الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
16/3/2021
ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة "الفيسبوك" تساؤلات واستفسارات وفي بعض الأحيان عروض لبيع الراتب التقاعدي!!! ، ومن خلال رصد هذه الاعلانات يتبين أن معظم المقدمين أو من لديهم الرغبة في بيع راتبهم التقاعدي هم من المتقاعدين تقاعداً مبكراً ورواتبهم التقاعدية متدنية.
رواتب متدنية وأعباء اقتصادية صعبة
ان التقاعد هو حق وظيفي واجتماعي وانساني للعامل ومن بديهيات الأمور أن الراتب التقاعدي يكفي لحفظ كرامة الانسان ويصون ماء وجهه، ان العامل الأردني قد تنازل منذ زمن عن كون الراتب التقاعدي يجب أن يوفر له بعضاً من الرفاهية المستحقة بعد سنوات طويلة قضاها في العمل الشاق؛ فهو قد تجاوز هذه الطموحات وخفض سقف طموحاته براتب تقاعدي يكفي لتأمين الاحتياجات الأساسية له ولعائلته وتنأى به من العوز والحاجة.
ان واقع المتقاعدين وخاصة متقاعدوا الضمان المبكر ليعبر عن حالة يرثى لها لهؤلاء المتقاعدين؛ فمن رواتب تقاعدية متدنية الى حرمانهم من أي أمل لزيادة هذه الرواتب الى حرمان من التأمين الصحي الى منعهم من العودة الى سوق العمل.. الخ ، كل هذه الأمور جعلت المتقاعد المبكر أمام واقع صعب وفرص للنجاة قليلة وشحيحة.
كورونا وتضييق الخناق
بالاضافة الى الوضع السيء الذي كان يعيشه متقاعدوا الضمان المبكر قبل دخول جائحة كورونا واضطرار الأغلبية الى المغامرة بالعودة الى سوق العمل بالسر لمحاولة تعويض العجز الشهري الناتج عن كون المصروفات والقروض والالتزامات أكبر بكثير من فتات الراتب التقاعدي الذي يتقاضونه.
وبعد دخول جائحة كورونا وانعكاسها المباشر على نسبة البطالة التي وصلت الى ما يقارب 25% في نهاية الربع الأخير للعام 2020 ومن المتوقع أنها زادت أيضاً عن هذا الحد مع دخول العام 2021 ودخول السلالات الجديدة من فايروس كورونا التي أعادت الاغلاقات والحظر من جديد، أصبح المتقاعدون يبحثون عن أي طرق - قانونية أو غير قانونية - لتأمين سيولة عاجلة تنشلهم من حالة العوز وترحل مواجهة حالة العجز الى المستقبل تحت شعار " لوقته بيجي مقته !!".
غياب التأمين الصحي ضاعف الاقبال على بيع الراتب التقاعدي
النائب السابق ورئيس لجنة العمل والتنمية الاجتماعية الأسبق المهندس عدنان السواعير كان قد أكد في أكثر من مرة أن الاتفاق -الشفوي- الذي تم بين النواب والحكومة عام 2013 أثناء مناقشة تعديلات قانون الضمان الاجتماعي هو أن يسري تأمين متقاعدي الضمان المبكر صحياً اعتباراً من 1/1/2015 مقابل موافقة النواب على رفع اشتراكات الضمان الاجتماعي من 18.75% الى 21.75% ، غير أن الحكومة لم تطبق تغطية المتقاعدين بالتأمين الصحي حتى تاريخه.ان الراتب التقاعدي المتهالك الذي لا يكفي لرتق الفتق الناتج عن الأوضاع المعيشية الصعبة والذي يضطر المتقاعد الى التخلي عن الكثير من الواجبات الاجتماعية والعائلية والتضحية بطموح أبناءه في الدراسة أو حلم امتلاك شقة صغيرة تأويه هو وعائلته؛ كل هذا أصبح أمراً اعتيادياً استطاع المتقاعد التصالح مع نفسه والقبول بالأمر الواقع!!، ولكن عندما يحدث أمر طبي طارئ له أو لأحد أفراد أسرته ويتطلب تدخلاً جراحياً مستعجلاً أو تأمين علاج باهظ الثمن مما يعني ضرورة تأمين سيولة بشكل عاجل وملح؛ يجد المتقاعد نفسه أمام الاضطرار الى تأمين هذه السيولة ولو من خلال بيع راتبه التقاعدي أو تأجيره أو تضمينه لآخرين لأكثر من سنة مقابل قرض يقل عن قيمة هذه الرواتب، خاصة أن المتقاعدين لا يتمكنون من الحصول على قروض من البنوك أو مؤسسات الاقراض كون رواتبهم متدنية ولا تؤهلهم للاستفادة من هذه القروض.
بيع الراتب التقاعدي للخلاص من القروض وفوائدها
أحمد أبو تايه أحد المتقاعدين تقاعداً مبكراً ولكنه من القلة التي تحظى براتب تقاعدي جيد؛ الأمر الذي حفزه لشراء شقة عن طريق البنك ولكن وبعد عدة سنوات من سداد القرض وبالنظر الى أن راتب التقاعد المبكر لأبو تايه مجمد ولا يخضع للزيادة السنوية وبالنظر أيضاً لازدياد فائدة البنوك في السنوات الماضية وفي ظل انخفاض القيمة الشرائية للدينار؛ وجد أبو تايه نفسه عاجزاً أمام الاستمرار فقرر التوقف عن استنزاف راتبه وبيع شقته وشراء شقة أقل ثمناً بهدف تخفيض قيمة القرض الشهري، وبعد البحث والتحري للحصول على سيولة كافية لسداد القرض السكني؛ قرر أبو تايه أن يبحث عن طريقة يبيع فيها راتبه التقاعدي لوقف حالة التآكل في الدخل الشهري وازدياد الفائدة وانخفاض قيمة الدينار الشرائية وتعاظم المسؤوليات العائلية والاجتماعية
شراء راتب تقاعدي لزيادة الدخل!!
من ناحية أخرى هناك فئة من المتقاعدين ذوي الرواتب التقاعدية المتدنية يلجأون الى البحث عن رواتب تقاعدية لزملاء لهم بغرض شرائها كوسيلة لزيادة الدخل الشهري، المتقاعد اياد أبو حافظ متقاعد معلولية يذكر أنه حاول أكثر من مرة شراء راتب تقاعد آخر ليتوفر له راتبين كوسيلة لزيادة الدخل، ولكن الجميع أبلغه أن هذا الاجراء غير قانوني وغير معترف به أيضاً، ويضيف ابو حافظ أنه لجأ لهذه الطريقة بعدما فشل في شراء سنوات خدمة من الضمان الاجتماعي لتعديل راتبه.الضمان الاجتماعي : بيع الراتب غير قانوني ويضر بأصحابه
مؤسسة الضمان الاجتماعي كانت قد أصدرت في وقت سابق بياناً خاصاً حول ممارسات بيع الراتب التقاعدي بهدف الحصول على سيولة نقدية لتلبية الاحتياجات؛ ان المؤسسة تؤكد أن هذه الإجراءات والممارسات لا تتم بمعرفتها وليست لها أي علاقة بها، فضلاً عن أن تكون طرفاً فيها كون تشريعات الضمان لا تجيز مثل هذه الممارسات، كما أن المؤسسة تستغرب لجوء بعض المتقاعدين إلى مثل هذا الأسلوب ، خصوصاً وأن الهدف من الراتب التقاعدي هو حماية الإنسان المتقاعد وذويه من العوز والحاجة في تلبية متطلبات المعيشة اليومية، كون الراتب مخصص لتوفير معيشة ملائمة للإنسان، كدخل دوري يأتي في نهاية كل شهر، أما عملية البيع لآجال محددة أو لمدى الحياة كما قد يفعل البعض، فسوف تؤدي إلى خسارة المتقاعد لدخله الدوري (راتبه التقاعدي الشهري) وبالتالي وقوعه وأفراد أسرته في دائرة الفقر والحاجة، وهو ما لا يقبله المجتمع ولا نقبله نحن في مؤسسة الضمان للمتقاعدين، فمهما كانت قيمة الراتب التقاعدي فهو أفضل من العدم، لأن قليلاً دائماً خير من كثير منقطع، وهي قاعدة ذهبية ننصح المتقاعدين بامتثالها.
وحذرت المؤسسة من اللجوء إلى بيع الراتب التقاعدي، كونه إجراء غير قانوني، يتم خارج إطار المؤسسة، بين صاحب الراتب التقاعدي (البائع) وشخص آخر (مشتري)، وينطوي على مغامرة، فكيف يتم بيع راتب لمدة معينة او مدى الحياة مقابل مبلغ معين من المال يتفق عليه الطرفان، ولا أحد يعرف عمره، فلو افترضنا أن هذا المتقاعد قد توفي، فسينقطع راتبه التقاعدي أو يوزع كأنصبة على ورثته المستحقين وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي..!!
وأكدت مؤسسة الضمان الاجتماعي أنها ملتزمة بتحويل الرواتب التقاعدية إلى الحسابات البنكية لأصحابها مباشرة، ولا تقبل تحويل الراتب التقاعدي إلاّ لصاحبه المستحق، حتى لو طلب صاحب الراتب من المؤسسة تحويل راتبه لشخص آخر، فلن يستجاب لطلبه، حرصاً منها على حقوق متقاعديها وتطبقاً لأحكام القانون.
دائرة الافتاء العام : بيع الراتب التقاعدي مقامرة وربا
بدورها أجابت دائرة الافتاء العام على طلب الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" لفتوى بخصوص بيع الراتب التقاعدي فكان الرد :
"لا يجوز بيع الراتب التقاعدي بمبلغ معين؛ وذلك لحصول الربا في هذا البيع، لأنه بيع مال آجل بمال عاجل، وشرط مبادلة المال بالمال التقابض، كما قال عليه الصلاة والسلام: (الذهب بالذهب ربا إلا يدا بيد) متفق عليه، كما أن المبيع هنا -الراتب- مجهول، لا يعرف مقداره وقيمته الكاملة على مدى السنوات المقبلة، وشرط المبيع في الشريعة الإسلامية أن يكون معلوماً.
كما أن الأصل في الراتب التقاعدي أنه نوع من المساعدة تقدمها الدولة للموظف أو المنتفعين منه فقط بعد نهاية خدمته، فلا يجوز بيعه. والله تعالى أعلم".
كما أن الأصل في الراتب التقاعدي أنه نوع من المساعدة تقدمها الدولة للموظف أو المنتفعين منه فقط بعد نهاية خدمته، فلا يجوز بيعه. والله تعالى أعلم".
أما موقع الاسلام سؤال وجواب فقد نشر فتوى مفصلة بخصوص الحكم الشرعي لبيع الراتب التقاعدي جاء فيها:
لا يجوز بيع راتب التقاعد بالنقد أو بالعروض، لما في ذلك من الربا أو الغرر.
فالصورة الأولى وهي بيع هذا الراتب مقابل نقد، ربا محرم، لأنه بيع نقد بنقد متأخر متفاضل، فهو جامع لربا النسيئة والفضل، مع الجهالة والغرر لأن مجموع الراتب لا يدرى كم هو، فقد ذكرت أنه يبقى للأبد!
والصورة الثانية وهي بيع الراتب بعرض كسيارة مثلا، فيه غرر وجهالة؛ لما قدمنا من جهالة مجموع الرواتب التي سيتم بيعها، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، كما روى مسلم (1513) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) .
ولهذا اشترط الفقهاء لصحة البيع: العلم بالمبيع. والمبيع هنا مجهول.
وفي "الموسوعة الفقهية" (30/ 224): " يشترط في المحل [أي محل العقد] أن يكون معينا ومعروفا للعاقدين , بحيث لا يكون فيه جهالة تؤدي إلى النزاع والغرر. ويحصل العلم بمحل العقد بكل ما يميزه عن الغير من رؤيته أو رؤية بعضه عند العقد , أو بوصفه وصفا يكشف عنه تماما , أو بالإشارة إليه.
وهذا الشرط متفق عليه عند الفقهاء في عقود المعاوضة في الجملة فلا يجوز بيع شاة من القطيع مثلا ، ولا إجارة إحدى هاتين الدارين , وذلك ; لأن الجهالة في محل العقد: (المعقود عليه) تسبب الغرر، وتفضي إلى النزاع.
وفرق بعض الفقهاء في هذه المسألة بين الجهالة الفاحشة - وهي: التي تفضي إلى النزاع - وبين الجهالة اليسيرة - وهي: التي لا تفضي إلى النزاع - فمنعوا الأولى وأجازوا الثانية " انتهى.
وأيضا، فهذا الراتب في حكم الدين للموظف، ولا يجوز بيع الدين لغير من هو عليه.
قال في شرح منتهى الإرادات : " و (لا) يصح بيع دينٍ مطلقا (لغيره) ، أي غير من هو عليه; لأنه غير قادر على تسليمه، أشبه الآبق" انتهى.
فالحاصل تحريم بيع راتب التقاعد مطلقا، والله أعلم.
اقرأ أيضا:
إرسال تعليق