الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش |
الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
12/6/2021
بصدور الارادة الملكية بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وتكليف دولة سمير الرفاعي برئاستها نكون أمام حدث ملفت ومهم على الساحة الأردنية خاصة بعد ما شهده الشارع الأردني في الأسابيع الأخيرة من أحداث دقت ناقوس الخطر بضرورة الاسراع في عملية الاصلاح، ويكاد يجمع الجميع أن بوابة الاصلاحات الجادة يجب أن تمر من بوابة الاصلاحات السياسية.
ان فكرة تشكيل لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية قد تبعث - من ناحية المبدأ- على الارتياح خاصة أن ما تم الافصاح عنه من مهام هذه اللجنة من وضع مشروع قانون جديد للانتخابات ومشروع قانون جديد للأحزاب السياسية، والنظر في التعديلات الدستورية المتصلة بالقانونيين وآليات العمل النيابي وجميع هذه المهام هي من صلب المطالب الاصلاحية التي ينادي بها الجميع.
من جانب آخر يختلف الأردنيون في مدى قبولهم وحماسهم لمخرجات هذه اللجنة بعدما اطلعوا على الأسماء التي تشكلت منها، فمع وجود أسماء يجمع الأردنيون على كفاءتها وعدم أسبقيتها في قضايا لها علاقة في الفساد؛ الا ان اللجنة بنظر الكثيرين تضمنت أسماء لها باع طويل في المناصب الحكومية بل ويعتبرها البعض أنها سبب أساسي من أسباب تأخر العملية الاصلاحية في الأردن، ومن هنا يبقى الرهان على الصلاحيات الممنوحة لهذه اللجنة ومدى الجدية في انتاج مخرجات يجمع عليها الأردنيون وتعتبر أولى الخطوات الحقيقية والجادة في طريق الاصلاحات، ولا يستطيع أحد أن ينكر على المتشائمين أو غير المتحمسين لهذه اللجنة كونها لم تكن اللجنة الأولى التي تشكلت لهذا السبب وبالتالي ترسخت القناعة لدى شريحة كبيرة أنها قد تكون من باب امتصاص الغضب الشعبي لا أكثر وستكون مخرجاتها كمخرجات مثيلاتها السابقين.
في نظرة سريعة الى الأسماء التي تشكلت منها اللجنة يمكن الخروج بانطباع أنه قد تم مراعات تمثيل كافة أطياف ومكونات المجتمع الأردني من رجال دولة وأحزاب ومعارضين وأكاديمين وكتّاب ونقابات مهنية وتكنوقراط وعشائر..الخ ، ولكن ما يلفت الانتباه ويستوجب التوقف عنده هو غياب النقابات العمالية!!!
لقد تكرر استبعاد النقابات العمالية من جلسات الحوار الاجتماعي التي تطلقها الدولة أكثر من مرة وهنا أضرب مثالين قريبين وهما الحوار التي انطلق بعد الاحتجاجات الشعبية على ضريبة الدخل التي أطاحت بحكومة الملقي، هناك أيضاً حضر الجميع وغابت النقابات العمالية، وأيضاً في الحوارات التي أطلقها مجلس الأعيان في العام 2019 حول تعديلات قانون العمل والذي من المفترض عندما نقول قانون عمل ينصرف الذهن مباشرة الى النقابات العمالية؛ الا ان ما حدث هو توجيه دعوات آنذاك للجميع باستثناء النقابات العمالية!!!
حقيقية - على الصعيد الشخصي - شعرت بالأسى والأسف عندما استعرضت الأسماء ولاحظت خلوها من ممثلي العمال وقيادة النقابات العمالية والأسى هنا ليس لغياب الأشخاص أنفسهم وانما لغياب النقابات العمالية كجسم نقابي ولافتة مهمة، ولا أستطيع تخيل أي عملية اصلاح تتم دون مشاركة ومباركة ممثلوا العمال الذين بالفعل يدفعون فاتورة الفساد على شكل فقر وبطالة ويمكن اعتبارهم الباروميتر الحقيقي لمخرجات أي عملية اصلاحية لقياس مدى نجاعتها وفاعليتها.
قد يقول قائل لماذا تنزعج النقابات العمالية من عدم اشراكها في الحوارات الاجتماعية؛ فقادة هذه النقابات أصلاً لا يؤمنون بالحوار الاجتماعي ولا يطبقونه داخل جسم النقابات وأكبر دليل على هذا الأمر هو تعديل الأنظمة الداخلية للاتحاد العام والنقابات العمالية دون أدنى حوار بل دون الاعلان عن ذلك أو استشارة أصحاب الشأن -العمال- بها والتمترس خلف الصلاحيات التي منحتها لهم الأنظمة الداخلية من تعديل هذه الأنظمة دون اطلاق حوار اجتماعي، وقد يعزي آخرين عدم دعوة النقابات العمالية الى الحوارات الاجتماعية أنها قد تكون على الأرجح سقطت سهواً على اعتبار أنه يمكن تلخيص مواقف النقابات العمالية حول جميع الأحداث والمستجدات على الساحة الأردنية باصدار بيانات التأييد والتثمين لقرارات الحكومة، فإذا ما كان الغرض والهدف الأساس من الحوارات الاجتماعية هو الاستماع الى آراء مخالفة لآراء الحكومة والدولة فمن المنطقي دعوة الأطراف التي تقدم دائماً نقداً بناءاً وتخالف أحياناً قرارات وتوجهات الحكومة ويمكن لها بالضرورة تقديم رؤية مختلفة عن رؤية الحكومة.
ان ملفات مثل البطالة على سبيل المثال يجب أن تكون النقابات العمالية هي عرابتها وحاملة لوائها ومن ثم يصطف الجميع خلفها، ولكن عندما اختارت النقابات العمالية -طوعاً- مغادرة قيادة المجتمع في هذه الملفات الأساسية وانطلاقاً من قاعدة أن الطبيعة لا تقبل الفراغ فمن الطبيعي أن يتقدم آخرون لملئ هذا الشاغر ومن الطبيعي أيضاً أن تتعاطى الحكومة والدولة مع من يقدم نفسه ممثلاً للمجتمع بمن فيهم العمال.
ان النقابات العمالية ان كانت راغبة في استعادة مكانتها القيادية في المجتمع - ولا أظنها كذلك - فهي اليوم مدعوة الى ردم الهوّة بين قيادة هذه النقابات وبين العمال وتمكينهم من اختيار ممثليهم ووضع أنظمتهم الداخلية بشكل ديمقراطي وحر لتكون هذه القيادات منتمية بالفعل للطبقة العاملة وتعبر عن واقعها وتعيش آلامها وتحدياتها، ومن ثم تستعيد هذه النقابات دورها المحوري والأساسي في قيادة المجتمع وعدم التفريط بحقها في تنمية الوطن، وبنظري بأن "فتحة العداد" لهذه الرغبة هو اطلاق حوار اجتماعي داخل النقابات من خلال مؤتمر عام حقيقي يشارك فيه الجميع يتم التوافق فيه على أنظمة داخلية يضعها العمال أنفسهم ولا تملى عليهم والدعوة الى انتخابات نقابية ديمقراطية والتوقف فوراً عن سياسة الاستفراد بالقيادة لاتاحة الفرصة للشباب لتمكينهم من قيادة هذه النقابات في المستقبل.
إرسال تعليق