النقابات العمالية وكوفيد١٩، حوارٌ اجتماعي معطل ..بكر الأمير





بكر الأمير، صحفي وإعلامي أردني
15-12-2020

من يتابع أخبار كورونا وتداعياتها الخطيرة وتأثيراتها السلبية على قطاع العمل، يدرك عمق الأزمة وآثارها الخطيرة على شريحة العمال.هذه هي الصورة العامة في أغلب بلدان المنطقة العربية، أخبار عديدة تصدرت عنواين الصحف والنشرات الأخبارية ومنصات التواصل الإجتماعي... كانت جميعها تشي أن ثمة حلقات مفقودة واشكالات عديدة وجوانب قصور كبيرة في السياسات الاقتصادية الناظمة لهذا لقطاع العمال، ومنظومة الحماية الإجتماعية للمواطنيين.

في معادلة الإنتاج، يقول الخبراء، أنّ العمال هم الطرف الأضعف في المعادلة بين الشركاء الاجتماعيين (الحكومة، أصحاب العمل)، إذ ترجح الكفة دائماً على حساب العمال، وهم المحرك الرئيس في الدورة الاقتصادية، وأساس عجلة التنمية ! وهم أيضاً من تقع عليهم آثار القرارات الصعبة والاجراءات القاسية جراء أي أزمة، سواء أكانت كورنا التي كانت أزمة كاشفة؛ كشفت عيوب منظومة الحماية الاجتماعية، وأثبتت قصور السياسات والبرامج التي ترى العمال طرفا ضعيفاً في المعادلة، أو في أي أزمة كانت.

"أزمة وبتعدّي" هكذا يقولون بالعاميّة الأردنية ... كورونا شأنها شأن أزمات عديدة اجتاحت العالم، سواء كانت بسبب أوبئة أو أحداث كبرى أو صراعات وحروب، جميعها أصبحت جزءًا من التاريخ، ولعل الأزمة العالمية عام 2008 خير دليل على ذلك.

ولكنّ؟ ما أحوجنا عمالاً وأصحاب عمل وحكومات، للتوقف عند دروس كثيرة علمنا إياها هذا الوباء العالمي، وتلك التجربة القاسية التي أحدثت اختلالات عميقة وتحولات كبيرة، وتركت آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي وسائرالاقتصادات الوطنية.

يجمع الخبراء والمراقبون أن العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبل الأزمة، أجل وأثناء الأزمة؟! ليس مهماً مثلا؟ أم أنّ المهم أن نبقى نراقبها ونرى تبعاتها وتداعياتها الخطيرة على شريحة العمال وواقع سوق العمل؛ دون قرارات أو تدابير تضمن للناس حقوقهم وتحافظ على الأمن المعيشي والاستقرارالمجتمعي.

دور محوري يمكن أن تلعبه النقابات العمالية في هذه الأزمة، إذ أنها من تمثل العمال، وهي صوتهم ومن يتحدث باسمهم. أرى ذلك ضرورياً ويتجسد من خلال مفهوم يكثر الحديث عنه، لكنه غائب! يعتبر مدخلاً أساسياً في علاج هذه التشوهات والوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف؛ ألا هو "الحوار الإجتماعي".

تفاخر الحكومات العربية أنها تسيرعلى هذا النهج وتضع الأدوات الكفيلة اللازمة لذلك، ومنظمات العمال أيضاً تؤمن به وترى فيه سبيلا لتحقيق أهدافها، وتعبّرعن ذلك في كل مناسبة، لكن كورونا علمتنا أن هذا النهج بقي في نطاق النظرية لا الممارسة العملية، إذ كانت الجهود المبذولة للتخفيف من آثار كورونا، وترميم ما خلّفته؛ أحادية الجانب، تخدم أصحاب العمل لا العمال،- كما تقول النقابات العمالية - أو لم تكن ضمن المستوى المطلوب الذي يرضي جميع الأطراف، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا نعيش أزمة والضرر فيها واقع لا محالة، وهذا بالطبع ليس رأي كاتب هذه السطور بل رأي العديد من الخبراء والمراقبين.

لمحة سريعة على موقع الاتحاد العربي للنقابات لمتابعة أخبار العمال في سائر البلدان العربية، تعطيك انطباعاً أن الحوار الإجتماعي في عموم البلدان العربية كان معطلا، ومؤسساته والأطر الناظمة له (إن وجدت)لا يُسمع لها، ولا يُأخذ بتوصياتها أومقترحاتها. نحن نرى النتيجة على الأرض؛ تسريح للعمال وفقدان للوظائف وتخفيض للأجور وهضم للحقوق العمالية ... وغيرها الكثير من أخبار تحمل ذات المضامين. المطالبات مستمرة من العمال، والمناشدات متواصلة ممن يمثلونهم، بشأن اختلالات جسيمة وانتهاكات عريضة يتعرض لها العاملون في مختلف القطاعات والنشاطات الاقتصادية. الخبراء والمراقبون ومراكز البحوث والدراسات جميعم يؤكدون أنّ المنظومة الاجتماعية السائدة بحاجة ماسة لإعادة النظر، ومراجعتها وتوسيع نطاقها لتشمل المواطنيين جميعاً وليس العمال فقط أو الفئات المهمشة والأشد ضعفاً.

الحاجة ضرورية والمسؤولية مضاعفة على منظمات العمال والاتحادات العمالية، بأن تأخذ دورها الحقيقي في ترجمة حوار إجتماعي فعّال ينعكس ممارسة عملية لا شعارات، نرى أثره باستقرارعلاقات العمل والمحافظة على الأمن الإجتماعي والاستقرار المعيشي للعمال، وعلى الحكومات أن تسمع جميع الاطراف، وترعى هذه العملية بجدية وحيادية، وبطريقة توزع فيها الضرر وكلفة الأزمة الباهضة بالتساوي بين الجميع، مع مراعاة أن العمال طرف أضعف في المعادلة كما أشرت سابقاً.

لقد عملت الحكومات العربية خلال الفترة السابقة وبذلت ما لديها للخروج باجراءات تدعم القطاعات الاقتصادية وتخفف عنها، وتحقق للعمال شئيا من الحماية الإجتماعية المفقودة؛ لكنها كانت عرجاء، إذ أن كل ما نراه من اضرابات واختلالات في سوق العمل خير دليل على ذلك.

نحن في عصر الأوبئة العابرة للقارات، وقد نشهد موجات جديدة منها، بغير حوار اجتماعي فعّال؛ سندفع جمعياً التكلفة باهضة، وسيبقى العمال غاضبون وأصحاب العمل ساخطون والحكومات تفقد مزيداً من رصيد الثقة العامة.

اقرأ أيضاً:

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020