الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
9/8/2021
لا شك أن طريق النضال والكفاح في سبيل القضايا الحقوقية مليء بالعثرات والنكسات والاحباطات والتضحيات، مما يستلزم زاداً معرفياً وفكرياً مميزاً ومستداماً، ولا أجد أميَز وأنقى وأجمل من زاد السيرة النبوية الشريفة في كل مرة ننهل منه ترتوي منه القلوب قبل العقول وتسكن الروح المتلاطمة وتطمئن الى صوابية النضال وحتمية النجاح وتستصغر الباطل وأهله مهما علَو وتجبروا.
المؤمنين بالعمل النقابي كرسالة سامية يؤدونها للحفاظ على حقوق العمال بل قل حقوق الانسان وفي مقدمتها الحق في حرية التنظيم النقابي وايجاد كيانات نقابية تكون الحصن الحصين والسور المنيع للعمال، وفي هذه المادة المبسطة والمختصرة سأحاول تسليط الضوء بشكل ومضات سريعة من حادثة الهجرة النبوية الشريفة قد يجد فيها من تسلل اليأس الى قلبه شيئاً من التسلية والتصبر ليعيد شحن همته من جديد ويعاود الصمود والنضال بعزيمة أقوى واصرار أشد.
الصراع بين الحق والباطل قديم ومتواصل وممتد
ان الصراع بين الخير والشر والحق والباطل هو صراع قديم ولم يتوقف بل هو ممتد، وتجدر الاشارة الى أن الصراع الذي نتحدث عنه في الجانب النقابي ولا يجب أن يُفهم من المنظور العقائدي أو الديني وبالتالي نحن هنا بعيدون كل البعد عن التصنيف على أساس الايمان والكفر والجنة والنار.
ومن المهم الرسوخ في قلب وذهن النقابي الشريف أن كونه على حق أو نظيف اليد أنه قد يكون بمنأى عن الصراع النقابي؛ فالعكس هو الصحيح فالنقابي الشريف الحر صاحب الموقف المبدأي غير الساعي للمصالح الشخصية يعتبر هو العدو الأول والمُلحّ لطغمة الفاسدين التي تسعى للبقاء جاثمة على صدور العمال ونقاباتهم ولن تتقبل أن ينخرط في الجسم النقابي من هو ليس على شاكلتهم وليس له ثمن يباع ويشترى به، فإن كنت تعتبر نفسك من النقابيين الشرفاء فلا تجزع ولا تحزن فهاهو من هو خير منك لاحقه قومه وأخرجوه من بلده شأنه شأن النبيين والشرفاء من قبله تهمتهم الوحيدة أنهم يسعون للحق والخير " أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ".
التخطيط أهم مقومات العمل النقابي
لا يكفيك كنقابي حر وشريف أن تتخذ من نيتك الصالحة مشروعاً ترفعه فالاعداد والتخطيط والأخذ بالأسباب أركان أساسية لنجاح أي مشروع، وهاهو خير البرية المؤيد بالوحي والذي وصفه سبحانه بأنه "إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى " لم يرتكن لقداسة المشروع وسمو النوايا ولم يركن الى قوله سبحانه " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" عن الأخذ بالأسباب والتخطيط، فالمطلوب من النقابي أن يصحح النية دائماً ويعيد تصويب البوصلة ان هي انحرفت عن المسار ثم يخطط ويأخذ بالأسباب متوكلاً على الله سبحانه وقد قلتها مراراً في مقالات متعددة أن من لا يملك خطته الخاصة فسيكون بالضرورة جزءاً من خطط الآخرين.
على طاولة التفاوض على سبيل المثال لن ينجح صاحب النية السليمة المفتقر للمعلومة والحنكة والمهارات التفاوضية، بل سينجح من يتقن التفاوض وأعد العدة وتجهز بالبيانات والأرقام والاحصاءات والمبررات ليكون قوي الحجة.. سينجح بالتفاوض حتى ان كان خبيث النية منحرف الهدف.
العبرة بالكفاءة وليس بالتوجه والاعتقاد
عندما حيث باشر الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة استعان بصاحب خبرة في مجال الطرق ولم يلتفت عليه السلام بكونه كافراً لا يؤمن بالاسلام ولا حتى به صلوات ربي وسلامه عليه، انما اعتمد الكفاءة والكفاءة فقط بعيداً عن أي تمييز قائم على أساس الدين.
وأنت كنقابي فإن الدائرة التي تتقاطع بها مع باقي زملائك النقابيين هي العمل النقابي وبالتالي فإن المقياس الرئيسي للعمل المشترك والتعاون بين النقابيين وانجاح المشاريع هي الكفاءة النقابية وليس التطابق الفكري والعقائدي، وبالعودة لمثال التفاوض الآنف الذكر وعند اختيار فريق التفاوض فإن المقياس الرئيسي يجب أن يتركز على مقدرة الفريق على انجاز التفاوض والكفاءة في مهارات التفاوض ..الخ، ولا يجب أن يتركز في ذهن النقابي ابراز فلان لأنه يتوافق معي واقصاء علان لأنه يتنافر معي ، فإن دخلت الأهواء الشخصية في تحديد رجال المرحلة فاعلم أن مسماراً قد دُق في نعش العمل النقابي وليكن النبراس في هذا هو تحري العدل عند اتخاذ القرارات أو اختيار النقابيين أو دعم المشاريع النقابية وعدم الانجرار خلف المشاعر الشخصية تجاه الأشخاص .. " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ".
المرأة شريكة وذات دور أساسي ومحوري
حضرت المرأة في معظم تفاصيل الهجرة النبوية الشريفة فكانت المهاجرة الصبورة أم سلمة وتم ايكال مهمة التموين رغم وعورة المكان الى أسماء رضي الله عنها ومن أخبرنا عن حادثة الهجرة بتفاصيلها هي عائشة رضي الله عنها، ومن الملفت أن الأدوار التي أوكلت للمرأة لم تكن محصورة وموجهة للنساء فقط؛ انما هذه المهمات الجسيمة كانت تقوم بها المرأة لخدمة المشروع ككل وحصد ثمارها جميع الأمة من بعدهم.
وفي الجانب النقابي لا بد أن تأخذ المرأة دورها ومكانتها وتنتزع حقها في ادارة النقابات العمالية وتولي مهام دقيقة ومحورية فيها، ولا يجب أن يتم استرضائها بلجنة مرأة هنا ونشاط نسوي هناك فكما أن المرأة جزء أصيل من العمال وتتأثر بقرارات ومواقف النقابات العمالية؛ فإن من حقها أن تشارك في اتخاذ هذه القرارات وتنخرط في الحوارات وتساهم في توجيه المواقف النقابية.
التعفف عن المال العام مؤشر مهم
لما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم راحلة يهاجر بها لم يرتضي لنفسه أن يركبها حتى يدفع ثمنها من ماله الخاص، ولك أن تتخيل ما يصنعه جهابذة العمل النقابي في هذه الأيام من جرأة على المال العام الذي هو بالأصل مال العمال والتوسع في البذخ والكماليات والاغداق على من يدورون في كنفهم لشراء ذممهم.
غير مطلوب من النقابي أن ينفق من ماله على النقابات بل لا يحق له الاقتطاع من المال المخصص لعائلته لينفقه على النقابات وليس هذا هو التعفف المقصود، انما المقصود استخدام أموال العمال للعمل النقابي فقط والضمير هنا هو سيد الموقف.
ان رأيت القائد النقابي ينفق ببذخ من أموال النقابات على المكاتب والسيارات الفارهة والحرص على الاجتماع في الفنادق الراقية والاكثار من السفر من غير داعٍ وتغير مستوى معيشته بعد انخراطه في العمل النقابي؛ فاعلم أن هذا الشخص غير مستأمن على المال العام ولا يصلح أن يكون حارساً ومدافعاً للحقوق العمالية التي معظمها حقوق مالية؛ إذ كيف بمن ينصب نفسه حامياً لأموال العمال من تجرؤ أصحاب العمل عليها أن يتجرأ هو بالانفاق بها على كمالياته وبرستيجه الوهمي ويحقق فيها أحلام أبناءه وبناته!!
توزيع الأدوار لا ينتقص من مكانة الأشخاص
كما أسلفنا عن دور المرأة المحوري في الهجرة النبوية الشريفة، أيضاً كان هناك أدوار للرجال تفاوتت في دقتها وطبيعتها فمن معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم لقدرات من حوله اختار علياً رضي الله عنه لينام في فراشة تمويهاً للمشركين واختار أبا بكر ليكون صاحبه في الهجرة ..الخ
والقائد النقابي الحق هو من يتمكن من قراءة قدرات ومهارات من حوله من النقابيين والعمال ويحسن استثمارها وتوظيفها، فمن يصلح لأن يقود الجماهير في اعتصام أو اضراب لا يصلح بالضرورة للجلوس على طاولة التفاوض، ومن يصلح لأن يتواصل مع العمال ويقنعهم بالانتساب للنقابات العمالية لا يصلح بالضرورة لوضع الخطط النقابية والرؤى والاستراتيجيات، ومن زاوية أخرى يجب أن تكون روح الفريق الواحد هي السائدة والتعاون والتكامل هي العامل الأساسي في نجاح هذا الفريق، فمتى دخل التنافس والتصارع بين أعضاء الفريق الواحد ضعفت النقابة .. " وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"
التضحية زاد النجاح
الهجرة النبوية الشريفة كانت من أعظم الابتلاءات والاختبارات والتضحيات التي قدمها المسلمون وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما في أي مشروع اصلاحي يجب أن يستقر في ذهن السائرين به أنه كما أن الغُنم والفوز هو مقصد الجميع أيضاً هناك التضحيات والغُرم التي تعتبر هي عربون النجاح.
قالت العرب " من يريد أن يصبح جمّالاً عليه أن يوسّع باب بيته" ، ومن هنا فإن من يريد أن يتصدر المشهد ويقود الناس ويدافع عنهم يجب أن يستعد لبذل التضحيات وتحمل التبعات للطريق النضالي الذي اختاره، أما أن أصف نفسي أني قائد نقابي ومناضل كبير ثم لا أشارك العمال اضراباتهم وأبقى أنظّر عليهم بل أسعى لافشال تحركاتهم من داخل مكتبي المكيف فهو ادعاء وتدليس كاذب.
الهجرة والأمل
فكما كانت الهجرة النبوية الشريفة بارقة الأمل لانطلاق المسلمين نحو مشروعهم وبناء دولتهم وكيانهم القوي الراسخ المتين، فإننا نأمل أن تبعث هذه الذكرى في نفوس العمال والنقابيين الأحرار جذوة النضال وتشعل شعلة النشاط ليسترد العمال نقاباتهم ويعيدونها الى كنف العمال ممن يختطفونها ويتجارون بهم وبها .. يسألونك متى هو ، قل عسى أن يكون قريباً.
اقرأ أيضاً:
اضاءات قرآنية على شروط العمل اللائق .. حاتم قطيش
إرسال تعليق