الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
يضم قانون العمل العديد من القواعد التي تنظم عقد العمل الفردي وعقد العمل المشترك، مثل: تحديد عدد ساعات العمل، وحق العامل في الإجازات الأسبوعية أو السنوية بأجر، ووضع حد للمعدل الأدنى للأجور، وطريقة إنهاء عقد العمل دون تعسف، وتعويض العامل في حال فصله بشكل تعسفي، كما ينظم علاقات العمل الجماعي؛ مثل: النقابات، وتنظيمها، وإضراب العمال، ومنازعات العمل الجماعية.
تسمية قانون العمل :
أطلق على هذا الفرع من القانون اسم (( التشريع الصناعي )) وقد كانت التسمية تنسجم مع نطاق شمول هذا القانون حيث كان محصورا في نطاق الصناعة إلا إن هذه التسمية غدت ضيقة من جهة لأنها لا تتلائم مع نطاق شمول القانون الذي امتد ليشمل فئات أخرى تعمل في مجالات التجارة والزراعة وخدم المنازل كما أنها واسعة تدل على أكثر مما يقصد منها لان قانون العمل ليحكم جميع صور النشاط الصناعي كالمنافسة غير المشروعة والأمور المتعلقة ببراءات الاختراع.
إن عبارة (( التشريع الصناعي )) توهم بأنه يتناول جميع هذه الأمور مع القوانين المتعلقة بالعمل لذلك فقد ذهب الفقهاء إلى تسمية (( قانون العمال )) إلا إن هذه التسمية لا تنطبق مع الواقع لان هذا القانون لا يختص بالعمال وحدهم بل ينظم العلاقات بينهم وبين أصحاب العمل .
وقد استعمل البعض مصطلح (( القانون الاجتماعي)) إلا إن هذه التسمية واسعة وغامضة وذلك لان جميع القوانين اجتماعية بالقدر الذي تحكم فيه الروابط الناشئة عن العيش في المجتمع ولأنه إذا كانت الاعتبارات الاجتماعية هي التي أملت تشريع قوانين العمل فان هذه الاعتبارات نفسها هي الأساس في تشريع كثير من القوانين الأخرى التي لاعلاقة لها بالعمل كقوانين التأمينات الاجتماعية وقوانين التعاون مثلا ، لذا يمكن القول بان تسمية (( قانون العمل )) هي الأكثر انسجاما مع حقيقة هذا القانون ومدلوله.
أهمية قانون العمل :
يحتل قانون العمل أهمية كبيرة
تفوق غيره من القوانين الأخرى وتظهر هذه الأهمية في ناحيتين أهميته بالنسبة للإفراد وأثره على الحياة
الاقتصادية .
أهميته بالنسبة للافراد :
إن قانون العمل يمس المصالح
الحيوية لمجموعة كبيرة من السكان هم العمال الذين يشكلون الأكثرية الساحقة من
السكان العاملين الذين يقومون بعمل تابع لحساب وتحت سلطة وإشراف غيرهم واعتمادهم
في معيشتهم غالبا على هذا العمل وما يتقاضون من اجر مقابل ذلك يبرز الأهمية
الاجتماعية لهذا القانون الذي يطبق عليهم وهم يمثلون الجانب الأكبر من المجتمع
فهذا القانون ينظم كيفية حصول هذه الطائفة الكبيرة على ما تستحقه من اجر مقابل
العمل كما يحدد ساعات العمل وأوقات الراحة والإجازة والسنوية والمرضية كما يحقق
هذا القانون تحسينا لظروف العمل ويتضمن قواعد لحماية فئات معينة كالأحداث والنساء،
ويمكن القول انه بمقتضى قانون العمل (( يتحدد الوضع الإنساني واللاإنساني لحياة
العمال )) .
قانون العمل والسلم الاجتماعي :
ان تعلق قانون العمل بمجموعة
كبيرة من أفراد المجتمع وأثره في حياتهم الشخصية والعائلية يظهر أهميته البالغة
للسلم الاجتماعي إذ يعتبر من أهم عوامل إقرار هذا السلم لأنه بتدخله المتزايد في
حياتهم وما يوفره لهم من حماية يساعد على إرساء الاستقرار ويقضي على أسباب النزاع
والسخط والتذمر، لهذه الأسباب تبرز أهمية قانون العمل للسلم الاجتماعي حيث إن
سيادة هذا السلم يؤدي إلى تحسين شروط الإنتاج وزيادته .
إن قانون العمل لا يتوصل لتحقيق هذا السلم بمجرد
إيجاد نوع من التنظيم لعلاقات العمل بل يعبر بوضوح عن العدالة الاجتماعية وذلك
بوضعه أسسا للتوازن الضروري بين مصالح العمال وأصحاب العمل .
قانون العمل والحياة الاقتصادية :
إن
قانون العمل بما يهدف إليه من حماية للعمال يحمل أصحاب العمل أعباء والتزامات
مالية سواء ما تعلق منها بتحديد لأجر أو بتوفير خدمات اجتماعية للعمال والمساهمة
في مجالات أخرى لصالحهم كصناديق الادخار والتامين ضد مخاطر العمل ….. الخ .
إن كل ذلك يؤدي إلى زيادة في تكاليف الإنتاج وان هذه الزيادة تؤثر في الأسعار والأجور وبصورة عامة يظهر هذا التأثير على الدخل القومي .
إلا انه ينبغي عدم المبالغة في فرض هذه الأعباء والتأكد من أن الآثار المترتبة على ذلك لا يتحمل إن تخلق أوضاعا اقتصادية قد تنقلب ضد مصالح العمال كأن يبالغ في رفع الحد الأدنى للأجر في قطاع معين مما يحد من قدرة أصحاب العمل في الاستمرار ويدفعهم إلى التوقف عن العمل، إن التشريع الاجتماعي يعتبر مكملا للتشريع الاقتصادي فما بين السياسة الاجتماعية والسياسة الاقتصادية ارتباط لايمكن معه فصل أحداهما عن الأخرى وان هذا الارتباط يتفق مع طبيعة الأشياء ومع الترابط الوثيق بين الاقتصاد والاجتماع الذي يجعل كل محاولة لفك الرباط بينهما زائلة الأثر. ان الأهداف الاجتماعية تؤدي الى تعدد مجالات النشاطات الاقتصادية من حيث توجيه راس المال نحو استثمارات في قطاعات أخرى جدي وهذا يدفع إلى توجه التشغيل نحو القطاعات الاقتصادية الجديدة ولاشك فان كل ذلك أثاره الايجابية على الإنتاج والدخل القومي.
كما
تظهر أهمية قانون العمل في مدى التأثير على الانتاج فنرى مثلا إن قانون العمل يحدد
كمية العمل عندما يضع حد أقصى لساعات العمل اليومي أو يضع شروطاً معينه لتشغيل
العمال فيستبعد بعض الفئات من القيام بأعمال معينه كالأحداث والنساء ولا شك في أن آثار
ذلك ينعكس على الإنتاج إذا بقيت عناصر الإنتاج الأخرى ثابتة فأثر قانون العمل كبير
على مردود النشاط الاقتصادي.
ففي الوقت الذي يعتبر البعض أن تقييد فئات معينة كالنساء من القيام ببعض الأعمال الشاقة أو ممارسة العمل في أوقات معينة فيه تعدي على حرية المرأة في الاختيار وتكبيل لمشاركتها الاقتصادية واضراراً بالاقتصاد الوطني ، بالاضافة الى كونه يرسي ويشرعن التمييز الجندري في عالم العمل؛ الان أن آخرين يعتبرون هذا "التقييد" أو "التنظيم" ليس فيه اضرار بالاقتصاد الوطني وذلك لان تحديد مدة العمل ومنع بعض فئات العمال من القيام بأعمال معينة وتحديد السن كل ذلك يؤدي إلى ضمان سلامة العمال وقوتهم وبالتالي قيامهم بأداء عملهم بشكل أفضل مما يؤدي تبعا لذلك إلى ارتفاع إنتاجيتهم.
إن قانون العمل يؤثر على الدخل القومي والقوة الشرائية وذلك عندما يضع أو يحدد أجراً عادلا للعامل إذ إن مجموع الأجور تؤلف أحد العناصر الرئيسية للدخل القومي وهذا يؤثر على الاستهلاك فيزيد القدرة الشرائية للعمال.
قانون العمل والأهمية السياسية والثقافية :
يحكم قانون العمل أكبر شريحة من المجتمع وهم العمال، ويؤثر على شؤون حياتهم، كما أن العديد من الفئات داخل التنظيمات النقابية تكون مرتبطة بأحزاب سياسية بهدف كسب ودهم، وتحسين أوضاعهم في حال بلوغهم الحكم.
كما يرفع المستوى العلمي للفئات العمالية في المجتمع من خلال تزويدهم بمفاهيم علمية لأهمية النظريات المعاصرة في مجال العمل، وكذلك الوقاية من الأمراض المهنية والسلامة العامة.
قانون العمل والعقد الاجتماعي والحوكمة الرشيدة
قانون العمل وحرية التنظيم النقابي
لعل من أبرز الانتكاسات والتقهقر في مواد قانون العمل من خلال التعديلات التي جرت عليه هو ما يتعلق بحرية التنظيم النقابي، فلا يزال القانون يقيد ويكبل حرية العمال في تأسيس والانضمام للنقابات العمالية وما تجميد عدد النقابات العمالية بسبعة عشر نقابة لم يتم الموافقة فيها على تاسيس نقابة واحدة منذ عقود؛ الا مؤشراً سلبياً على اضعاف قوة العمال ومحاولة لتكبيل أياديهم ومنعهم من ممارسة حقهم في التنظيم النقابي، الأمر الذي دعى العديد من العمال الى ممارسة حقهم في تأسيس النقابات العمالية من خلال تأسيس النقابات المستقلة التي تعاملها الحكومة على أنها خارج غطاء قانون العمل وبالتالي فهي فاقدة لحقها في تمثيل العمال والحق في المفاوضة الجماعية والنزاعات العمالية وابرام عقود العمل الجماعية.
ان الخلل في مواد قانون العمل لم يتوقف عند سلب العمال حرية التنظيم النقابي المكفولة بالدستور الأردني واتفاقيات منظمة العمل الدولية، ولم يتوقف أيضاً على عدم السماح للعمال بتأسيس نقاباتهم العمالية تحت مظلة قانون العمل من خلال رفض كافة الطلبات المقدمة من قبل العمال لتأسيس نقابات جديدة؛ بل ان الأمر تعدى ذلك بتحجيم النقابات العمالية القائمة من خلال تعديلات قانون العمل والتي أثرت بشكل أساسي على حق العمال في وضع أنظمتهم الداخلية وتعديلها بحرية فقام المشرع بمصادرة هذا الحق وربط وضع أي نظام داخلي أو تعديله بمصادقة وزارة العمل عليه!!.
بل ذهبت التعديلات أبعد من ذلك بأن سلبت حق حل النقابات العمالية من يد القضاء ومنحه للوزير ان هو رأى حل النقابات فلا يتطلب منه اللجوء للقضاء وطلب ذلك بل كل ما عليه فعله هو اصدار قرار مباشر يقضي بحل هذه النقابات بل ويعاقب النقابيون الذين يمارسون العمل النقابي بعد قراره بحد نقابتهم بالغرامة والسجن!!.
هناك حاجة ملحة لصياغة عقد اجتماعي جديد يتحمل فيه الجميع مسؤولياتهم ويقوموا بواجباتهم ضمن حوكمة رشيدة وسيادة للقانون تبدأ بمراجعة التشريعات الوطنية وعلى رأسها قانون العمل، فلا بد ولا بديل عن اطرق حوار اجتماعي حقيقي لصياغة قانون عمل عصري تعتبر الحقوق الأساسية للعمال واتفاقيات العمل الدولية هي حجر الأساس فيه.
إرسال تعليق