمية المثلى له، ليكون بالتالي المنتج والسفير الحقيقي للجامعات في سوق العمل من ناحية، وقادراً على الايفاء بمتطلبات الحياة الوظيفية من ناحية أخرى ليتبلور عن ذلك بما يسمى بالميزة التنافسية والسمعة والمكانة لجامعة الطالب الخريج. وهذا الأمر أيضاً يقودنا إلى ملف هام جداً وله مساحة واسعة في الجامعات اليوم بما يسمى بالتصنيف الأكاديمي بإعتبار ملف الخريجين والتوظيف من معايير التصنيف الأكاديمي الرئيسة.

أن ترجمة عملية الأنتقال إلى التعليم النوعي والتطبيقي إذ يتطلب من حاكمية الجامعات الإدراك الحقيقي لما يجري من تغُيرات في سوق العمل للأسترشاد بها في تطوير المنظومة التعليمية في الجامعات ،أخذين بعين الأعتبار أصحاب العمل بإعتبارهم أصحاب حقوق على الجامعات في إستقطاب وتوظيف الخريجين المؤهلين ومن ذوي المهارات والقدرات والكفايات التخصصية للتكيف مع الوظيفة ومتطلباتها، مما يؤكد ذلك على الشراكة الاستراتيجية ما بين الجامعات وسوق العمل.

وبإعتقادي وحسب التجارب الناجحة لدى العديد من الجامعات محلياً واقليمياً ودولياً فإن من أهم المتطلبات الضرورية لتحقيق هذا الغرض وكي يصبح هذا الأمر واقعاً يلتمسه صاحب العمل من خريجي الجامعات إذ يجب على الجامعات العمل بجدية على بناء شراكات حقيقية مع مؤسسات سوق العمل بقطاعيه العام والخاص هدفها توظيف الخريجين وعلى الأقل المتفوقين منهم، وتفعيل مكتب التوظيف الخاص بالطلبة والتابع عملياً لعمادات شؤون الطلبة والمسؤولة تماماًعن البحث والتنسيق مع مؤسسات سوق العمل وتسويق الخريجين والبحث عن فرص عمل لهم، والتطوير والتحديث المستمر على الخطط الدراسية لكافة مساقات البرامج الأكاديمية والتوجه نحو المساقات التطبيقية، وتفعيل مساق التدريب العملي لطلبة السنة الرابعة وعلى فصلين دراسيين وبواقع ست ساعات معتمدة على الأقل، وتحسين وتطوير أساليب التدريس والتوجه نحو التطبيق العملي والحالات الدراسية والمختبرات، وأستقطاب الكفاءات المرموقة من أعضاء الهيئة التدريسية، بالاضافة إلى ذلك تبني طريقة الحكماء وكما هو معمول به في العديد من الجامعات حول العالم وهم من أصحاب الخبرة الميدانية ومن حملة المؤهلات العلمية العليا بحيث يتم أختيارهم بعناية من سوق العمل من الشركات والمؤسسات الرائدة ومن مختلف قطاعات سوق العمل لإثراء العملية التعلمية بالمهارات والكفايات العملية والخبرات التراكمية وهذا مسموح به بما لا يزيد عن 25% كأعضاء هيئة تدريس غير متفرغين.


بإعتقادي المتواضع أيضاً وفي حال عدم الأهتمام بمتطلبات سوق العمل وتحدياته من قبل الجامعات والأخذ بكافة الأسباب والتداعيات بعين الأعتبار والاسراع بتحسين وتطوير مدخلاتها ومخرجاتها لتهيئة خريجين وعلى مستوى عالٍ من الكفاءة فإن النتائج ستكون سلبية على أداء الجامعات وسمعتها بالمقارنة بمثيلاتها محلياً وعالمياً، ونحن نعلم تماماً بإن التسابق اليوم يقوم على السمعة والجودة الأكاديمية، وبناء سمعة الجامعات بالدرجة الأولى تكمن بنوعية أداء خريجيها في سوق العمل، وخلافاً لذلك ستجد الجامعات نفسها من الصعوبة بمكان غير قادرة على إستقطاب طلبة جدد لبرامجها لغياب التطور المطلوب وعدم مواكبة متطلبات سوق العمل وتحدياته، والجميع يعلم بإن التعليم من غاياته الرئيسة التوظيف بإبعاده الاجتماعية والاقتصادية والشخصية والنفسية لمستقبل الخريج وأسرته.


إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020