تُعتبرُ النّساءُ في الأُردنّ من بينِ الأكثرِ تعليماً في منطقة الشّرقِ الأوسطِ وشَمالِ إفريقيا، ومعَ ذلك، فإنّ إنجازاتِهنّ في التّعليمِ لا تُترجَمُ إلى عملٍ مُنتجٍ في القُوى العاملةِ حيثُ ذكرتْ تقاريرٌ عدّةٌ أنّ مُشاركةِ المرأةِ في سوقِ العَمَلِ تُعادلُ 14.4% وهي تضعُ الأُردنّ بمرتَبةٍ مُتأخّرةٍ جدًّا كأقلّ نسبةٍ لدولةٍ في العالمِ خاليةٍ من الحُروبِ .
ذكرَ تقريرُ ماكينسكي لعامِ 2020 أنّ المرأةَ يُمكِنُ أنْ تُضيفَ ما يصلُ إلى 27 مليارِ دولارٍ إلى النّاتجِ المحليّ الإجماليّ لِلعالَمِ ، خاصّةً أنّنا في الثّورة الصّناعيّةِ الرّابعةِ الّتي تحوّلَ مُعظمُ عملياتِ العملِ إلى عملياتٍ مُؤتمتة.
وهذا يعني أنّ قَنَواتِ العَمَلِ عَبرَ الإنترنت الّتي يَتِمُّ إنشاؤها تُمَكِّنُ النّساءَ مِنَ التّمتُّعِ بأُسلوبِ حياةٍ مَرِنٍ ، والعُثورِ على وظيفةٍ مُناسبةٍ ، وبدءِ عَمَلهِنَّ الخاصّ لِمَنْ يُتقنُ مواضيعَ العُلومِ والتّكنولوجيا والهندسةِ والرّياضيّاتِ .
و على الرّغمِ مِنْ أنَّ العالَمَ الرَّقميَّ يَتَوسّعُ بشكلٍ كبيرٍ ويَخلقُ مجموعةً واسعةً من فُرَصِ العَملِ الّتي تُناسِبُ ظُروفَ المرأةِ ، إلّا أنَّهُ مِنَ المُؤسِفِ أن نقول :َ إنّ شمولَ المرأةِ في العالَمِ التُّكنولوجيِّ لا يزالُ مُنخفِضًا.
تُشيرُ إحدى الدِّراساتِ إلى أنَّ أحَدَ الأسبابِ هو أنَّ النِّساءَ يُركِّزنَ على الدِّراساتِ الأدبيَّةِ بَدَلاً من دراسةِ موضوعاتِ العُلومِ والتّكنولوجيا والهندسَةِ والرِّياضيّاتِ وذلك الَّذي قد يكون مُرتَبِطًا بالإدراكِ الذَّاتيّ بأنَّ الخَلفيَّةَ الأدبيَّةَ توفِّرُ فُرصَ عَمَلٍ مُناسبةٍ للمرأةِ . عِلمًا أنَّ تقريرَ البنكِ الدَّوليِّ لعامِ 2018 وجدَ أنَّ أداءَ النِّساءِ في الأُردُنِّ أعلى بـ 29 نُقطةً من نُظرائِهِن مِنَ الرِّجالِ في الموضوعاتِ العلميَّةِ والتَّقَنيَّةِ .
كنساءٍ نحنُ نواجهُ حقيقةَ الصِّراعِ الثّقافيّ والّذي بُنيَ على تشجيعِ المرأةِ على التّعليمِ ولكن هذهِ الثّقافةُ نفسُها تمنعها من المشاركةِ في سوقِ العَملِ وذلك بسببِ القولبّةِ النمطيّةِ لدورِ المرأةِ في المُجتمعِ وبأنّ النّساءَ هُنَّ غيرُ قادراتٍ على القيامِ بالدّور الرِّعائيِّ والعَملِ في نفسِ الوقتِ وكأنَّ الدّورَ الرِّعائيَّ هو مُناطٌ فقط للمرأة . أضِفْ الى ذلك تعقيداتِ ذلك الدّورِ بعد جائِحةِ كورونا والّذي زادَ الأعباءَ على المرأةِ من العَملِ عَبرَ الإنترنتِّ والتّعليمِ عن بُعدٍ وتخفيضِ الأجورِ وغيرِها الكثيرِ . فبالرَّغمِ من أنَّ الأردن َّ يُعتبرُ مُجتمعًا حضاريًّا وحديثًا وقد أصبحَ أقربَ إلى تمكينِ المرأةِ الأُردنيّةِ أكثرَ من ذي قبلَ مُنذُ بَدءِ المُبادراتِ الملكيّةِ لِدعمِ المرأةِ ، إلّا أنَّ قضايا النّوعِ الاجتماعيِّ والثّقافةِ ما زالت تُؤثِّرُ على المرأةِ .
يُنظَرُ إلى الأدوارِ الاجتماعيّةِ على أنَّها الاختلافاتُ البيولوجيّةُ والسُّلوكيّةُ بينَ المرأةِ والرّجلِ .
بل أنّهُ وبسببِ هذه الاختلافاتِ ، يَتِمُّ تبنِّي السَّردِ المُعَقَّدِ للمرأةِ مُقابلَ الرّجلِ .
يُشيرُ أحد الأسباب إلى أنَّ الأعرافَ الاجتماعيّةَ العربيّةَ هي السَّببُ في مثلِ هذا التَّصوُّرِ الواقعيِّ المُعَقَّدِ للنّوعِ الاجتماعيِّ . بل والمُثيرُ لِلجَدَلِ أنّهُ وعلى الرّغمِ من وجودِ ناشِطاتٍ يُدافعْنَ عن حُقوقِ المرأةِ إلّا أنّ هُناك نِسبةً كبيرةً من النِّساءِ مازِلْنَ غائباتٍ أو مُغَيّباتٍ ولا يَعْرِفْنَ عنْ كُلِّ الجُهودِ الّتي تقومُ بها العَديدُ مِنَ المُنَظَّماتِ لِحَلِّ العواملِ الخارجيَّةِ الّتي تُعيقُ مُشاركتِها و هُناك احتِمالٌ ألّا تكونَ النِّساءُ على دِرايةٍ بالقِيَمِ والدَّوافعِ الجَوهريَّةِ لهذهِ الحَركاتِ ، فتُشيرُ إحدى الأبحاثُ إلى أنَّ أكبرَ عَقَبةٍ تُواجِهُ النِّساءَ في مِنطَقةِ الشَّرقِ الأوسَطِ هي عَدَمُ قُدْرَتِهِنَّ على تغييرِ ما لا ترونهُ .
المرأةُ الأردنيّةُ تَجهلُ القوانينَ والحُقوقَ الّتي تدعمُها إمَّا لأنَّها لا تفهمُها بشكلٍ كاملٍ أو لأنَّها غائبةٌ عنِ الحقيقةِ عن قصدٍ. وبالتّالي، يجبُ تنظيمُ قوانينَ جديدةٍ لدَعمِ تمكينِ المرأةِ وإنْصافِها ، إلَّا أنَّهُ إذا تمَّ مَنحُ المرأةِ القوّةَ ، فإنَّ مُجتمعَنا لا يزالُ غيرَ مُستعِدٍّ لِفهمِ هذا التغييرِ بسببِ المفهومِ القائلِ بأنَّ دورَ الذُّكورِ هو المعيارُ الّذي يُقاسُ بهِ دورُ الأنثى. يَكشفُ هذا التَّقسيمُ المِعياريُّ عنْ مفهومِ المُجتمعِ في اعتبارِ المرأةِ نَظيرًا غيرَ مُتساوٍ تمامًا للرّجلِ . كما تسبَّبَ في حُدوثِ انقسامٍ في عملِ كُلٍّ من الرِّجالِ والنِّساءِ ، خاصَّةً وأنَّ مُعظَمَ النِّساءِ تميلُ إلى تفضيلِ أداءِ واجباتِهِنَّ المنزليَّةِ بَدَلاً من البحثِ عن مَساراتٍ وظيفيّةٍ والمشاركةِ في سوق العملِ . بالإضافةِ إلى حقيقةِ نُشوءِ المرأةِ على أن تكونَ عاطفيَّةً لا عقلانيّةً . كُلُّ هذا يُؤدّي إلى أنْ تُقلِّلَ النِّساءُ مِنْ قيمةِ أنفُسِهِنَّ مُقارنةً بنظرائهم من الذُّكورِ الّذين لديهِم نفسُ الميّزات .
هذه قضيّةٌ تجعلُنا نُرتِّبُ أوراقَنا بشكلٍ مُختلفٍ و تَدعُنا نُفكِّرُ إذا ما كانَ تصوَّرُ المرأةِ الذّاتِيِّ بأنَّ وظيفةً ما مُلائِمة أكثر للرِّجالِ عنِ النِّساءِ هي السّببُ وراءَ ضَعفِ مُشاركتها في سوقِ العملِ .
فعلى الرّغمِ من جهودِ المُنظَّماتِ المحليَّةِ والدَّوليَّةِ في الحَدِّ منَ العواملِ الّتي تُؤثِّرُ على مُشاركتِها هُناكَ صورةٌ نمطيَّةٌ تُميِّزُ المرأةَ ودورَها في المُجتمعِ ، هذه الصّورُ النَّمطيَّةُ ظهرتْ منَ الهيئاتِ الثَّقافيَّةِ ، والدِّينِ ، والتَّعليمِ ، والإعلامِ وما إلى ذلك.
وهذه كافيةٌ لتشكيلِ تصوُّرِ المرأةِ الذّاتيِّ والّذي يَدعمُ التَّمييزَ بينَ الجِنسَينِ دونَ أنْ يُلاحَظَ ذلك ، مِمّا يُحافِظُ على عَدَمِ المُساواةِ بينَ الجِنسَينِ بَدَلاً منَ التَّقليلِ مِنها ، فأظهرتْ الدِّراساتُ أنَّ ( الجندر ) كأدوارٍ ، مبنيٌّ اجتماعيّاً وليسَ مُرتبطا بالبعد البيولوجيّ، فبالتالي هو قابلٌ للتّغييرِ . ومع ذلك لم تُوجّهْ الجُهودُ على كيفيَّةِ تشجيعِ النِّساءِ على بَدءِ رِحْلَتِهِنَّ الخاصّةِ في تغييرِ التّصوّرِ المُتحيّزِ والمضمّنِ في رؤوسِهِنَّ جنبًا إلى جنبٍ مع مُحيطِهِنَّ . فباتَ من الضّرورةِ البحثُ في منهجياتِ تغييرِ تصوّرِ المرأةِ لِذاتِها كعاملٍ يُغيّرُ اللُّعبةَ .
كُلُّ هذا خلقَ سببًا وراءَ حاجةِ النِّساءِ لتغييرِ هذا التّصوّرِ والانفتاحِ على تسليحِ أنفُسِهنَّ بالمهاراتِ الّتي تُمكِّنُهُنَّ منَ الانضِمامِ إلى القُوى العامِلةِ . وتجدُرُ الإشارةُ إلى أنَّ النِّساءَ قد يفتقِرنَ إلى الثِّقةِ بالنَّفسِ والعزيمةِ للحُصولِ على التَّدريبِ لاكتسابِ المَهاراتِ المطلوبةِ الّتي تُمكِّنُهُنَّ منَ الانضِمامِ إلى القُوى العامِلةِ والّتي إذا تمَّ تحقيقُها ستُغيِّرُ القوالبَ النَّمطيَّةَ الجنسانيّةَ والعَقباتِ السُّلوكيةَ .
انتهى عامُ 2020 ، ومعَ ذلك ، لا تزالُ النِّساءُ في مناصبَ قياديّةٍ خجولةٍ ، لذلك تحتاجُ النِّساءُ إلى الوصولِ إلى نُقطةٍ تكونُ مُتأكِّدةً بشكلٍ كافٍ منْ أنْ تكونَ استباقيّةً وتدفعُ نحوَ الفُرصِ والظُّروفِ الواعدةِ الّتي تتماشى مع نِقاط قوَّتها وصِفاتِها. هذا يستلزمُ اليقظةَ لفهمِ ما يمنعهنَّ من دخولِ القُوى العاملةِ والعملِ بنشاطٍ نحو تغييرِ حواجِزهِنَّ الذّاتيةِ فغالبًا ما يتمُّ تجاهلُ تصوُّرِ الذّاتِ والمُعتقَداتِ ويتمُّ ذِكرُها بشكلٍ مُتكرِّرٍ على أنّها مفاهيمٌ جانبيّةٌ ولا يتمُّ التّركيزُ عليها وعلى أبعادِها السّلبيةِ إنْ لم تُرصَدْ بشكلٍ كافٍ . فإنْ تمَّ رفعُ وعي الإدراكِ الدّاخليِّ للمرأةِ ومُعتقداتِها والدّوافعِ الجَوهريّةِ لإجراءِ التّغييرِ بشكلٍ فعّالٍ سيؤدّي ذلك إلى قيامِ المُنظّماتِ المحليّةِ والدّوليةِ بتصميمِ التدخُّلاتِ المُناسبةِ الّتي من شَأنِها زيادة المشاركةِ الاقتصاديّةِ للمرأةِ وتؤدّي إلى نموِّ الاقتصادِ الوطنيِّ .
إرسال تعليق