الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
16-2-2021
في رواية منسوبة للصحابي الجليل ابي ذر رضي الله عنه قال:" قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها " رواه مسلم.
وبالنظر بتمعن للحديث الشريف يمكن لنا أن نستخلص مجموعة من الفوائد واللطائف التي قد تنير لنا بعض الومضات فيما يتعلق بتولي أمور الناس؛ ومن أهم هذه الفوائد أن الصحابي الجليل قد نظر الى نفسه وقيمها فاستخلص أنه قد يكون كفؤاً لادارة أمور الناس وتولي أمورهم، وهو وان كان قد نظر الى نفسه من هذا المنظور فتجرأ على طلب ولاية أمور الناس وبالرغم من حب الرسول صلى الله عليه وسلم له الا انه لم يجامله وبادره بجواب صريح مباشر من غير مراوغة ولا تجميل ولا مواربة ولا مجاملة؛ أن حسم معه الأمر بالرفض المباشر.
ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقرّع ابي ذر بسبب طلبه الولاية وتقديم نفسه فهو أمر مقبول بل قد يكون مندوباً وواجباً في بعض الأحوال ولنا في النبي يوسف عليه السلام بقوله " اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم" الأسوة الحسنة بأن من يرى بنفسه الكفاءة والمقدرة أن يقدم نفسه لادارة أمور الناس ولا يتركها للفاسدين وغير ذوي الكفاءة من غير المؤتمنين، ولكن ومن جانب آخر لا يكفي أن يقيم المرء نفسه بل يكون القرار لغيره في تقييم مدى قوته ومقدرته على حمل الأمانة ولعل صناديق الاقتراع خير وسيلة لذلك.
الاشارة النبوية المهمة في تولي أمور الناس هي الأمانة؛ فلا يكفي أن تكون محنكاً وخبيراً وقادراً و"قوياً" من الناحية الادارية ولكن يجب أن تكون أميناً على مصالح الناس فلا تستبيح أموالهم وحقوقهم وأيضاً أميناً على مصالح الناس فلا تسمح لأحد أن يستبيح أموالهم وحقوقهم فلا يكفي أن تكون عفيفاً عن أموال الناس بل يجب أن تحمي هذه الأموال وتحفظ الحقوق من الضباع المختبأة تحت عباءتك ان كنت ممن يتولون أمور الناس.
اذا ما اتفقنا أن الأمانة لا تعني أن يعفّ القادة النقابيون عن أموال العمال ويمنعوا أنفسهم من التعدي عليها؛ بل ان الأمانة تقتضي أن يحمي هؤلاء القادة أموال العمال وحقوقهم فلا يسمحوا لمن تسول لهم أنفسهم من بعض الثعالب من النقابيين الفاسدين باستباحة أموال العمال أو الاستهتار بحقوقهم وتقديم مصالحهم الشخصية على مصالح العمال.
ان وضع النقابات العمالية اليوم لا يسر ونحن نرى العديد من النقابيين العماليين - ولا أعمم اطلاقاً- قد ظهرت عليهم ملامح الغنى المفرط وغلبت عليهم ملامح الترف والبذخ الذي يظهر بوضوح في بيوتهم الأنيقة وسياراتهم الفارهة ومستوى معيشة أبناءهم الباذخة، ولعل قائل يقول " ان الله يحب أن يرى نعمته على عبده" ولا يتوجب على القائد العمالي أن يكون فقيراً رث الثياب ليبرهن للناس أنه نظيف اليد، وأنا أوافقه الرأي ولكني أذكره بالقول المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم " رحم الله امرءاً جب الغيبة عن نفسه"، فإذا ما خرج هؤلاء القادة النقابيون وقاموا بدورهم في اطلاع الناس على التقارير المالية والادارية لنقاباتهم برؤوا أنفسهم وجبّوا الغيبة عنهم.
ان من أهم ما كان يميز " البرامكة " في عهد هارون الرشيد عدا عن حياة البذخ الملفتة وبناء القصور الفاحشة وامتلاك الضياع والمزارع وكأن البلاد أصبحت ملكاً اقطاعياً لهم وحدهم؛ هو اتقانهم للدسائس وحياكة المؤامرات والمكر بالليل والنهار، فكانوا يتلاعبون بمصالح الناس وينهبون أموالهم ويقدمون أنفسهم وأبناءهم على مصالح البلاد والعباد، بل كانوا يفتحون أبواب قصورهم للفاسدين ويوصدونها أمام الناصحين، وان من المفارقات الملفتة أن هذه الصفات يحملها الكثير من النقابيين - ولا أعمم- الذين لا تستطيع أن تراهم لأنهم يعيشون في الظلام ويختبؤون وراء حسن النوايا وهم بحقيقة الأمر منهمكون بحياكة المؤامرات وبث الدسائس والمكر لضمان بقائهم ومن يدور في فلكهم جاثمين على صدور العمال.
قالت العرب "ان خليت بليت" ، وأنا وان كنت أشير الى بعض مواطن الخلل وأسلط الضوء على بعض الثغرات في العمل النقابي لا أعمم ذلك اطلاقاً؛ فأنا أعلم الكثير من النقابيين العماليين هم بالفعل زاهدون في المال العام بل يدفعون من جيوبهم الخاصة ويحرصون على القضايا والحقوق العمالية أكثر من حرصهم على مصالح أبناءهم؛ ولكن الحديث هنا يأتي من باب تسليط الضوء على هذه العيوب ليس بهدف الفضيحة بل من باب النصيحة وبقصد التعديل والتصحيح في المسيرة العمالية.
اليوم ونحن على أعتاب انتخابات النقابات العمالية المستحقة قد آن للشباب والعمال أن يقولوا كلمتهم ويمسكوا بتلابيب هؤلاء ويقولوا لهم أنهم ضعفاء في حمل أمانة حماية أموال ومصالح العمال ويقدموا مكانهم الشباب المؤتمن والقوي " ان خير من استأجرت القوي الأمين".
اقرأ أيضاً:
إرسال تعليق