24-1-2021
هل يجوز لصندوق استثمار أموال الضمان أن يستثمر بأكثر من نصف موجوداته في سندات الخزينة؟ وهل يجوز لوزارة المالية أن تقترض بمبالغ كبيرة من أموال الضمان الاجتماعي؟ وهل يجوز للحكومة أن تستثني الأموال المقترضة من الضمان من الدين العام؟ هذه الاسئلة تم تداولها كثيراً في الآونة الأخيرة وهي اسئلة مشروعة دون وجود اجابات شافية، ولا أدعي بأنني أمتلك اجابات شافية لكني سأبدي رأيي مستنداً الى المبادئ والأعراف المالية.
بالنسبة للسؤال الأول، من المعروف انه واستناداً للمبادئ المالية والمهنية ومبادئ الاستثمار، ان تستثمر صناديق الضمان والتقاعد والادخار خاصة وصناديق الاستثمار المشترك وغيرها في السندات الحكومية وشبه الحكومية، كونها تستحوذ على أموال طائلة وهي عادة أموال عامة، وبتعبير أدق هي أموال أهلية تعود للمواطنين بكافة فئاتهم خصوصا اموال صناديق الضمان والتقاعد والادخار، ولا يجوز لهكذا صناديق أن تغامربهذه الاموال الا بنسب بسيطة، فالاعتبارات كثيرة يأتي في مقدمتها درجة الخطورة، على أن تكون عوائد هذه الاستثمارات أعلى من معدل التضخم حتى يصبح العائد الحقيقي مُجدي. ومن هذا المنطلق، فان استثمار أموال الضمان في سندات الخزينة الاردنية يعتبر في الاتجاه الصحيح خاصة في مثل الظروف الاقتصادية السائدة التي تشح فيها الاستثمارات الانتاجية المُجدية.
فهناك ما يقرب من 6.5 مليار دينار من أموال الضمان مستثمرة في السندات الحكومية وهي تُعادل 58% من اجمالي موجوداته كما في نهاية عام 2020، ويفترض في هذه الأموال أن تستثمر في غالبيتها في استثمارات قليلة الخطورة ولا يوجد استثمارات أقل خطورة من السندات الحكومية لذلك فهي استراتيجية سليمة خاصة وانها تدر عائداً يبلغ 6% في المتوسط بحسب تصريح رئيسة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي وهو عائد مرتفع جداً مقارنة بأي استثمارات أخرى مشابهة محلية أو خارجية وهي على سبيل المثال أفضل بكثير من الاستثمار في سندات الخزينة الامريكية التي يقل عائدها عن 1% في الوقت الحاضر ناهيك عن مخاطرة سعر الصرف والتي تعتبر في هذه الحالة، ومن الناحية العملية غير موجودة لثبات سعر صرف الدينار مع الدولار الامريكي.
يُضاف الى ذلك، بأن العوائد المتحققة يستفيد منها المواطن الاردني بدلًا من أن تذهب لجهات خارجية. لذلك فان هذا الاجراء سليم ومرغوب لا بل ومطلوب لكن بشرط أن تلتزم الحكومة بالسداد وهو الأمر المتوقع. وللانصاف، فالحكومة الأردنية لم يسبق لها أن تخلفت عن التسديد سواء لجهات داخلية او خارجية. من ناحية أخرى، فالأصل ان تتوجه أموال الضمان الى الاستثمارات الانتاجية حتى تُساهم في زيادة النمو الاقتصادي لكن ارتفاع المخاطر وقلة هكذا فرص تصبح استثمارات السندات الحكومية جاذبة وواجبة ومهمة.
وبالنسبة للسؤال الثاني، فلا يوجد ما يمنع من أن تقترض الحكومة من أموال الضمان طالما هي ملتزمة بالتسديد، لا بل الأولى أن يكون النصيب الأكبر لأموال الضمان. فالمعروف أن معظم الاقتراض الداخلي للحكومة يأتي من البنوك، وبذلك فهي المستفيد الأكبر من عوائد هذه السندات ولا ضير في ذلك لان البنوك مؤسسات وطنية وطبعا فهذا افضل من ان تذهب لجهات خارجية.
لكن الاصل أن تقرض البنوك أموالها للقطاع الخاص وخاصة للمشاريع الانتاجية وليس للحكومة تجنبًا لمزاحمة الحكومة على اموال البنوك Crowding-out، لكن في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها وقلة الفرص المتاحة تصبح قروض البنوك للحكومة مطلوبة لانها تساهم في عدم تعرضها للتعثر والافلاس لكن الأولى من البنوك هو الضمان الاجتماعي لان الفائدة تعود على عموم المواطنين.
أما بالنسبة للسؤال الأخير، فالاقتراض الحكومي ومهما كان مصدره سواء كان محلي أم خارجي، بالدينار أو بأي عملة، من البنوك ام من الضمان أو حتى من البنك المركزي أو الافراد (كما في سندات الادخار)، كل هذه الأنواع تُضاف لرصيد الدين العام ولا يجوز تحت أي مُسمى أن تستثنى من الدين العام. وبغض النظر عما يقوله صندوق النقد الدولي أو الأعراف الدولية هو دين ويجب أن يرد لأصحابه مع عوائده ولذلك هو جزء اساسي من رصيد الدين العام.
فنحن نعلم أن نسبة الدين العام الى الناتج ومنذ عدة سنوات تفوق ال 95% ( وفي الوقت الحالي تصل الى حدود 110%) ولا يجوز تحت أي ظرف أن نقول انها 88%، وعلى الحكومة أن لا تخشى من هذه النسبة أذا كانت توجهاتها الاستراتيجية في الموازنة العامة تخدم مصلحة المواطن ففي عام 1990 بلغت هذه النسبة 189% وبالرغم من ذلك، كان الوضع الاقتصادي العام أفضل من اليوم بكثير!
إرسال تعليق