26-2-2021
انتشار البؤس والآفات الاجتماعية كالبطالة والفقر والإجرام، إضافة إلى انتشار اضطهاد العمال واستغلالهم مع عدم توفر ضمانات السلامة للعمال فأصبحوا يموتون أو يصابوا بعاهات دون وجود أنظمة للحماية الاجتماعية أو تعويضات للمتضررين، حالة من القهر والظلم والاضطهاد ،، كل هذه الظروف المأساوية دفعت العمال لتنظيم صفوفهم بعد النهضة الصناعية وبدؤوا بتشكيل صناديق الزمالة وصناديق التعاضد فيما بينهم درءاً للأخطار الاجتماعية ثم ما لبثت تلك المنظمات البدائية أن تطورت لتصبح منظمات أكثر اتساعاً وذات أسس تنظيمية وأنظمة داخلية .
العمال كانوا هناك قبل النقابات، العمال هم حجر أساس النقابات، العمال أوجدوا هذه النقابات لتجمع شتاتهم وتنظم صفوفهم وتعلي من صوتهم وتحميهم، ولقد كان القادة النقابيون هم أكثر الناس اقداماً واستعداداً للتضحية وتحمل شقاء العمل وعبء النقابات لخدمة اخوانهم العمال؛ لا يلبثون الانتهاء من شقاء العمل القاسي ويرتدوا ثيابهم الرثة التي يصعب تمييزها عن ثياب العمل المتهالكة يتنقلون بأجسادهم النحيلة ومعالم فقر الدم بادية على محياهم فيبدؤون جولاتهم العمالية وتسريب البيانات النقابية والالتقاء سراً بمجموعات العمال لاقناعهم للانضمام لصفوف المناضلين من العمال، وان فشلوا في أحد المرات وتعرضوا للوشاية من أحد العمال الجبناء فإن فقدانهم لوظيفتهم ومصدر رزقهم هو أمر محتوم لا مراء فيه، فلا بأس أن يضحي ويدفع الثمن عدد من العمال في سبيل تكريس شروط عمل لائقة والقضاء على العمل الجبري لباقي العمال.
هذه الصورة الدرامية تكاد تكون أقرب الى الخيال في عصرنا الحالي وقد يصنفها العمال الكادحين على أنها من قصص الخيال أو الروايات التي لا تمس الواقع اطلاقاً، فالصورة النمطية للقائد النقابي اليوم هي شخص عظيم البطن منتفخ الأوداج تلازمه حقيبة أدوية الضغط والسكري والنقرص ويلبس أفخر الثياب من أشهر الماركات العالمية يفتح له سائقه الخاص باب السيارة الجيب الفارهة ويسبقه الى المصعد الذي كان قد حجزه منذ زمن كيلا يعاني هذا القائد المقدام عناء الانتظار فيدخل الى مكتبه ذو الأجواء الهادئة والمعطرة بأطيب أنواع البخور يمشي متثاقلاً قد أرهقهته أسفاره الكثيرة، ليتمكن من التفكير والتعمق بحل مشاكل العمال الكادحين ويدافع عنهم أمام أصحاب العمل المعتدين ، صحيح هو بهيئته يشبه أصحاب العمل بكل شيء وصحيح أنه ينتمي الى أصحاب العمل وليس الى العمال كونه لا يعمل أجيراً عند أحد بل ان له مشاريعه الخاصة يوظف فيها عمالاً كادحين أيضاً .. الا ان المهم أنه يحب أن يعرف نفسه بالقائد النقابي العمالي!!! ويتربع على عرش النقابات من خلال صناديق اقتراع متهالكة يملك هو مفاتيح أقفالها!!
في الآية الكريمة " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " ، حدد الله سبحانه وتعالى أن النقيب يجب أن ينتمي للفئة التي يمثلها، فهو منهم ويشبههم وينتمي اليهم ويعيش ظروفهم بل يقدم نفسه خادماً عندهم، مستعداً للتضحية بنفسه من أجلهم لا أن يضحي بهم، يبادر هو بالتواصل مع العمال لسماع همومهم واقناع المترددين منهم بأهمية النقابات العمالية؛ لا أن يتوارى خلف القصور المشيدة يحتجب عن العمال بمجموعة متنفعين يدورون في فلكه ويؤمنون له البريستيج ويمنعون العمال البسطاء من الدخول عليه!!
ان الحالة البائسة والصورة القاتمة لا يمكن لها أن تنتهي حتى يقتنع العمال أنهم كهيئة عامة هم السلطة العلیا للنقابة التي ترسم سیاساتھا وتشرف على كافة شؤونھا وتتولى عملیة الرقابة علیھا وتوجیھھا بما فیه مراقبة الالتزام بأحكام النظام الموحد للنقابات فهم من أوجدوا النقابات وهم فقط من يسمحون لقادتها بالجلوس على مقاعدهم.
العمال هم جهاز المناعة للنقابة يراقبون أداء قياداتهم فإن رأوا منهم خيراً دعموهم وشدوا على أياديهم وان رأوا منهم ما يخرج النقابات عن مفهومها الأساس أو أصبحوا لا يشبهونهم سحبوا هذه الكراسي من تحتهم وأخرجوهم من بين صفوفهم كما يخرج الجسم أي قشة غريبة تنغرس فيه.
اقرأ أيضاً:
إرسال تعليق