أتوقع أن الجميع يعرف ويعي تمامًا، قصة “قميص عثمان”، فمنذ عهد ثالث الخلفاء الراشدين، عثمان بن عفان، رضي الله عنه، والناس يستخدمون هذا المصطلح، للحديث عن شخص مظلوم أو معاناة إنسان أو فئة معينة، سُلبت وهضمت حقوقها، إما من أجل أهداف شخصية، أو لتبرير قرارات وإجراءات، أو تسليط الضوء على غايات وأهداف، لا تخدم إلا صاحبها أو جهة ما.ويبدو أن حكومة بشر الخصاونة ستجعل من جائحة فيروس كورونا المستجد، كتلك القضية المفصلية، ذات الجذور التاريخية، التي عُرفت بـ”قميص عثمان”.. فها هو الرئيس الخصاونة، يستغل إرهاصات وتداعيات هذا الوباء، ويُصدر يوم الثلاثاء الماضي، أمر الدفاع رقم 24، والذي يقضي بإعادة العمل بتعليق تطبيق تأمين الشيخوخة، والذي كان قد سبقه إليه رئيس حكومة النهضة السابق عمر الرزاز، في شهر آذار الماضي، بموجب أمر الدفاع 1.
المشكلة، أن الحكومة، رغم ما تقوم به من إجراءات وقرارات فيها نوع من الإيجابية، إلا أنها تُصر على “التغول” على المواطن أولًا، وأمواله الموجودة في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ثانيًا.. وكأن الحلول كلها، لم تعد موجودة، أو لا يمكن تطبيقها، باستثناء تلك المتعلقة بالمواطن أو أموال “الضمان”، التي تُعتبر “تحويشة” العمر بالنسبة لأكثر من تسعين بالمائة من الأردنيين.
إن الحكومة، وفي تعليلها لإصدارها “الدفاع 24″، تدعي بأنها تُريد تخفيف الأعباء الاقتصادية المترتبة على منشآت القطاع الخاص التي تأثرت بجائحة كورونا.. في حين المواطن (العامل)، ليس مهمًا التخفيف عنه، أو حتى مساعدته على تأمين حاجياته الأساسية، وخصوصًا في ظل هذه الظروف الصعبة.
الحكومة، تؤكد أن الهدف أيضًا من أمر الدفاع الجديد، هو “مساندة العاملين في القطاعات والمنشآت الخاصة، الأكثر تضررًا بـ”كوورنا”، وتلك القطاعات والمنشآت غير المصرح لها بالعمل”.. لكن أكاد أجزم أن أي أحد يستطيع أن يفهم هذه المعادلة الكيميائية، المعقدة كثيرًا، وكأنها عبارة عن “لوغاريتمات”.
فلا أحد يعلم، كيف ستساعد الحكومة ذلك المواطن، وهي تقرر عن دراية وعلم وخبرة، تأخير تقاعده، أو تقليل ما سيتقاضاه في نهاية عمله، جراء ذلك “الأمر”.. فكما هو معلوم، فإن راتب الشيخوخة، يخضع لعدة اعتبارات، أهمها عدد اشتراكاته في الخدمة، فكلما زادت أعداد اشتراكاته، زاد راتبه التقاعدي، والعكس صحيح مائة بالمائة.
والجميع يعلم أيضًا، علم اليقين، أن غالبية الأردنيين، الذين تخضع رواتبهم لـ”الضمان الاجتماعي”، يحصون الأيام قبل الأشهر، وكذلك الأعوام، كي يصلوا إلى سن يسمح لهم بتقاضي راتب، سواء “الشيخوخة” أو “المُبكر”، يعينهم وأفراد أسرهم، على ضنك الحياة، والعيش بشكل أقل من متوسط، في بلد يُقر ديوان المحاسبة فيه بأن هناك تجاوزات مالية بعشرات الملايين من الدنانير.
ورغم أن مؤسسة الضمان، دعت منشآت القطاع الخاص كافة، إلى الاستمرار بشمول العاملين بكل التأمين، وعدم اللجوء لتعليق تطبيق تأمين الشيخوخة عليهم إلا في حالة الضرورة القصوى، إلا أن الكثير من المنشآت الخاصة، وبدعم حكومي، أبت إلا أن تستفيد من ذلك، رغم آثارها السلبية والكثيرة على الموظف أو العامل، وخاصة في خريف عمره.
والغريب أيضًا، أن أمر الدفاع 24، يهدف، كما تدعي الحكومة، إلى التوسع في تنفيذ برامج المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وهي: مساند، وتمكين اقتصادي، وحماية، واستدامة.. ولكنها تتناسى أن كل ذلك يتم من خلال أموال الأردنيين، وليس جراء إقدامها على قرارات، قد تعتبرها جريئة، رغم أن الواجب عليها يتطلب ذلك.
إرسال تعليق