أصدر البنك الدولي، المتعاطف جدًا مع الأردن، دراسة حديثة بعنوان “مؤسسة الضمان الاجتماعي: نحو توسيع التغطية ونظام تقاعد أكثر ملاءمة وإنصافًا واستدامة”، قال فيها إن “الإيرادات لن تكون كافية لتغطية النفقات في حوالي 10 أعوام فقط. ومن الممكن استنفاد جميع احتياطيات المؤسسة في وقت أقرب مما هو متوقع، ما لم يتم النظر في تدابير إصلاحية سريعة”.هذه الدراسة التي تدق نواقيس خطر، ستكتوي بنيرانها الأغلبية من أبناء الشعب الأردني، ويجب دراستها مليًا، بشكل جدي وواقعي وشفاف، بعيدًا عن أي مجاملات أو “غمغمات”، للوقوف أولًا على مدى مصداقيتها، التي لا يشك أحد فيها، كونها صادرة عن البنك الدولي، الذي يمتلك خبرة كبيرة في عمليات تقييم واقع أنظمة الحمايات الاجتماعية في معظم دول العالم.
ثانيًا، يجب معرفة السلبيات الموجودة الآن في قوانين وإجراءات المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، ثم وضع خريطة طريق، قابلة للتنفيذ، بأقل التكاليف وبأسرع وقت ممكن، للتغلب على تلك السلبيات.
إن رفع سن التقاعد وإلغاء التقاعد المُبكر، اللذين ركزت عليهما تلك الدراسة، بدعوى “ضمان الاستدامة المالية العامة على المدى الطويل”، ليستا السلبيتين الوحيدتين، وخصوصًا إذا ما علمنا بأن ثلثي مشتركي الضمان الاجتماعي يحصلون على رواتب شهرية تقل عن 500 دينار، بمعنى ثان يتقاضى ذلك المشترك راتبا يجوز أن نُطلق عليه “خط الفقر”.
وحتى لا يُفهم كلامي خطأ، أو أنني من أنصار “التقاعد المُبكر”، فإنه من الأمانة أن أُشير إلى أن ما يدفع المواطن الأردني إلى اللجوء إلى هذا النوع من التقاعد، هو أولًا تواضع الراتب الذي يتقاضاه على مدى أعوام خدمته، فمتوسط الرواتب الشهرية يتراوح ما بين 500 و600 دينار.. إن ذلك يدفع المواطن للتقاعد المبكر، فعندما يصل إلى سن الشيخوخة، فإنه لن يكون هناك فرق كبير بين راتبه التقاعدي سواء أكان “المُبكر” أو “الشيخوخة”.
ثانيًا، إن التقاعد المُبكر، أصبح يُمثل نوعًا من الأمان، وخصوصًا في الوقت الحالي، مع كثرة الاستغناء عن العمال أو الخصم من رواتبهم بنسبة تصل إلى ربع ما يتقاضونه شهريًا، جراء جائحة فيروس كورونا المستجد.
على مؤسسة الضمان، التفكير بطريقة أخرى، والتركيز على زيادة أعداد المشمولين بـ”الضمان”، حيث لا تتجاوز نسبة المشتركين، الآن، 52 بالمائة من مجموع العاملين في الأردن، وذلك يتم من عدة طرق أولها وأهمها: تخفيض نسبة اشتراك العامل، والتي تبلغ حاليًا 21.75 بالمائة من إجمالي راتبه، وهذه الخطوة كفيلة بجعل صاحب العمل يُشرك جميع العاملين لديه بـ”الضمان”، وعدم التهرب من ذلك، حيث يدفع حاليًا 14.25 بالمائة من إجمالي راتب العامل.
ثم إن تخفيض الاشتراك، يُشجع الكثير ممن يعملون لحسابهم الخاص، على التسجيل بـ”الضمان”، وبالتالي الانتفاع بالحمايات التي توفرها المؤسسة، على قلتها طبعًا.
للمحافظة على أموال “الضمان”، التي هي بالأصل أموال الأردنيين، يجب التركيز، وبشكل جدي، على موضوع الاستثمار، فهو الحل الأمثل في كل الأوقات، وخصوصًا في ظل الأوضاع الراهنة، حيث نعيش في وضع اقتصادي صعب، ما بين “انكماش” و”ركود”.. إن ذلك يتطلب تغيير منهجية الاستثمار، والبحث عن طرق أكثر فائدة، لاستثمار “تحويشة” الأردنيين في مجالات ومشاريع ناجحة، والابتعاد عن التفكير بمشاريع “فاشلة”، إذ لا مجال للتجارب غير الناجحة في الوقت الحالي.
كما يتطلب للمحافظة على أموال “الضمان”، وقف التدخل في المؤسسة، كالتعيينات في المراكز القيادية فيها، فضلًا عن عدم الاعتماد عليها عند الاقتراض، للخروج من المآزق المالية، خاصة إذا ما علمنا بأن مجموع الديون المترتبة لـ”الضمان” على الحكومة تبلغ نحو 82 بالمائة من مجمل أموال المؤسسة!.
إرسال تعليق